وصل كتابك أسرع ... مما قدرت، فعلمت أن قلبك أشفق علي وخشي أن أتألم إذا انتظرت، وتناولته فأحسسته فياضا بمعانيه إذ كان في يدي كأنه لهفة قلب مجسمة، حتى ما شككت أن كل كلماته كانت خفقات.
وفضضته فطالعتني منه صحيفة تضطرب بأشواقها كأنها رجة صدر عاشق أمسكت في زفراتها وطويت، وختم عليها وجعلت رسالة! ونظرته فإذا هو ترجمة شخصك في حسنه وجماله وظرفه، وابتدرتني منه جملة باسمة أمطرتها لثما؛ إذ خيل إلي إنها ترجمة عن شفتيك.
وقرأته بفكري كما أقرأ نظراتك وابتساماتك ورجفات الدلال على جسمك حين تتناثر أفكاري عليه فإذا في موقع كل فكر على هذا الجسم الفاتن خطرة دلال أو اختلاجة صبابة أو انثناءة تيه أو هزة نشوة، وإذا معاني الجسم تجوب معاني الفكر، وإذا روح الجمال ترتعش بك من لمسات الحب.
وفهمته كما أفهم حسنك الذي جعله الحب من أسرار قلبي، فجعله القلب من أسرار روحي، فجعلته روحي من أسرار الكون، فأظهره الكون كأنه ومضة من النور القدسي أحبت أن ترى رؤية وله وعبادة فكان سطوعها فيك أنت، وكان الخشوع لها في قلبي أنا، وذهبت بي كل مذهب تقديسا وخضوعا ومحبة.
ووقف الهوى بي عند قولك ... وهو كلام كما أرهفته لحاظك تفتحت له جراح قلبي، وانصب يكلمها فتجاوبه ألما ودما.
وعند قولك ... وهو كلام كما عرفت عليه أنفاسك، احتر إليه صدري الهائم فأقبل يتخطفه بتنفسه يقطف منه الحياة.
وعند قولك ... وهو كلام كما رنت فيه ضحكاتك طربت له روحي فاهتزت له هزة حسبتها تناولت الكون أو تناولها.
وعند قولك ... وهو كلام كما غردت فيه نغماتك انسرقت له حواسي
1
فكدت أظن أن فرحة من الخلد لم تجد على الأرض إلا هذه النغمة من صوتك تحملها دون أن يتغير مدار تأثيرها السماوي.
Page inconnue