من الحميريين الذين أكفهم
سحائب تهمى بالندى وبحور
2
ونشأ محمد «المنصور» نجيبا، طماحا، عظيم الهمة، كبير القلب، أثر عنه أيام طلبه العلم بقرطبة نوادر تنبئ باعتداده بنفسه، واستشرافه للمعالي، يقول محمد بن إسحاق التميمي:
كان محمد بن أبي عامر نازلا عندي في حجرة فوق بيتي، فدخلت عليه في بعض الليالي في آخر الليل، فوجدته قاعدا على الحال التي تركته عليها أول الليل حين فصلت عنه، فقلت له: ما أراك نمت الليلة! قال: لا، فقلت: ما أسهرك؟ قال: فكرة عجيبة، قلت: فبماذا كنت تفكر؟ قال: فكرت إذا أفضي إلي الأمر ومات محمد بن بشير القاضي، بمن أستبدله، ومن الذي يقوم مقامه؟ فجلت الأندلس كلها بخاطري فلم أجد إلا رجلا واحدا، فقلت: لعله محمد بن السليم، قال: هو والله، لشد ما اتفق خاطري وخاطرك.
وكذلك رشحته للمعالي نفسه العظيمة، وآماله الكبيرة. والمرء حيث يضع نفسه.
صار محمد من أعوان قاضي قرطبة محمد بن السليم، ثم تقلب في القضاء، وجعل وكيلا لعبد الرحمن بن الخليفة المستنصر وأمه، ولما مات عبد الرحمن جعل وكيلا لأخيه هشام، ورتب له خمسة عشر دينارا كل شهر.
وعرف الخليفة قدر الرجل، فكان يندبه فيما يعضل من الأمور، ثم ولاه الشرطة الوسطى، ولم يأل ابن أبي عامر جهدا في التقرب من هشام وأمه صبح، وكانت ذات مكانة عند الخليفة.
وعهد الخليفة إلى ابنه هشام، فحرص ابن أبي عامر على أن يحتفظ لهشام بولاية العهد، ثم الخلافة بعد أبيه، على كثرة ما اجتهد الصقالبة في تولية المغيرة بن عبد الرحمن الناصر عم هشام.
وتولى قيادة الجيش إلى غزوة نكص عنها كبراء الدولة، ورجع منها مظفرا، فزاد هيبة ومكانة، ثم ولي شرطة قرطبة، فسيطرت على المدينة هيبته وعدله، فأمن الأخيار، وسكن الأشرار.
Page inconnue