تجذب في قلبي الخوف والأمل بمقدار واحد. •••
تلك يا حبيبتي صور نظراتك في معرض قلبي، وتقابلها هناك الصور الأخرى التي لا تريدين أن أصفها لك؛ لأنها الصور المسكينة: صور أحلامي ...!
استمداد فلسفة
«وكتب إليها»:
جاءني كتابك، بل جئتني أنت في كتابك، فضممت الصحيفة إلى قلبي ضمة عرفتك فيها من خفقات هذا القلب واضطرابه! وقبلت الكلمات قبلا شعرت من سحرها في نفسي أن هذه الألفاظ قد خرجت من فمك الوردي فجاءت عطرا وحياة وجمالا، ونقلت في الكتاب جوا رقيقا نديا كان مطيفا بشفتيك عند كتابتها كأنه نسمة من الفجر حول وردة تتنفس بعطرها الذكي.
كلما قرأت لك شيئا نفذ إلى روحي بالعطر الذي عطرك الله به. كأن الكلام بيننا أثير تسبح فيه مادة نفسينا: ولو كل الجميلات في العالم لفظن كلمة واحدة ثم لفظتها أنت لكنت أنت وحدك القادرة على أن تصنع روح الجمال، وروح الحب، وروح المرأة في تلك الكلمة؛ لأن روحي لا تعرف الجمال والحب والمرأة إلا فيك!
ترينني حين أقرأ كتابك بين سحرين تظاهرا من ألفاظك ومعانيك، فتجدينني كالنائم تخلق الذاكرة في خياله أجسام المعاني المحفوظة؛ لتخرج له من الاسم صاحب الاسم، وترد عليه من الحكاية واقعة الحكاية، وتجرد منه شخصا لا حقيقة له ينطلق في عالم مسحور ليست له حقيقة ، ويألم النائم ويلذ كأنه من اليقظة لم يزل! •••
يذكرني هذا بما جادلتك فيه يوما من أن هناك عالما معنويا يخلق مما ننساه، ونحن ننتقل إليه أحيانا بالنوم، وأن هذا تمثيل لمعنى الخلود، أو هو من بعض أدلته؛ إذ لست أرى الموت إلا رجعة الروح إلى عالم أنشئ لها من أعمالها في رحمة الله ونقمته. فنحن على الأرض نبني لأرواحنا في السماء، ومنا من يبتني لنفسه المدينة العظيمة بخيراته وحسناته، ومن يبني لروحه السجن الضيق الوعر بآثامه وجرائمه!
ما لي أراني قد اندفعت إلى ما وراء الحياة؟ ولكن هل الحب إلا روحانية ترجع بنا إلى ما وراء أنفسنا لتضيف بعض المجهول إلى وجودنا، وتزيد لنا نعيم الدنيا وآلامها ما لا يزيده شيء آخر غير الحب؟
لو سألتني من هو العاشق لأجبتك إنه لن يكون عاشقا إلا من أحس أنه قذف به في الابتسامات والنظرات بمرة واحدة إلى مهبط السموات، فيشعر أن نعيمه أهنأ من نعيم الأرض، وأن عذابه أشد من عذابها، وكأنه إذ يتنعم لم يصب أسباب النعيم، بل أسباب الخلود في الجنة، وإذ يتألم لم يجد مادة الألم. بل مادة نارية خالدة على قلبه.
Page inconnue