Mes papiers... Ma vie (Première partie)

Nawal Saadawi d. 1442 AH
87

Mes papiers... Ma vie (Première partie)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Genres

طنط فهيمة لو عرفت كم من الوقت أقضيه في الليل بين ذراعي «ف»، ماذا تقول عني؟ فتاة فاسدة؟ طنط فهيمة تقوم بأسوأ الأعمال في وضح النهار بأنف شامخ، تحرمني من شرب اللبن في الصباح، تعطيه للقط المتنمر، هل أواجهها بحقيقتها؟ هل أواجه كل الناس بحقيقتهم؟ أنام وأحلم أنني واجهت العالم بحقيقتي، ولدتني أمي في هذا العالم، هذا العالم ليس بيتي، الأرض ليست أرضي، السماء ليست سمائي، الأهل ليسوا أهلي، أنا بلا أرض، بلا سماء، بلا أهل! أنام وأحلم بالعالم كله تغير، أحلم بلحظة أكسر قشرتي الخارجية، القوقعة الصلبة تحوطني، تعجزني عن النطق، لماذا لم أنطق اسمه؟ نلتقي وجها لوجه؟ لم تنفرج شفتاي عن كلمة «أحبك»، في الحلم أهمس له بالكلمة، ينظر إلي باندهاش، أيمكن أن تنطق بنت بمثل هذه الكلمة؟ تتسع عيناه بدهشة، يبتسم بسخرية، يمضي في طريقه إلى شارع المحطة في يده الحقيبة والعود في يده الأخرى، أصحو من النوم مبللة بالعرق، بالندم طول العمر لو أن ابتسامته الساخرة لم تكن حلما، لو أن مفكرتي وقعت في يد أحد! ماذا يقولون عن التلميذة الجادة المستقيمة؟! تسترجع حبها الأول؟! تشكله، تعيد تشكيله؟! تستحضره؟ نسمة هواء في جو خانق؟ صورة جميلة في عالم يخلو من الجمال؟

جاءني أخي طلعت وهمس في أذني: عندي فكرة جهنمية! كثيرا ما تراوده تلك الأفكار الجهنمية ، رحلة إلى حديقة الحيوان في الجيزة، إلى القناطر الخيرية، إلى دار الكتب في باب الخلق، المسرح، السينما، لم تكن أي شيء من ذلك، مغامرة بدت خطيرة شاركته فيها، لماذا؟ إنه صديقي الوحيد في البيت الكبير الموحش، هل أفقد صداقته وأنا مثله أحب الصور، أكره طنط فهيمة وأود الانتقام منها.

لم يكن في البيت إلا أنا وأخي، سافر الجميع في إجازة يومين، هبط أخي طلعت إلى الغرفة في الحديقة الخلفية: «أنا جبت عربية كارو عشان نشيل الصور دي كلها.»

ارتعدت، لم يعطني فرصة للاعتراض، بدأ يحمل الصور من الغرفة إلى العربة الكارو، وجدت نفسي أساعده كالتابع المطيع. بعض الصور كبيرة ثقيلة نشترك في حملها معا، أو يحملها أخي فوق ظهري مثل حماره، الإطارات عريضة ثقيلة مصنوعة من الذهب أو ماء الذهب، صورة جدي بالبدلة الرسمية والنياشين يشبه سعد زغلول باشا، صورة الخديو إسماعيل والخديو عباس والملك فؤاد الأول، الإمبراطور هيلا سلاسي ملك الحبشة، الأستاذة فهيمة شكري تتلقى شهادة المعلمات، صورة زفاف أمي وأبي، زفاف طنط نعمات إلى محمد أفندي الشامي، ثوب الزفاف قصير من الدانتيل الأبيض، طنط هانم ثوب زفافها طويل يجرجر ذيله على الأرض، صورة بدور هانم (شقيقة جدي) تحتضن طفلها تشبه صورة الملكة نازلي تحتضن الأمير فاروق، العذراء مريم تحتضن المسيح، صورة لجدي طاهر بيه زوجته إلى جواره ترتدي اليشمك، ثلاثة من الصبية يرتدون بدلا أنيقة، خالي يحي، خالي زكريا، خالي ممدوح، محمد علي باشا أحد أسلاف شكري بيه! أمي بالفستان السواريه في حفلة رأس السنة، أمي تحمل طفلها الأول «طلعت»، الإلهة إيزيس تحمل حورس.

