Augustin: Une Très Courte Introduction
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Genres
De Trinitate )، «وقادرة على معرفة الرب» (القدرة على تلقي الرب). و«حتى اللادينيون» يفكرون في الخلود بالإيحاء، وذلك عندما يصدرون أحكاما أخلاقية تأكيدية على سبيل المثال حول سلوك الآخرين، متجاهلين حقيقة أنهم لا يحسنون التصرف هم أنفسهم. ولذا، حتى في أسوأ السيناريوهات، تحتفظ الروح بعلامات العقلانية والحرية التي تعد مغزى «صورة الرب» التي يهبها للإنسان بواسطة الخلق. وفي الوقت نفسه، فإن الروح، إذ خلقت من العدم، ثابتة لا تتغير، وإمكانية السقوط لذلك تمنح بالخلق. ومع ذلك، فإن الاختيار الفعلي للإرادة بتجاهل الخير لا مبرر له ويتعذر تفسيره.
والمعضلة هنا أرقته طويلا. تساءل أوغسطينوس لم سقط بعض الملائكة دون بعض؟ في مرحلة نضجه، بدا له أنه من غير المناسب أن يتحدث عن المصادفة العشوائية واللاعلية. وللتعاطي مع هذه الصعوبة، لجأ أوغسطينوس إلى مبدأ القضاء والقدر.
رغم أن أوغسطينوس انشق عن الرأي الأفلوطيني القائل بأن الشر ينبع من المادة، فإنه وافق على أن التبعة الرئيسية للاختيار الخاطئ للروح هي أنها أمست مرتبطة بشكل وسواسي بالجسد. والمادة بحد ذاتها محايدة أخلاقيا؛ ورغم ذلك فبمقتضى حقيقة كونها مخلوقة من العدم، وبموجب كونها هي ذاتها عديمة الشكل، فهي تحمل في طياتها دونية ميتافيزيقية عميقة. ومع ذلك، الروح هي المعترك الحقيقي. إن «الطبيعة» التي وهبها الله للبشرية خيرة؛ فقد كان لآدم قبل السقوط وللمسيح في انبعاثه «طبيعة نقية» لا يتأتى لبقية البشرية الآن نيلها. ويؤدي فساد الخيارات الواهنة إلى نشوء سلسلة من العادات تقيد الشخصية وتصبح متأصلة، وتمسي طبيعة معيبة أو «فاسدة».
تدلل الخبرة بالقرارات الأخلاقية على أننا جاهلون بما هو صواب، والأدهى أنه عندما نميز الصواب، نجد صعوبة بالغة في لزومه والعمل به. لقد شعر أوغسطينوس بالتردد حيال سؤال إن كان «الجهل والصعوبة» جزءا من خطة الرب الأولية لمخلوقاته لكي يعلمهم، بينما يصلون إلى مرحلة النضح تدريجيا، إجادة التعامل مع مشكلاتهم والوقوف على أرض صلبة بأنفسهم، أم إن الصراع الأخلاقي تبعة دائمة وعقابية لموقف سقوط الإنسان منذ أول عصيان لآدم وحواء. لا ضير من تردد أوغسطينوس في تلك المرحلة ما دام الأمر لم يكن مهما نسبيا نوعا ما لحجة أطروحته حول حرية الاختيار. لاحقا، أمسى أوغسطينوس أكثر ميلا إلى النظرة العقابية. ولكن في العمل السابق، كانت غايته ببساطة دحض الزعم المانوي بأن شرور الحياة البشرية تثبت أن العالم المخلوق ليس من صنع الخيرية السامية والقوة التي لا تجابهها قوة. كان أوغسطينوس على دراية بأنه سيترك عددا من الأسئلة معلقة.
لاحقا حظيت أطروحة الإرادة الحرة بثناء نقاد أوغسطينوس الذين تأسوا ببيلاجيوس إيمانا منهم بأن أوغسطينوس المتأخر أخفق في أن يعطي الحرية حقها؛ ومن ثم انتزع القيمة الأخلاقية من أعمال الفضيلة. وطاب للنقاد اقتباس الأطروحة انطلاقا من كونها تحوي حججا للإرادة الحرة لم يدحضها حتى مؤلفها. ويستطيع أن يجيب بمنطق سديد بأن محاولة وضع أوغسطينوس الشاب في منافسة مع أوغسطينوس العجوز محاولة واهية الأساس. اعترف أوغسطينوس أن هناك بعض الجمل القليلة كان من الممكن أن يصوغها صياغة أكثر دقة، وأحس بأن الكتاب تناول الخطيئة بشكل أفضل من الفضيلة. تضمنت حجة الأطروحة إصرارا على انتقال إثم آدم وعقوبته إلى نسله، وعلى عجز الإنسان الآثم عن إنقاذ نفسه بإرادته، والحاجة إلى أن يقهر تواضع المنقذ الكبرياء والحسد اللذين يشكلان أكثر السمات الشيطانية للسقوط.
