يا من جعل الناس في الحياة كأوراق الشجر، من اليابسة التي تتقصف إلى جانب الخضراء التي ترف، ثم إذا الناس جميعا كالأوراق جميعا. يبست فارفتت
1
فطارت بها الريح تذروها فلا يعلم مستقرها ومستودعها إلا هو!
ويا من خصني بهذا القلب العاشق الذي يتألم ويضطرب حتى عندما ألمس كتابا أعرف أن فيه قصة حب، وهو مع ذلك يتكبر على كل آلامه ولا يخضع أبدا إلا جوابا على خضوع آخر، فكأنه لا يدنيني ممن أحبهم إلا لأعرف ما أكرهه فيهم، وكأنه من فرط رقته آلة إحساس جامدة لا قلب حي.
ويا من جعل هذا القلب في كجناح الطائر: لا يطير ولا يرتفع ولا يسمو ولا يتقاذف إلا إذا نشر هو وجناحه الآخر، فلا أبحث عن الحب لأجد الحبيبة وجمالها وحبها، بل قوتي وسموي وكبريائي.
يا إلهي! تقدست وتباركت! إني لا أنكر حكمة آلامي، فما أنا إلا كالنجم: إن يسخط فليسخط ما شاء إلا ظلمة ليله التي تشب لونه
2
وتجلوه، ولولاها لما رأت الأعين شعاعة تلمع فيه.
لم تعطني يا رب ما أشتهي كما أشتهيه ولا بمقدار مني، وجعلت حظي من آمالي الواسعة كالمصباح في مطلعه من النجوم التي لا عدد لها ولكن سبحانك اللهم، لك الحمد بقدر ما لم تعط وما أعطيت، لك الحمد أن هديتني إلى الحكمة، وجعلتني أرى أن المصباح الضئيل الذي يضيء جوانب بيتي هو أكثر نورا في داخل البيت من كل النجوم التي ترى على السطح وإن ملأت الفضاء!
سبحانك اللهم! إن هذا الشجر ليتجرد ويذوي ثم لا يمنع ذلك أن يكون حيا يتماسك ويشب، وإنه ليخضر ويورق، ثم لا يعصمه ذلك أن يعود إلى تجرده ويبسه، فما السعادة أن نجد الزينة الطارئة، ولا الشقاء أن نفقدها، وما الشجرة إلا حكمة منك لعبادك تعلمهم أن الحياة والسعادة والقوة ليست على الأرض إلا في شيء واحد، هو نضرة القلب!
Page inconnue