وأما ما يقال: من أن كون الاستثناء من الإثبات إنما لزم من كلامهم حيث # قالوا: إن تخصيصك بالنفي يقتضي إثبات ضرب من عدا زيدا بغيرك، وظاهر أن ذلك مبني على كون الاستثناء من الإثبات فلا توجيه له؛ لأن الشارح دفع بهذا البيان منع المصنف، فالمناقشة فيه مع الشارح مناقشة فيما هو معتقده ولا بد له منه لا فيما لزم القوم، وهو لا يرضى به على أنك عرفت أنه شيء فهمه من كلامهم وليس بكلامهم، ونحن نقول: امتنع: ما أنا ضربت إلا زيدا، لأن قولك: ما أنا ضربت لنفي ضرب معين عن نفسك مع إثباته للغير فإما أن يكون زيد داخلا في المضروب، فيكون مضروبا، فلا يصح استثناؤه، وإن لم يكن داخلا فيه، فكذلك؛ لأنه غير داخل في مفهوم الحكم حتى يصح إخراجه، ولأن التقديم يفيد كون المخاطب مصيبا فيما عدا تعيين الفاعل، فيجب أن لا يكون زيد مضروبا لك، والقصر بالنفي والاستثناء يقتضي كونه مصيبا فيما عدا تعيين المفعول، فيجب أن يكون زيد مضروبا لك، ولا يذهب عليك أن إفادة التقديم التخصيص بالنفي لا يخص تقديم المسند إليه، بل منه: ما شعرا قلت؛ حيث خصصت الشعر بنفي القول، وقصدت تعلق القول بغيره، فلا يصح: ما شعرا قلت، ولا غيره، ولا ما شيئا قلت، ولا ما شعرا قلت؛ إلا قصيدة (وإلا) نفي للشرط السابق أعني: ولي حرف النفي يعني: إن لم يقع بعد حرف النفي بلا فصل، فقد خرج من الشرط الأول، مثل: ما إن أنا قلت هذا، ودخل في هذا الشرط مع أنه من دواخل جزاء الشرط الأول فيفسد الحكمان، إلا أن لا يعد ما هو من توابع حرف النفي فاصلا بينه وبين مدخوله، فحينئذ ما لم يل حرف النفي ما تقدم، ولم يكن في الكلام حرف نفي أو كان، وقد تقدم على حرف النفي، نحو: أنا ما قلت، أو تقدم حرف النفي، ولكن فصل بينه وبين المسند إليه نحو: ما زيدا أنا ضارب، فإنه لتخصيص نفي الفعل بالمفعول مع إيقاعه على غيره، لا لتخصيص نفي الخبر بالمسند إليه وإثباته لغيره وجزاء قوله، وإلا قوله فقد يأتي، ومجموع الشرط والجزاء معطوف على مجموع قوله، وقد تقدم ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي أي: إن لم يل المسند إليه حرف النفي (فقد يأتي) التقديم (للتخصيص) أي: لتخصيص المسند إليه بالمسند، لا لتخصيصه بالنفي (ردا على من زعم انفراد غيره) أي: غير المسند إليه بخصوصه (به) # أي: بالمسند لا ردا على من زعم انفراد المسند إليه به كما في القسم السابق، وهو قصر قلب على ما ستعرف.
(أو زعم مشاركته فيه) أي: مشاركة الغير في المسند، أو في احتمال كون المسند إليه فهو قصر إفراد أو تعيين، فالفرق بين ما يلي حرف النفي وما لا يليه:
أن الأول لتخصيص المسند إليه بالنفي، والثاني لتخصيصه بالخبر، وأن الأول رد على من زعم انفراد المسند إليه بالخبر، والثاني على من زعم انفراد الغير به، وأن الأول للتخصيص، والثاني للتخصيص، أو التقوى، وإنما قلنا: زعم انفراد غيره بخصوصه؛ ليخص الكلام بغير المنكر كما يقتضيه قوله فيما بعد، وإن بنى الفعل على منكر، فإنه تفصيل لتخصيص المنكر على خلاف ما بينا لك، فإن التخصيص في المعرف بخصوصه ورد على ثبوت الحكم لغيره من حيث الخصوص، وفي المنكر تخصيص بالمسند إليه بحسب الجنس أو الوصف، ورد على من زعم انفراد الغير بحسب الجنس أو الوصف، لأن الخصوص غير معلوم حتى يعتبر الغير بحسب الخصوص، والتفصيل في المنكر في مجرد التخصيص لعدم التفاوت في التقوى، فالمراد بتخصيص المسند إليه في هذين القسمين تخصيص خصوصه، وإن بنى الفعل على منكر أفاد تخصيص الجنس أو الواحد.
فقولك: ما رجل جاءني، تخصيص جنس الرجل أو الرجل الواحد بالنفي، وقولك: رجل جاءني، تخصيص جنس الرجل أو الواحد منه بالمجيء، فعلم بهذا أن قوله: وإن بني الفعل على منكر لا يخص بالقسم الثاني، وإنه لا يوجب أن لا يكون المنكر للتقوى حتى يرده إشارة الشيخ في دلائل الإعجاز إلى كونه للتقوى أيضا (نحو أنا سعيت في حاجتك) لأحد الفرضين، فهو مثال للتخصيص كما يصرح به قوله: (ويؤكد على الأول بنحو لا غيري)، مثل: لا غيرك، ولا غيره، ولا زيد، ولا عمرو، ولا ما سواي (وعلى الثاني بنحو وحدي)، مثل:
وحدك، ووحده، ومنفردا، ومتوحدا، ولا غيري- أيضا- فافهم.
Page 381