في بعدك لا أشعر بالزمن يفنى من الساعات والأيام، بل مني ومن حياتي، فأنا في بعدك أذوب، أذوب فناء، أي أذوب شوقا، وأفنى صبرا وعمرا بين كل ساعة وساعة!
وفي الحياة يفنى الوقت ذاهبا فيما نحن بسبيله من واجباتها وممكناتها، وتعبنا بها وقتا وراحتنا فيها وقتا آخر، فكأنه لا يمسنا نحن بل يمس أعمالنا، فنحمله بذلك ونطيقه على ذلك، ولا نحس أننا نموت فيه يوما بعد يوم، بل نشعر بالحياة تبدأ فينا ولا تزال تبدأ، أما في الحب على امتناع الحبيب أو هجره أو فراقه، فحاضرنا هو الماضي ويومنا هو أمس؛ إذ لا تزيد فيما يكون إلا مراجعة ما كان فيقع الزمن على قلوبنا، ويعتمل فيها، ويأخذ منها ولا نشعر به إلا موتا في صورة حياة ممتعة علينا، ومن ثم فلا يكون الشوق إلى الحبيب الممتنع أو الهاجر أو المفارق إلا لهفة ثائرة كلهفة الشوق إلى الحياة من مريض وقذه المرض ورس على جسده السقم
3
فمات أكثره، وبقيت منه البقية الذاهبة نفسا في نفس، ويشعر بالموت يبدأ فيه ولا يزال يبدأ!
يا رحمة للمشتاق حين يكون فيما حوله وهو بعيد عنه، وقد يتكلم بالكلمة وهو مسيرة شهر من معناها ...
4
ويعيش في سكوت ملأته أرواح ألفاظ محبوبة تريد بما وسعه أن تتكلم، ولا يمكن أن تتكلم؛ إذ الفم الجميل الذي ينطقها بعيد في وديعة النوى، ويروي أنه هو وحبيبه ناحية فكرية من نواحي الدنيا بعيدة عن الناس والأشياء، كأنهما معتكفان في عزلة، ومع ذلك فالحبيب عنه بعيد، فكأنما المسكين غريب في دنياه، وفكره معا، ويحس الآلام لا تنتهي؛ إذ كانت هي أشواقه الدائمة الحنين إلى من يهواه، فالألم دائما فيه يبدأ ولا يزال يبدأ!
ومن كل ذلك فأشواقي لك يا حبيبتي دائما تبدأ ولا تزال تبدأ، وأنا دائما في أولها! •••
آه ما هذه الأفكار الحزينة التي جاءت تبحث عن دموعي.
وما هذا المعنى الناري الذي يطير في دمي.
Page inconnue