وبمثل ما ذكرنا عن الدخان يجدر أن يقاس الشاي وقهوة البن، فما أشد فتكهن بالإنسان، وما أغراهن بضرر الإنسان، فعدوى التقليد في الجميع سريعة، وقوى الإنسان للجهل سامعة مطيعة، ألا فليتذكر أولو الألباب.
المذكرة الثالثة: غلبة الأمم لغيرها
كثر غلب الأمم لغيرها، فترسل القوية عساكرها لحراسة الضعيفة بعد غلبتها، والله لقد أخذني العجب كل مأخذ، فيا إخواني يا بني الإنسان، أما لكم عقول بها تفهمون، أو آذان بها تسمعون، ما لكم تجهلون الطبيعة، كيف تنتزعون قرن الكبش وتضعون مكانه قرن الثور، هل رأيتم ذلك في الطبيعة.
ما لكم أصبحتم تجهلون علم الحقائق، وتعكفون على هذه القضايا المشئومة، أيها الناس، أنتم تسنون سنة لأبنائكم ليكونوا عالة على الأمم المحكومة، ذلكم أول خراب دولكم، ودمار أممكم، وأكثركم في بلادهم مؤدبون، فإذا حلوا بساحة البلاد المقهورة طاش سهمهم وغلت مراجلهم وبطشوا بالضعفاء بطش الجبارين، ثم يتأصل ذلك في نفوسهم، ويتولد عنه أخلاق وعادات ترجع إلى بلادكم بالدمار والخسارة.
فإذا أحرقت نار المرأة الغافلة قرية بأكملها، وسرت عادة التدخين من متوحشي أمريكا إلى العالم المتمدين، ولم يصدها حصون الدين، ولا تهديد السياسة، ولا وعيد العقوبات في الدنيا بالعذاب، ولا في الآخرة بعذاب يوم الدين، فهلا قستم على ذلك أحوال أبنائكم المرسلين للأمم الأجنبية، إذ يسومونهم سوء العذاب جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، فيتكون فيهم خلقان توأمان وخلتان متعانقتان، وهما سوء ملكة الظلم والاتكال على الناس في جلب الميرة والطعام.
ألا إن الإنسان مسكين قصير النظر اليوم، وسوف يطول نظره إذا ساعده علماؤه وعلمه حكماؤه الصادقون.
ألا إن روحي يؤلمها آلام نوع الإنسان، ويحزنها ما حل به من الرجس والبهتان، وظلم الظالمين، وجهل الجاهلين، فهلا أحسستم بمثل ما نحس، وهلا ساءكم ما ساءنا، ألا ساء مثلا الجاهلون.
يا أيها الناس، إنك ارتكبتم خطأين، وصنعتم ذنبين؛ منابذة الطبيعة وجهلها، وإحداث ملكات السوء في عقول العالمين، كيف تجترئون على سنة تمقتها العوالم الطبيعية، وكيف تأذنون لأنفسكم العلية أن تقول لأمة: لا تتعلمي ولا تتفكري، ولا يكن منك جيوش ولا قواد! ألا إن للغنم والمعز لقرونا، وللزنابير والنحل لحمى، فهل رأيتم طائفة من الزنابير اقتطعت حمى طائفة أخرى وقالت لها: نحن أولى بحراستك وأقرب للعمل لسعادتك وأدرى منك بالتفكير لك، كذب محض وجهل فاضح يمقته العالمون، عار وأي عار، عار عظيم، أين العقول؟! أين الأحلام؟! أين النفوس المتمدينة؟! العقل، الصدق، النظام، النظام.
أفلا يخجل الإنسان، أين العلوم؟! أين الحكم؟! ما تقولون يا معاشر الفلاسفة ؟ ما حكمكم؟ ما رأيكم؟ خطب جسيم وجهل كبير وطامة كبرى، ألا ساء مثلا الجاهلون الظالمون، ما أجهل الإنسان ! ما أكثر فخره، وأقل علمه، وأشد ظلمه! فلينظر لنفسه، ألا بعدا للقوم الظالمين.
المذكرة الرابعة: الحمام لا يتعصب للون
Page inconnue