وكان «العقاد» يمضي رسائله دائما إلى «مي» باسم «عباس» مجردا. وقد تلقت هذه الأبيات بعد رحيلها من روما إلى برلين، فوجدت فيها نفس الشعور العميق الذي تشعر به نحوه، فردت عليه من برلين برسالة صريحة عبرت فيها عما تشعر به من حب وهيام.
كبرياء وحياء
كانت العلاقة بين الآنسة مي وعباس العقاد - في أولها - علاقة أدبية، أو قل كانت تبدو صداقة أدبية، وزمالة في الفكر والأدب؛ فكلاهما أديبان، وكلاهما كاتبان مفكران. وقد مكثت هذه العلاقة في ظاهرها مدة لم يصرح فيها أحدهما للآخر بما يكمن في جوانحه، وما يضمره في أعماق قلبه من حب وهيام!
ولكن لماذا مكثا هذه المدة لم يصرح أحدهما بما يشعر به للآخر؟
لماذا لم يصرح العقاد للآنسة مي بأنه يحبها من أول رسالة أرسلها إليها من أسوان إلى القاهرة؟ ولماذا لم تصرح الآنسة مي للأستاذ العقاد بأنها تغرم به، وأنه أول رجل أحبته في حياتها، من أول رسالة أرسلتها إليه من القاهرة إلى أسوان؟
لماذا لم يصرحا بالحب؟ ولماذا يصبر كل منهما هذا الصبر الطويل، ويكبت هذا الشعور الحي القوي هذه المدة، حتى يجد منفذا صغيرا، فينفجر، ويجرف كل شيء أمامه، ولكن في حدود الخلق الرفيع والأدب اللائق، وفي حرارة الروح لا في شهوة الجسد!
لقد كانت «مي» فتاة جميلة النفس جميلة الروح، فاتنة برقتها وحديثها الشهي وملكتها النابغة. وكان العقاد في شبابه فتى جميلا، قوي الشخصية، لامع الاسم واسع الشهرة في الأدب وعالم الفكر، ولكن كلا منهما تربى تربية دينية، ونشأ منذ طفولته وصباه على العادات والتقاليد الشرقية التي كانت في ذلك الحين تسيطر على الشباب، وعلى الحياة الشخصية والاجتماعية، وتستنكر التصريح بما يشغل العاطفة من حب وهيام، وخاصة الفتاة؛ فكلمة «الحب» وإن كانت صغيرة في لفظها ومبناها، ولكنها في معناها كبيرة وخطيرة!
وكان في طبع العقاد كبرياء يشبه كبرياء «المتنبي» في الحب حين يطلب إلى حبيبته الجميلة الفاتنة أن تزوده من حسن وجهها، وأن تصله هي، فيصلها هو كذلك ما يقول:
زودينا من حسن وجهك ما دا
م فحسن الوجوه جال تحول
Page inconnue