رسول الله : «قد أجبتك.» - إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. - سل عما بدا لك. - أسألك بربك ورب من قبلك: آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ - اللهم نعم. - أنشدك بالله: آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ - اللهم نعم. - أنشدك بالله: آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ - اللهم نعم. - آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.
1
لم يطلب ضمام بن ثعلبة معجزة ولا آية ولا برهانا، ولكنه رأى المعجزة والآية والبرهان في ذمة محمد وصدقه، فتقدم جريئا حرا يسأل الرجل الحر الذي وثق به ويناشده الله؛ فلما أجابه آمن به غير متردد ولا مرتاب ولا متريث. سأل الرجل العظيم وناشده بربه فأجابه، وهو أكبر في نفسه وأعظم في رأيه من أن يكذبه أو يخدعه. هل وراء هذا للحر برهان؟ وهل بعد الثقة بيان؟ إن في هذا الحوار لعبرة للأحرار!
على ذكرى المولد النبوي
الذكر العظيمة في تاريخ الأمم نجوم يهتدى بها في ظلمات الأيام، وأعلام يستبين بها الطريق في ضلالات الزمان ، ودعوات إلى الحق والخير تدوي على مر السنين، والزمان بالناس دائر لا يفتر، تعتورهم أحداثه، وتتداولهم غيره، فمن لم يعتصم بسبب من الحق، ويستمسك بعروة من العمل الصالح، ضل وانبهمت عليه السبل، والتبس عليه الحق والباطل، والهدى والضلال، ومن لم يجعل له قدوة من سير العظماء تردد وتحير، والزمان لا ينتظر المترددين الحيارى، أو ضل وهلك، والدهر لا يشفق على الضلال والهلكى.
وإن لنا معشر المسلمين من سيرة رسولنا خاتم النبيين نجوما نيرات، وأعلام واضحات، وأسى تهدي إلى الخير والبر، وإلى التي هي أقوم من أعمال الدنيا والدين. إن لنا من سيرة الرسول الكريم هدى في كل صغيرة وكبيرة من أعمال الفرد والجماعة.
فقد حفظ لنا التاريخ سيرته في بيته ومسجده، وفي سياسة الجماعات، وتربية الأمم، وقيادة الجيوش، وفي الإصلاح بين المتعادين، والقضاء بين المتخاصمين، وفي السفر والحضر، والشدة والرخاء، والحرب والسلم، والغضب والرضا، فما تلقانا حادثة من حوادث الزمان، أو عمل من أعمال الحياة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، إلا وجدنا في سيرة سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد - صلوات الله عليه وسلامه - مثلا عاليا، وأسوة حسنة، ورأيا هاديا، وقضاء فصلا، يهدينا إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. كل فرد منا يجد في سيرة محمد وهديه شفاء دائه، والتحرر من أهوائه، وإصلاح خلقه، وكل فرد منا يجد في سيرة نبيه الجهاد في الحياة، والصبر على لأوائها، والطموح إلى معاليها، والاستكبار عن دناياها، والإباء على كل ضيم، والنفور من كل مذلة.
وكل أمة من أمم المسلمين تدوي فيها ليل نهار الدعوة المحمدية، تدعوها إلى أن تقوم في أرض الله على عباد الله بقانون الله
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .
وكل أمة على هذه الأرض تجد في هدي محمد ما يطب لدائها، ويقيم من عوجها. وهل أودى بالجماعات إلا عصبيات باطلة، وأهواء جامحة، وشهوات مسلطة، واستكبار على الحق، ونفور من العدل؟ هل كب الناس في جهنم إلا ما استعر في قلوبهم من الضغينة، وثار في رءوسهم من الهوى؟ وهل يعرف التاريخ كمحمد رسولا جاء بالشرع الجامع، والأخوة العامة، والعدل الشامل؟ وهل يعرف التاريخ كمحمد هاديا ألف بين منازع النفس على قانون من العفة والعدل، وألف بين الإنسان والإنسان على شريعة من المودة والأخوة، وألف بين الأمة والأمة على منهاج من الحق والبر والعمل الصالح لخير الناس أجمعين؟
Page inconnue