Augustin: Une Très Courte Introduction
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Genres
استقى أوغسطينوس عنوان الكتاب من الزبور، واختاره بحيث يمثل نقيضا متعمدا لكتابي «الجمهورية» لكل من أفلاطون وشيشرون. وكانت أجزاء من ذلك الكتاب معركة حامية الوطيس بينهما وبين أوغسطينوس. استغرق تأليف 22 فصلا من هذا العمل ثلاثة عشر عاما؛ فقد بدأ تأليفه وهو في التاسعة والخمسين من العمر وأنهاه عندما بلغ الثانية والسبعين.
أجابت الفصول الخمسة الأولى على المشركين الذي يعبدون آلهة متعددة ويرون أن الآلهة القديمة تحمي المصالح الرومانية بشكل متفرد. ولكن ألم تكن تلك الآلهة رجالا مؤلهين فحسب؟ لقد استغل أوغسطينوس استغلالا عظيما الدراسة العتيقة للعقيدة الرومانية للعالم الشهير فارو، والمثقلة بإحاطة واسعة وشاملة بأكثر الجوانب تفاهة للطائفة الوثنية. ويتساءل المرء لم جمع أوغسطينوس وصفه للشرك من كتاب وضع منذ خمسة قرون بدلا من وصف الأحداث الجارية في أفريقيا حتى سنوات قليلة سابقة وحسب. لقد اكتسب المفكرون الوثنيون المعاصرون، ربما دفاعا عن أنفسهم، اهتمامات قوية بما هو قديم، ويمكن أن يرى المرء ذلك في «تعليق على حلم سكيبيو» للقديس ماكروبيوس أو «عيد الشمس الوثني». ومفاد محاجتهم المناوئة للمسيحية أنها ليست التقليد الأصلي البدائي. وبادر أوغسطينوس، انطلاقا من سلطة موثوقة، ببيان كيف أن المسائل الأصلية البدائية كانت غير ملهمة ومثيرة للحرج.
شكل 9-2: «مدينة الله»، أقدم مخطوطة على الإطلاق، وترجع إلى منتصف القرن الخامس، بمدينة فيرونا.
وجهت الكتب من السادس حتى العاشر إلى الأفلاطونيين الجدد الذين كانوا يعيدون تفسير التقليد الشركي كدرب للتطهير؛ حيث تلعب الآلهة دور الوسطاء ما بين البشرية وأسمى العوالم. وأتاحت الكتابات الأفلاطونية لزميله الأفريقي أبوليوس الكثير من النصوص للنقاش.
كان أوغسطينوس على دراية بأن نقاشه الودود والنقدي في الوقت نفسه للأفلاطونية سيصدم المتحمسين المعاصرين الذين تعاملوا مع أفلاطون باعتباره سلطة مقدسة لا ينبغي تعديل أي شيء في كتاباته أبدا. ولكن أوغسطينوس وجد في فرفوريوس حداثيا يعيد تفسير التقليد الأفلاطوني بطرق ثورية، وبهذه الطريقة جعله أقرب صلة بالمسيحية التي يكرهها فرفوريوس.
رفض أوغسطينوس الإمبريالية الرومانية والكفاية الذاتية الرواقية وتطهير الذات الأفلاطوني الجديد (رغم إعجابه الشديد والدين الشخصي الذي يدين به) باعتبارها تنويعة لتعبيرات عن الكبر والغرور . ورأى أوغسطينوس أن التوتر المطلق للبشرية لا يكمن في التوتر ما بين العاطفة والمنطق اللذين يمكن أن يكونا بالقدر نفسه أداتين لتأكيد الذات. وفي الجزء الرابع عشر من كتاب «مدينة الله»، يدافع أوغسطينوس عن المشاعر باعتبارها مكونات حميدة في الطبيعة البشرية وضعها الخالق عن عمد، وهاجم أوغسطينوس الفكرة الرواقية بأن المشاعر يجب كبتها؛ فالحب نزعة بشرية أساسية؛ ومن ثم ينبغي توجيهها على النحو السليم؛ أي نحو الرب والجيران. كان المثل الأعلى الإنساني القديم يقضي بالارتقاء بكرامة الإنسان إلى حد المساواة مع ما هو إلهي. ولتحقيق هذه الغاية أوصت أطروحة فرفريوس «عن عودة الروح» بالنأي عن كل شيء جسماني. ورفض أوغسطينوس المماهاة ما بين الجسد وأصل الشرور. ومن ناحية أخرى، فقد اعتقد أنه من الوهم الافتراض بأن أسمى خير للإنسان يمكن أن يناله في هذه الحياة، ويجوز العثور عليه في إنجازاته الاجتماعية أو الثقافية أو التكنولوجية. ويكمن أعظم خير للإنسان في الحياة الأبدية في الرب وبمعيته. ولا يقتضي ذلك نبذا لقيم هذه الحياة، لكنه يجعلها نسبية.