يحوي الجزء الثاني من الأجزاء الثلاثية لأطروحة «الإرادة الحرة» أهم تصريح أدلى به أوغسطينوس وأكثرها ديمومة وثباتا للحجة المؤيدة لوجود الرب. تعاطى أوغسطينوس مع المشكلة بشكل مميز كقضية محورية في نظرية المعرفة، ولم يأخذ على عاتقه إثبات وجود الرب وكأنه يدلل على وجود شيء ما في عالم الحس؛ فحجته لا تفيد بأن المجموع الكلي للأشياء يشمل الرب بالطريقة التي يتضمن بها هذا المجموع الأشياء المدركة بالعقل عبر الحواس الخمس؛ فهو يستوعب أن الرب يتجاوز الزمان والمكان؛ وذلك لأن الإنسان لا يستطيع في سياق الزمان والمكان اكتشاف السعادة أو الكمال المطلقين. وبالمثل، فإن الرب مفترض مسبقا بكل الفكر المتعلق بالمسلمات والتواصل ما بين العقول؛ فالمنطق الرياضي والجمالي والأخلاقي يسلم بأن هناك عالما واقعيا خارج نطاق الحواس. (فالأشياء المادية يمكن إدراكها، أما النظرية المادية فلا، ومع ذلك يتعين صياغتها بلغة مستخلصة من عالم الأشياء المحسوسة؛ فالشخص الذي ينكر حقيقة أسس الفيزياء يعتبر غريب الأطوار. والاعتراض على أن اللغة الخاصة بتلك الأسس متشابهة إلى حد كبير اعتراض غير جاد.)
ولذا، إذا شككنا في النظام البديع للطبيعة بأشيائها النبيلة، فإن هذه الأشياء تهمس في أذن المنطق أن «اليد التي صنعتنا مقدسة» (الاعترافات، الكتاب التاسع، والكتاب الحادي عشر، اقتباس من أفلوطين). لكن النظام والتصميم والجمال، وحتى إمكانية التبدل والتدفق نفسها التي يتمتع بها العالم، وحقيقة أن وجوده ليس «ضروريا»؛ تصبح اعتبارات ثانوية وداعمة لا أكثر للحجة. ويظهر جوهر المادة في إيمان أوغسطينوس بأن الرب ليس شخصا أو شيئا ما موجودا مصادفة؛ فهو الوجود نفسه، ومصدر كل الكائنات الفانية. كأفلاطوني مخلص، يجد أوغسطينوس هذه الحجة معززة بواقع المبادئ الأخلاقية الممثلة في العدل والحكمة والحق. فهي تتجلى بسمو في ميزان القيمة، ومع ذلك فهي وقائع لم يرها أحد أو يمسها أو يتذوقها أو يشمها أو يسمعها.
ولا نعني أن أوغسطينوس كان سينتقص من أهمية الحواس؛ فدليلها محوري لكل الأشياء التي تقع في مجالها، والمسائل المتعلقة بالتذوق واللون والليونة والحجم والشكل وما إلى ذلك نقررها بالحواس ذات الصلة بها. ولكن إدراكات الحواس شكل أدنى من أشكال الفهم. لقد حذر الفلاسفة المتشككون عن حق من أن الحواس يمكن أن تكون خداعة، تماما كما يبدو المجداف في الماء منكسرا. إن المعلومات المستخلصة من الحواس تخضع لفحص العقل الواعي العارف وحكمه.
أعجب أوغسطينوس بصيغة وجدها في أعمال أفلوطين اقتبسها الأخير بدوره من محاورة «فيليبوس» لأفلاطون، ومفادها أنه عندما يتلقى الجسد الإحساس، فإن الروح «لا تكون واعية» بهذه الحقيقة. إن تفوق الروح ضمني، ولكن، هناك فجوة بين التدفق السرمدي وتغير عالم الحواس الخمس والحقائق السرمدية للرياضيات والمسلمات.
بين يدي أوغسطينوس تمتزج الحجة المتعلقة بوجود الرب بحجة الأفلاطونيين الخاصة بواقع المسلمات باعتبارها حقائق سرمدية وثابتة، سواء أكانت حقائق متعلقة بالرياضيات أم بالقيم السامية للعدل والحق، وعلى ضوئها يحكم العقل على كون فعل أو مقترح بعينه منصفا أو صحيحا. بالنسبة إليه تكمن الذروة في أن هناك عالما واقعا يتجاوز العقل البشري ويسمو عليه، وهو بحد ذاته متغير ونادرا ما يستمر طويلا في حالة واحدة. وها نحن نرى مجددا بصمة الاعتقاد المتولد من التجربة الصوفية الموصوفة في الكتاب السابع من «الاعترافات»، ومن خلال تلك التجربة واجهته حالة التناقض ما بين مؤقتيته الخاصة والديمومة السرمدية للرب الموجود.
Page inconnue