إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما فيهم أسوأ حالا مني. وددت أن أقال زلتي وأنا كبعض هؤلاء السودان الحاملين لسريري.
وأخذ الرجل العظيم يوصي أمراءه وجنوده، وخلا بولده عبد الملك يوصيه ويودعه، ويقبض على يده، وكلما ذهب عنه استرده مستدركا بوصيته، وعبد الملك يبكي، فينكر عليه ذلك ويقول: هذا أول العجز والفشل.
3
أوصى عبد الملك وصية الخبير المحنك الأريب المجرب، وأفرغ في أذنه وقلبه تجاريب عشرات السنين، ولم يترك عظيما من أمور مملكته وأسرته إلا بينه.
ثم أمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر ، ويعود هو إلى «قرطبة» ليتدارك أمور الملك.
4
ابن أبي عامر في «مدينة سالم» في أقصى الجزيرة الأندلسية، كالأسد أبعد في مسراه، والنسر غالى في تحليقه، يختم مجده مجيدا، وينهي جهاده مجاهدا، ويختم قصيدة ظفره ببيت رائع، وسجل مجده بسطر بليغ، قصيدة مطلعها الطموح، ومقطعها الظفر، وسائر أبياتها الهمة التي لا تقهر، والعزيمة التي لا تنثني، وسجل مقدمته طموح طالب علم في «قرطبة»، وخاتمته ملك حازم، وقائد مظفر، ومجاهد غاز في أقصى الثغور.
ليلة الاثنين لثلاث بقين من رمضان عام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة في «مدينة سالم» مات الرجل النابغة، والعبقري الداهية، ودفن في قصره هناك، وكان أوصى أن يدفن حيث يقبض، ولا ينقل تابوته. وأراد أن يجعل قبره في الثغر القصي دعوة إلى الجهاد دائبة، ومثلا في المجد سائرا، وحرزا على الثغور حريزا، ورباطا على الحدود مشهودا!
ليت شعري أين قبر المنصور من قصره من «مدينة سالم»؟ بل ليت شعري أين تاريخ ابن أبي عامر من صدور شبابنا، وكتب مؤرخينا، وأقلام كتابنا، وقصائد شعرائنا؟
يا شعراء العربية، من ينظم القصيدة الرائعة التي عنوانها: «وديعة مدينة سالم»؟!
Page inconnue