238

رحماك يا رب للفقير الكادح يقض عليه مضجعه ألم يومه، ووساوس غده، وتسلمه هموم النهار إلى المرقد، فإذا هو شقي في مرقده، يثير أشجانه مرأى أطفاله في ألوان من الفاقة، يضاحكهم وقلبه باك، ويبش إليهم وفؤاده شاك.

رحماك يا رب للأغنياء البخلاء، بين تخمة أمعائهم، وشره أيديهم وأفواههم، وفظاظة قلوبهم، وغفلة نفوسهم، حين يتقلبون في النعيم مترفين فكهين، ضاحكين مستهزئين، لا يبالون ما على الأرض من بؤس، وما بين الجدران من آلام. رب رحماك لهم فإنهم وجدوا كل شيء وفقدوا أنفسهم.

رب والعابد الصاف في جوف الليل، هجر الناس ولجأ إليك، ونفر منهم وأنس بك، أنزل عليه السكينة والطمأنينة، وأضئ له السبيل إلى جنابك المقدس، ومهد له الطريق إلى حرمك الأمين.

رب والعاصون الغارقون في آثامهم، الجائرون في ضلالهم، وكل ذي ذنب طبعت به نفسه، ودنس به قلبه، وعمي به بصره. رب هم أحوج الناس إلى رحمتك، وأولاهم بهدايتك، أنقذهم من ورطاتهم، ونقهم من أرجاسهم، هم أطفالك العرمة، وعبادك الغافلون، وعبيدك الآبقون، وأنت أنت ولي إرشادهم، والقادر على إسعادهم.

رب والمرضى تبرح بهم الآلام، وتبريهم الأسقام، أدركهم برحمتك الواسعة، وأغثهم برعايتك، إنك أنت الرحيم.

ثم المحزونون على حبيب مفقود، أو قريب مفتقد، تتقطع قلوبهم زفرات ، وتذهب أنفسهم حسرات، بين الماضي وذكرياته الفاجعات، والمستقبل وآماله الضائعات.

وكل ذي غم يضطرب في بحر من الآلام والأحلام، وخيالات من الموت والحياة، تذهب زفراتهم مع الرياح، ودموعهم مع الأنهار، وتدور بهم الهموم، فنومهم سهاد، ويقظتهم رقاد. قد انبهمت عليهم أمورهم بين اليأس والأمل، والظن واليقين، كالغريق يغشاه موج من فوقه موج. رب فاهدهم إلى ساحل النجاة، وأطلع عليهم نجمك الهادي في الظلمات، وأرسل عليهم روحا من رحمتك، ومد عليهم ظلا من عنايتك.

رب والشريف الذي تقهقرت به الأيام، وكلب عليه الزمان، تدفعه الحاجة، وتمنعه العزة، وتدعه الفاقة، وتمسكه الأنفة، فهو غني النفس فقير اليد، كلما نسج على نفسه سترا من التعفف والتجمل مزقته يد الزمان العاتية، وكلما تجلد أنحى الدهر على تجلده، يثور في قلبه الذل والكبرياء، والعز والهون، فهو بين طموح نفسه وهوى الحادثات به أشقى الأشقياء، معذب اليأس والرجاء.

رب والراكبون البحر على غواربه الجائشة، وثبجه الهائل، ولجه الذي يلقى كل عين بهولها، وكل نفس بصورة حتفها، فإذا أظلم اليم طغى الماء، وصرخت فيهم الريح الهوجاء، ففي رحمتك نور الظلماء، وسكينة الماء، وهدوء العاصفة الهوجاء.

وسالك البيداء ضلت به الطريق، وانبهم عليه المذهب، لا يدري أيقف على قبره، أم يسير إلى قبر أمامه؟ فإذا الصحراء كلها قبر واسع، يهرع إلى الشراب من خدع السراب، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. انصب له في البيداء منارك، وابعث له من هدايتك دليلك.

Page inconnue