تأليف
فيكتور كرافتشنكو
ترجمة
زكي نجيب محمود
محمد بدران
الفصل الأول
فرار في دجى الليل
لقد كانت كل دقيقة قضيتها في السيارة من الحجرة المستأجرة إلى «محطة الاتحاد» في ليلة الأحد تبدو مفعمة بالأخطار، وبما لا أعرف مما تخبئه لي الأقدار، فلقد خيل إلي أن الشوارع نفسها والمباني المظلمة تعاديني وتتوعدني، وكنت قد قطعت هذا الطريق نفسه عشرات المرات في السبعة الشهور التي أقمتها بعاصمة الولايات المتحدة، قطعته وأنا جذل مرتاح النفس لا أكاد ألحظ ما يحيط بي فيه، أما في هذه المرة فقد كان كل شيء عكس ما تعودته؛ لأني كنت فيها هاربا.
وكانت الأسرة الأمريكية التي أقيم معها في واشنجتن تكرم الرجل الغريب المقيم بين ظهرانيها، وتعامله معاملة الصديق، فإذا مرضت أهمها أمري، وعنيت بي عناية غير متكلفة، وسرعان ما تطورت تلك العلاقة التي لم تكن في بداية أمرها إلا علاقة مالية محضة؛ فأصبحت علاقة إنسانية تربط قلوبنا، وكل ما كان لاختلاف لغتينا من أثر في هذه العلاقة أن أضاف إليها قليلا من الحماسة، وأحسست أن أولئك الأمريكيين الطيبين حين يشفقون على روسي بعيد عن وطنه إنما يعبرون عن شكرهم لجميع الروس، إلى حلفائهم البواسل الذين كانوا وقتئذ يصدون جحافل الألمان المغيرين في جبهة طولها ألف ميل، وكان أولئك الأمريكيون يعزون إلي أنا نفسي الفضل في كل نصر تناله الجيوش السوفيتية.
وكنت قبل فراري قد أديت أجر مسكني مدة أسبوع مقدما، ولكني مع هذا غادرت المنزل في الليلة الموعودة دون أن أودع من فيه بكلمة، وكل ما قلته لهم أني آذن لهم بتأجير حجرتي إذا اضطرتني ظروف رحلتي إلى البقاء في خارج المدينة إلى ما بعد يوم الثلاثاء؛ وذلك أني كنت أريد أن يبقى أصحاب المنزل على غير علم بمكان وجودي وبعزمي على ألا أعود إليهم إذا ما جاءهم رجال بعثة المشتريات السوفيتية يسألونهم عني.
Page inconnue