توحي بعض الفقرات في كتاب «مدينة الله» بالتخلي تماما عن الإمبراطورية الرومانية وكل المؤسسات السياسية باعتبارها منظمات نهمة للسلطة تسعى للهيمنة الخبيثة واضطهاد القوي للضعيف. لا شك أن صفحات المؤرخ سالوست التي تناول فيها الصراعات الطاحنة في التاريخ الجمهوري الروماني أثرت في أوغسطينوس، ويقتبس مؤيدا القول المأثور اللاذع لسالوست إذ قال إن المجتمع الروماني كان يتسم بالثراء الشخصي والفساد العام. ورأى شيشرون (واحد من ضحايا تلك الصراعات الطاحنة) أن أي مجتمع منسجم يجب أن يكون لديه نظام قانون، وتتوثق وشائجه بروابط المصلحة المشتركة والتعويل المتبادل. ومع ذلك، لم يتوقف التاريخ الروماني قط عن أن يكون قائمة بالغزوات العدوانية. كيف يمكن أن يكون المجتمع الشركي مجتمعا تسود فيه العدالة؟ «إذا انتزعت العدالة، فستمسي الحكومات مؤسسات لصوصية على نطاق واسع» (مدينة الله).
ولكن حانت الآن العصور المسيحية. أيمكن الآن تحقيق العدالة بمعرفة إمبراطور يقر بالعبادة الحقة للرب الواحد المتجلي في المسيح؟ كتب أوغسطينوس في شبابه من آن لآخر وكأن الإجابة عن هذا السؤال كانت - أو كان من الممكن أن تكون - بالإيجاب، وكأن اعتناق المسيحية كان يعيد إحياء المجتمع المنهك المريض، ويتيح إمكانية تأسيس «إمبراطورية عادلة» (الرسائل)، وكأنه بالتشريع الإمبريالي الداعم للكنيسة الكاثوليكية والمناوئ للطائفة الوثنية والخلاف الانشقاقي مثل ذلك الذي تبنته الدوناتية، ستصبح الإمبراطورية «إمبراطورية مسيحية» (الخطيئة الأصلية وعناية المسيح
De gratia Christi et de peccato originali ). (ترد العبارة الأخيرة وحسب في الكتابات الضخمة لأوغسطينوس، لكن الفكرة ضمنية في العديد من المواضع، وطاب له أن يتحدث عن «العالم المسيحي».) وإن صح ذلك، فإنها ليست متأصلة في جميع الحكومات على هذا النحو لدرجة تجعلها تسعى وراء احتكار السلطة والولاء، وتحاول تدمير الكنيسة باعتبارها تهديدا لسيادتها. علاوة على ذلك، قدم القديس بولس (الرسالة الثالثة عشرة إلى أهل رومية) دعما رسميا لتقييم إيجابي للحكومة باعتبارها أداة تنظيمية من لدن العناية الإلهية، وإن لم تكن تساعد المرء على دخول الفردوس، فهي على الأقل تسد الطريق إلى الجحيم.
لم يعد أوغسطينوس الناضج الذي خط بيمينه «مدينة الله» يستخدم مثل هذه الكلمات التفاؤلية إذ يصف البنى السياسية؛ فقد لاقى اعتناق قسطنطين للمسيحية ترحابا شديدا، لكن اعتناقه لها لم يمهد للألفية. يحلل الجزء التاسع عشر من الكتاب تداخل القيم ما بين المدينتين الأرضية والإلهية. وهما متمايزتان قطعا بلا شك؛ فالعلمانية تختلف عن القداسة، وبابل تختلف عن القدس؛ فالمدينة الدنيوية المنظمة من أجل السلطة والثروة والراحة والمتعة تبعد بعد المشرقين عن المدينة السماوية. والإنسان يسعى وراء قيم مدينة الله حتى في هذه الحياة الدنيا بمعرفة الكنيسة المطابقة (متى 13)، إلى هذا الحد، لمملكة الرب. ولكن رغم أن الفارق يكمن في نطاق رؤيوي حقا، فإن المدينتين معنيتان بشيئين تشتركان فيهما؛ ألا وهما العدل والسلام، رغم أنهما لا تقصدان الشيء نفسه بالضبط بهاتين الكلمتين.
Page inconnue