ثم رفعت بصري إذا جمال النجوم باهر واضح ورأيت من الأنوار والعجائب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولقد تجاوزنا مدارات الكواكب السبعة، وشاهدنا النجوم الثوابت بأحجامها.
ما أجهل الإنسان، إنا محجوبون عن رؤيتها في هذه الأرض ، فإذا صعدنا مسافات بعيدة نشاهد حركاتها العجيبة المدهشة.
وقفة لمشاهدة الجمال والعجائب بين سيار زحل وسيار أورانوس
هنالك أوقفت مركبتنا بغتة، وقال صديقي الوجدان، سل ما بدا لك الآن، وانظر عجائب الزمان، إنا في جو عجيب بين أنوار تتلألأ وجمال وبهاء، أرى زحل بحلقاته الثلاثة المحيطات به، أرى المريخ وهو محمر اللون يبهر الناظرين، لقد غشاني ما غشى من آيات الجمال والبهاء والنور البديع الساطع، وأنا أحس بجمال في روحي وبهاء في قلبي حتى خيل لي مشاكلة أرواحنا في جمالها لما يحيط بنا في ذلك العالم الجميل من المحاسن والأنوار، ثم أخذت أعيد الأسئلة على رفيقي. فقلت له: أنحن في القمر؟ وكيف تعدى دائرته؟ وكيف ينبت فيه الشجر، ويغرد الطير؟
نحن الآن في عالم الأثير ولا هواء في جونا ولا ماء، فكيف أحيا بلا هواء؟ إن الهواء لينقطع على بعد أقل من ثمانين كيلو مترا من أرضنا، ومتى جاوزناه متنا، فكيف حييت الآن في هذا المكان، وأنا ما بين زحل وأورانوس؟ قلت ذلك وهو يبتسم وينظر نظرة المحب الودود المتعجب من السؤال. فقال: ما أضيق دائرة علمكم يا بني آدم! أما علمت أن لكل مقام مقالا؟ ألم يقل شاعركم:
البس لكل حالة لبوسها؟ ... ... ... ... ...
قلت: نعم. قال: إنكم يا معشر بني آدم تقيسون العوالم بمقاييسكم الناقصة، إن أرضكم صغيرة منبوذة لا وزن لها بالإضافة إلى ما لا يحصى من العوالم السماوية، وقد خلقتم وصورتم من نسيمها وهوائها ومائها وعناصرها التي لم تعلموا منها إلا ما يقارب الثمانين، وهل تحققتم أنه لن يخلق خلق إلا على شرائطكم الأرضية، وعناصركم الكونية، فلا تتعجب من حال صرت إليها، ولا تقسها بحال كنت فيها.
إن لكم يا معاشر الإنسان أحوالا تصيرون إليها، وستعلمون أن الحياة ليست خاصة بأوضاعكم الأرضية، ولا محصورة في أحوالكم الحيوانية، فأنت الآن بين الأجسام والأرواح تسيح في السماء العلا مع السائحين، وتنظر مع الناظرين، فأما المركبة التي أنت عليها فليست قمرا ولا شمسا ولا سيارات ولا ثوابت، وإنما هي مراكب تعرج عليها الأرواح إلى عالم الجمال والبهاء. ثم قال: انظر ما حولك من الجمال قبل مغادرة هذا المكان، فآنست أرضا تجري جريا حثيثا وهي تتلألأ جمالا وحسنا لما يسطع من نور الشمس وبهائها عليها وحجمها عظيم كبير.
الأرض تجري مسرعة في الفضاء كأنها قلة المدفع، إن قلة المدفع تجري عشرة أميال في الدقيقة، والأرض تجري قدرها مائة مرة حول الشمس لتتم حركتها السنوية، وتجري حول نفسها قدر القلة مرة ونصفا، وهي مع الشمس والسيارات يجرين حول كوكب مجهول بسرعة القلة ثلاثين مرة.
لعمرك لقد هالني ذلك المنظر، منظر حركات الأرض الثلاث تدور حول نفسها كهيئة النحلة في لعبة الأطفال، وهي بنفسها وهيئتها مندفعة تجري حول الشمس أسرع من القلة مائة مرة، حركة عظيمة، وهذا المجموع الشمسي مسخر مسكين كأنه أرض تجري حول كوكب مجهول، يجري قدر القلة ثلاثين مرة. أدهشتني الأنوار، وغشت على عقلي عجائب الحركات، نظرت أسفل إذا زحل يحيط به حلقاته الساطعة الجميلة، وهو يجري حول الشمس كأرضنا، وسنته 29 سنة، والمريخ وهو كبير الحجم، عظيم الجرم، أكبر من أرضنا 1200 مرة، ولقد تعجبت من الأقمار الساطعة، البديعة البهية الدائرة حول المريخ، فهناك قمران جميلان طالعان، وعجيب أمرهما، وبهي نورهما، ولما رأيت أقمار المشتري الأربعة زاد تعجبي، وما كنت أظن أن في العالم أقمارا غير قمرنا، ولو جاز ذلك لكان قمر واحد.
Page inconnue