Augustin: Une Très Courte Introduction
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Genres
شكل 1-3: مشاهد من حياة القديس أوغسطينوس: تعميد القديس أوغسطينوس، 1645 بريشة بينوزو جوزولي. تصوير جصي، كنيسة القديس أوغسطينوس، قرية جيمنيانو، إيطاليا.
لا تظهر هداية أوغسطينوس في كتاباته آنذاك على اعتبار أنها كانت مدفوعة بالفرار من الشكوك الأليمة للريبة الفلسفية عن طريق الاعتصام بالسلطة العقائدية للكنيسة، فمصدر بؤسه وعدم رضاه يكمن داخله. ومع ذلك، كانت مشكلة السلطة واضحة في الخلافات التي نشبت ما بين الكاثوليكيين والمانويين، وأقر أوغسطينوس بخضوعه للمسيح ولمجتمعه، وهو ادعاء بتقرير المصير أمسى يراه لاحقا ضربا من الكبرياء (الاعترافات، الكتاب العاشر). منذ خريف عام 386 فصاعدا، أضحت كتاباته تحوي تلميحات كثيرة للإنجيل وللعقيدة المسيحية. وفي مدينة كاسيكاسيوم، كتب أوغسطينوس عن السلطة والعقل باعتبارهما سبيلين موازيين للحقيقة؛ حيث كانت السلطة ممثلة في المسيح والعقل في أفلاطون. من الممكن أن تعطي السلطة توجيهات يستوعبها العقل بالتبعية. والسلطة سابقة زمنيا، والعقل سابق في ترتيب الواقع. ويفضل المتعلمون تعليما رفيعا اتباع المسار الفلسفي للعقل، ولكن حتى في هذه الحالة لا يمكن أن يكون العقل كافيا لتوفير كل التوجيه الذي تقتضيه الضرورة. من ناحية أخرى، التعويل الحصري على السلطة لا محالة يحيق به خطر عظيم؛ فكيف للمرء من دون عقل أن يميز ما بين الادعاءات المتنافسة للسلطة؟ وكيف للمرء أن يميز ما بين السلطة الإلهية أصلا وسلطة الأرواح الأدنى منزلة التي يوقرها الوثنيون الذين يزعمون قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل بالعرافة والكهانة؟ لكن السلطة الإلهية للمسيح مثبتة باعتبارها أسمى منطق في الوقت نفسه، فهو حكمة الإله نفسها التي تطابق الثالوث الأعلى لعقل أفلوطين (الحياة السعيدة
De
beata vita ).
وأخيرا، على المرء أن يتساءل عن الأفكار المحددة عن الرب والإنسان التي قبلها أوغسطينوس كنتيجة لتعميده واعترافه بالعقيدة المسيحية. باختزالها إلى أكثر عناصرها بدائية وهيكلية، دعت العقيدة المسيحية أوغسطينوس إلى التصريح بالتأكيدات التالية؛ أولا: أن العالم المنتظم ينبع من الخير الأسمى، الذي يعتبر أيضا القوة الأسمى، ولا نعني أفضل قوة يصادف أن يكون لها وجود، بل كمالا لا تستطيع عقولنا حتى أن تتخيل فكرة لأي وجود أسمى منه. ولذا، فإنه «هو» موضوع الهيبة والعبادة. ولا ينبغي أن نفكر في الرب على اعتبار أنه منخرط في صراع من الأدنى إلى الأعلى كالبشر (وكقوة النور المانوية)، بل على اعتبار أنه يمتلك غاية إبداعية وتخليصية متسقة فيما يتعلق بالكون عموما والخلق العقلاني خصوصا. والمستوى الأسمى على سلم القيمة هو الحب، الذي هو طبيعة الرب عينها.
ثانيا: الطبيعة البشرية بحسب معرفتنا بها الآن تخفق في الانسجام مع نوايا الخالق؛ فالبؤس البشري تخلده الأنانية الاجتماعية والفردية، فيطارد الإنسان الجهل والفناء وقصر الحياة وضعف الإرادة، وقبل هذا وذاك الإنكار المتعجرف والعنيد للخير الحقيقي. وخلاصة القول أن البشرية بحاجة إلى علاج الحياة السرمدية وغفران الخطايا أو البعث تحت مظلة حب الرب.
ثالثا: أن الرب الأسمى تصرف في إطار الوقت والتاريخ الذي نحيا فيه، والذي «يسمو» هو فوقه ويتجاوزه، فيجلب لنا المعرفة والحياة والقوة والتواضع (أعظم هبة على الإطلاق) التي من دونها لم يكن أحد ليتعلم أي شيء. ولهذا الفعل ركيزته البالغة ذروتها في المسيح، قدوة البشرية في حياته وتعاليمه الحكيمة وعلاقته البنوية الفريدة بال «الآب» الأسمى. لقد جسد المسيح هبة حب الرب بتواضع انبعاثه وموته. والوصول إلى حركة الرب هذه من أجل إنقاذ الإنسان الساقط يتسنى عبر ارتقاء الإيمان ولزوم مجتمع أتباع المسيح، وهو مجتمع هيكلي يأتمنه على الإنجيل وعلامات العهد المقدس الممثلة في الماء والخبز والخمر. وبذلك توحد روح القداسة ما بين الإنسان والرب، وتمنح الأمل في الحياة القادمة التي يعتبر انبعاث المسيح عهدها المطلق، وتحدث تحولا في الحياة الشخصية والأخلاقية للفرد كي يكون أهلا لمجتمع القديسين في حضرة الرب.
خاطبت التعاليم المسيحية أوغسطينوس من خلال هذه الأفكار بأسلوب أخروي قوي يرتبط بقوة بالأخلاقيات والميتافيزيقا الأفلاطونية. وكان من الأهمية بمكان أن جمع ما بين لغة أفلوطين السلبية الموضوعية حيال الواحد أو المطلق والمفهوم الإنجيلي عن الرب باعتباره ممثلا للحب والقوة والعدل والغفران. ومن المحوري للتوحيد أن يعرف سر الرب لا في هيبة الطبيعة وعظمتها فحسب، بل عن طريق كشف عن الذات أيضا، قياسا على الشخص الذي يعلم الآخرين ما لم يستطيعوا اكتشافه بأنفسهم. ومنذ عام 387 فصاعدا، تناول أوغسطينوس تلك الأفكار باعتبارها مبادئ أولى.
الفصل الثاني
الفنون التحررية
Page inconnue