يكشف عن وجوه الإعجاز، ولم يقل: عن الإعجاز، فلا يرد أنه ينافي ما ذكره المفتاح أنه لا يمكن كشف القناع عن الإعجاز، بل مدركه الذوق ليس إلا، وما ذكرنا مما يصرح به صاحب المفتاح حيث يقول: اعلم أن شأن الإعجاز أمر غريب يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا، وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذين العلمين (¬1)، نعم للبلاغة وجوه ملثمة (¬2) ربما يتيسر إماطة اللثام عنها؛ ليتجلى عليك، وأما نفس وجه الإعجاز فلا، هذا والشارح لما لم يفرق بين الكشف عن وجوه الإعجاز والكشف عنه حمل الكشف على المعرفة دون الوصف، ودفع الإشكال بأن المراد بكشف معرفة الإعجاز وبعدم إمكان كشف المفتاح عن الإعجاز عدم إمكان وصفه ومنهم من قال: معنى قول المصنف: إنه يكشف بهذا # العلم عن وجوه الإعجاز لو أحيط بهذا العلم، وحكم المفتاح بامتناع الكشف لامتناع الإحاطة، ولا ينافي وليس بشيء؛ لأنه لا يمكن وصف الإعجاز وبيانه للغير؛ لأنه ما لا يمكن معرفته إلا بالذوق، فلو كان من يوصف له صاحب هذا الذوق فهو مدركه بالذوق لا بالوصف، وإلا فلا يدرك بالوصف. على أن المقصود بيان جلالة العلم بجلالة غايته، فإذا لم تحصل تلك الغاية لأحد فأية فائدة في بيان تلك الغاية له؟ ثم هذا دليل على قوله أجل العلوم قدرا، وجهات شرف العلوم ثلاثة لا تعدوها في اعتبارهم شرف الموضوع، وشرف المسائل لكونها يقينية، وشرف الغاية، فلا شرف للعلوم الظنية باعتبار المسائل. إذا عرفت هذا فملخص الاستدلال أن علم البلاغة يعرف به الإعجاز، فهو أجل موضوعات عن سائر العلوم العربية، وأجل غاية.
أما الأول، فلأنه باحث عن اللفظ العربي البليغ من حيث يتعلق به الإعجاز، واللفظ العربي البليغ من هذه الحيثية أشرف من اللفظ العربي العاري عن هذه الحيثية، وهو موضوع سائر العلوم العربية.
وأما الثاني، فلأن غايته التصديق بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل أو التصديق بأن القرآن كلام الله، وهو من أجل غايات سائر العلوم العربية، وبهذا ظهر ضعف ما قال الشارح المحقق من أن معلوم علم البلاغة أن القرآن معجزة، وهذه وسيلة إلى تصديق النبي- عليه السلام- في جميع ما جاء به ليقتفي بأثره فيفاز بالسعادة الدنيوية والأخروية، فيكون من أجل العلوم لكون معلومه من أجل المعلومات، وغايته من أشراف الغايات؛ لأن معرفة أن القرآن معجز غاية هذا العلم، وليس منه، ولا شرف لهذا العلم باعتبار مسائله لأنه ظني.
Page 146