فتساءل رفاعة: هل يرضيكم أن أتزوج منها؟
فاختلط صراخ الغضب بصيحات الاستهزاء، وقال زيتونة: لا يهمنا إلا أن تنال جزاءها.
فاستقتل رفاعة قائلا: سيكون العقاب من شأني أنا. - بل هو من شأن الجميع.
ووجد خنفس في اقتراح رفاعة منقذا له من ورطته. لم يكن في قلبه مقتنعا به، ولكن لم يكن عنده خير منه. وغالى في تجهمه مداريا ضعفه، وقال: الولد ارتبط أمامنا بزواجها فله ما يطلب.
زاغ بصر زيتونة وأعماه الغضب فصاح: ضيع الجبن الشرف!
وإذا بقبضة خنفس تحطم أرنبة أنفه، فتراجع مولولا والدم يسيل من منخريه بغزارة. وأدرك الجميع أن خنفس سيغطي على موقفه الضعيف بإرهاب من يخالفه. وقلب عينيه في الوجوه التي كشف ضوء الفانوس عن خوفها فلم تند من أحد منهم حركة عطف على محطم الأنف. بل وبخ فرحات زيتونة قائلا: «عيبك في لسانك.» وقال برهوم لخنفس «لولاك ما اهتدينا إلى حل!» وقال له حنورة: «زعلك بالدنيا يا معلم.» وأخذوا في التفرق فلم يبق في النهاية إلا خنفس وشلضم وشافعي وعبدة ورفاعة. ومضى عم شافعي إلى خنفس ليحييه فمد له يده ولكن الآخر استشاط غضبا وضرب يده بظاهر كفه فتأوه الرجل مقهقرا. وهرع إليه ابنه وزوجته على حين غادر خنفس الدهليز وهو يسب الرجال والنساء وآل جبل بل وجبل نفسه. ونسي عم شافعي في ألمه الورطة التي عثر فيها ابنه. ونقع الرجل يده في ماء ساخن وراحت عبدة تدلكها وهي تقول: ترى هل أوغرت زكية صدر زوجها علينا؟!
فقال عم شافعي متوجعا: نسي الجبان أن ابننا الأحمق هو الذي أنقذه من نبوت بيومي!
52
كان رفاعة معقد آمال والديه فشد ما خابت الآمال؛ بزواجه من ياسمينة سينتهي الشاب إلى لا شيء، أما الأسرة فصارت مضغة للأفواه ولما يتم الزواج. وبكت عبدة خفية حتى أضر بها البكاء، وتجهم وجه شافعي إذ تجهمته الدنيا، لكنهما حيال الشاب انطويا على نفسيهما وتجنبا المغاضبة. ولعل ياسمينة هونت من الخطب بسلوكها عقب المظاهرة، إذ هرعت إلى بيت عم شافعي وجثت أمام الرجل وزوجه باكية وسكبت على قدميهما بعض ما فاض به قلبها من الامتنان، ثم أعلنت في حرارة وجد توبتها. ولم يكن من الممكن العدول عن الزواج بعد أن ارتبط به الشاب جهارا أمام آل جبل، فسلم عم شافعي وزوجه بالأمر ووطنا النفس على تقبله. وتنازع قلبي الوالدين رغبتان، واحدة تود أن ترعى التقاليد في الاحتفال بعرس رفاعة وموكب زفته، والأخرى ترى الاقتصار على حفل بيتي حتى لا يتعرض الموكب لسخرية آل جبل الذين باتوا يعرضون بالزواج في كل ناد. وقالت عبدة في حسرة معربة عن عواطفها المكبوتة: طالما منيت نفسي برؤية زفة رفاعة، ابني الوحيد، وهي تجوب الأحياء!
فقال عم شافعي بامتعاض: لن يرضى بالاشتراك فيها أحد من آل جبل.
Page inconnue