أمسك أخي الصورة الأخيرة، تحفة! «خسارة الصور دي تترمي في التراب كدة!»

ساعتان ننقل الصور من الغرفة إلى العربة الكارو، صعد أخي مع السائق فوق العربة ليربط الحبال، الحمارة مربوطة في العربة هزيلة بيضاء تشبه حمارة الحاج محمود في منوف، زمجر السائق، الحمل أثقل مما تصور، طالبنا بزيادة في الأجر، لم يشأ أخي أن يضيع الوقت، وافق على الفور، تأهبت العربة الكارو للحركة، فوقها الحمل الثمين، نحن من خلفها، فجأة ظهرت طنط فهيمة، انشقت عنها الأرض، رأيتها أنا وأخي في وقت واحد تدفع الباب الحديدي الخارجي بيدها لتدخل، ظهرها ناحيتنا، سمعنا الجرس المعلق فوق الباب يصلصل، ابتدرت لتغلق الباب وراءها، التقطت أذناها الصوت، النهيق، شارع الزيتون لم يكن فيه حمير، توقفت حركة رأسها مع الاستدارة لتغلق الباب، عيناها الجاحظتان من وراء العربة الكارو، الحمارة لم تتحرك بعد، الحمل ثقيل، تثبت حوافرها في الأسفلت، يرتفع نهيقها في الجو. «شيه يا عزيزة شيه!»

طنط فهيمة عيناها لم تريا العربة الكارو، الحمارة فقط رأتها، تحركت عيناها إلى العربة، أكوام الصور فوق ظهر العربة، ترددت، استدارت لتدخل، ظهرها أصبح ناحيتنا، نجونا، نجونا، حمدنا الله.

لماذا استدارت مرة أخرى؟! لمحت المرحوم جدي يتربع فوق ظهر العربة الكارو، داخل الإطار المذهب، داخل بدلة التشريفات فوق صدره النياشين. «يا دي المصيبة!» طنط فهيمة ترفع الصوت، أبوها المرحوم عاد من القبر، المصيبة تحولت إلى فضيحة، امتدت من بيت المرحوم في الزيتون إلى بيت الشيخ الأكبر في القلعة، إلى العمارة العالية في الضاهر إلى منوف إلى كفر طحلة إلى كل مكان في الكون.

عاد المرحوم (ومعه جميع الصور) إلى الخلفية في الحديقة، انطلقت الحمارة مع سائق العربة الكارو، لم يرد لأخي الثمن الذي أخذه مقدما. استأجرت طنط فهيمة نجارا، أصبح لباب الغرفة قفل لا يفتحه الجان، أخي يحاول تفسير ظهور طنط فهيمة، لغز أصعب من نظرية فيثاغورس، لو طنط فهيمة تأخرت دقيقة واحدة بس! لو الحمارة اتحركت دقيقة واحدة قبل ما طنط فهيمة توصل!

كان عنيدا يكره الفشل في هذه المغامرات أكثر من الفشل في المدرسة، حصل على هذه الصور بعد ذلك، كيف؟ دخلت إلى غرفته في منوف فرأيت الوجوه معلقة فوق الجدران، التي حملتها فوق ظهري من الغرفة الخلفية، يتوسطها المرحوم جدي داخل الإطار المذهب داخل بدلة التشريفات، النياشين فوق صدره. •••

Page inconnue