Illusions de l'esprit : une lecture du « Novum Organum » de Francis Bacon
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
Genres
26
غير أنه كان في الوقت ذاته حريصا كل الحرص على إبعاد السلطة الدينية عن مجال الحقيقة العلمية، بحيث اكتفى في الشئون الدينية بالوحي، وترك للعقل مهمة بحث مادة العالم الطبيعي وكشف قوانينها، وبذلك صد عن الباحثين في مجال العلم هجمات رجال الدين دون استفزاز لهؤلاء الأخيرين.
27
يقول بيكون: «ليس ثمة ما هو أسوأ من تمجيد الخطأ؛ فحين تؤله الحماقة فذلكم بلاء يحيق بالفكر. في هذه الحماقة انغمس بعض المحدثين، وبغفلة متناهية حاولوا أن يؤسسوا فلسفة طبيعية على الفصل الأول من سفر التكوين وسفر أيوب وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس، باحثين هكذا عن الموتى بين الأحياء، ومثل هذه الحماقة يجب أن توقف وتقمع بكل قوة، فمن هذا المزج غير الصحي بين البشري والإلهي لا تنبثق فقط فلسفة وهمية، بل ودين هرطقي؛ ومن ثم فإن رأس الحكمة والاتزان أن نعطي للإيمان ما هو للإيمان ولا نتزيد.»
28
ويقول في شذرة أخرى: «ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الفلسفة الطبيعية كان لها خصم مزعج وعنيد في كل عصر ألا وهو الخرافة والحماس الأعمى والمتطرف للدين؛ فنحن نرى بين اليونان أن أولئك الذين كشفوا العلل الطبيعية للرعد والعواصف لأول مرة لأناس لم يسمعوا قط عن هذا الشيء قد أدينوا بالكفر، كما أن معاملة بعض آباء الكنيسة الأوائل لم تكن أفضل حالا مع أولئك الذين أثبتوا بأوثق البراهين (بحيث لا يعترض عاقل عليها الآن) أن الأرض كروية ... ونفس الميل تبدى - وإن بطريقة مختلفة - في رسائل أولئك الذين لم يتورعوا عن استنباط وتأييد صدق الدين المسيحي من مبادئ الفلاسفة وسلطتهم، وهللوا لزواج الإيمان والعقل كما لو كان شرعيا، وفتنوا عقول الناس بتنويعة سارة من الأشياء، إلا أنهم في الوقت نفسه خلطوا الأشياء الإلهية بالأشياء البشرية، وهو اتحاد غير متكافئ ... والبعض يخمنون ويتخيلون أنه إذا كانت العلل الوسطى غير معلومة فمن الممكن أن تعزى الأحداث المفردة بسهولة أكبر إلى يد الرب وعصاه (وهو في ظنهم شيء في مصلحة الدين بدرجة عظيمة): هذه ببساطة محاولة «لإرضاء الرب بكذبة» ... والبعض يخشى أن الحركات والتغيرات في الفلسفة سوف تنتهي إلى غزو الدين، وهناك من يبدو متخوفا من أن تفضي دراسة الطبيعة إلى اكتشاف ما يطيح بالدين أو يهز سلطته على الأقل، وبخاصة بين الجهلاء، والخوفان الأخيران أتشمم فيهما رائحة حكمة غرزية، وكأن الناس أحست في أعماق عقلها وفي سرائرها شكا في قوة الدين وهيمنة الإيمان على العقل، فتملكها الخوف وأحست أنها مهددة من بحث الحقيقة في الطبيعة ...»
29
والحقيقة أن بيكون نفسه كان متدينا، قرأ الكتاب المقدس وتأثر به في تكوين فكره وصياغة رسالته؛ فقد أوحت له قراءته لسفر التكوين بفكرة استعادة الإنسان لسيادته على الطبيعة كما كان الأمر قبل الخطيئة الأولى. وثمة التقاء بين معنى «الإحياء»
instauration ، وبين معنى «الخلاص»، والتقاء بين «الحرمان من المعرفة» وبين «السقوط»،
30
Page inconnue