138

وما كان في الحبيب سلبا فهو الذي يفتن في دلاله وامتناعه، وهو مبعث سحر الجاذبية، وهو الذي يحقق من جماله الخيالي أشكالا تتلهف عليها الروح لهفة الظمآن الضائع في القفر على تموج السراب وصبغة الرمل الجاف الملتهب بلون الماء البارد الصافي.

يمنعك الحبيب ما تشتهي منه، فإذا هو قد منحك الخيال ولذته وسحره، وإذا هو قد جعلك بالسلب كالمرآة لا تتلقى إلا لتعكس - فأنت للحب والشوق، ولكنك أيضا للتفسير والتعبير، وتجد في قلبك من أثر ذلك النقص تكامل الحياة، ويصبح عندك فهم الجمال جزءا من الخلق والفكر، كما هو فيك جزء من الحاسة والعاطفة، فإذا نار قلبك تحرق المعاني، وإذا كل شيء يتفجر لك عن ضوء أو شعلة، ويحقق لك الحب: أن الله نور السموات والأرض ...

يا حبيبتي، أليس كذلك؟ •••

إذا لم يكن ما نعده بغيضا شيئا مفصولا عن الكون فهو - ولا ريب - من ضروراته، وهو بهذا من أجمل جماله في معنى التكوين والإبداع، غير أننا لا ننظر منه إلى هذا المعنى، ولا نعتبر صلته بالوجود؛ بل ننظر إليه بمعنى التكوين الذي فينا، ونعتبر صلته بنا، فلا يكون من هذا إلا أنه قبح وسمج من قبحنا لا من قبحه.

فالكون بما فيه من أثر الخالق هو اتساق واحد منسجم لا شذوذ فيه ولا تنافر ولا قبح ولا بغض، ولكننا نحن بما فينا من قوة الخلق،

2

نتمرد على الانسجام والاتساق؛ إذ لا نملك من ضعفنا إلا خلق هذا التمرد، وتتطلع شهواتنا ورغباتنا إلى شيء ما فيكون جميلا وحبيبا، وتنصرف عن شيء ما فيكون قبيحا وبغيضا.

ومن هذا فليس في الكون إلا الحب والجمال والخير؛ إذ سقطت الشهوات، إذ كل شيء حينئذ يكون مقصورا على حقيقته التي لم نفسدها بتغييرها، ولأن قبح شيء من الأشياء إنما هو صورة انحرافنا عن إدراك لا حقيقة، وجهلنا بناحية اندماجه في قانون الاتساق الإلهي.

أفليس بذلك يكون المشوق الجميل كأنه تهذيب علمي لروح من يهواه، وتدريب له على الاندماج بفكره وعاطفته في جمال الخليقة؟

أليس بذلك يكون المعشوق الجميل هو الوسيلة التي يتعلم بها العاشق علم قلبه. أي فن الارتفاع بالأشياء الجميلة عن سذاجتها الفطرية، وإكسابها في روحه الإشراق الإلهي؟

Page inconnue