163

J'ai choisi la liberté

آثرت الحرية

Genres

فلما فرغنا من الإفطار، بدأ الأمريكيان رحلتهما نحو التلال وقلباهما يفيضان بشرا، وخبطاني على ظهري على نحو ما يفعل الأمريكان في زئاطهم، ووعدا أن يأتياني بما يصطادانه كائنا ما كان، ولم يكن لي بد من تلفنة القسم السياسي، فما جاءت الساعة الحادية عشرة حتى قدم «جرشجورن» ومعه آخر، ودخلا داري كأنها دارهما، وطافا بأنحائها كأنما يعرفان كل جزء من أجزائها، حتى لقد خطر لي خاطر أزعجني، إذ قلت لنفسي: يجوز أن يكونا قد فحصا هذا المكان مرارا في غيبتي!

وطفق وكيلا القسم السياسي يفتشان الغرفة التي كان يشغلها الضيفان تفتيشا دقيقا، فبحثا داخل الجيوب وفي أحزمة السراويل وأكمام القمصان وثنيات الستر ونعال الأحذية وكل ما يتوهم العقل أنه يجوز أن يكون مخبأ، ففحصا كذلك الكتب والمجلات والمذكرات والخطابات فحصا دقيقا ، وصورا بعض هذه الأشياء، ونقلا كل ما صادفاه من أسماء أمكنة أو أرقام تليفونية، ورأيت «جرشجورن» إذ اعتراه ارتباك ملحوظ إزاء عدة الحلاقة الأمريكية، فأخذ يضغط على أيدي آلات الحلاقة ويهزها ويدرس الفراجين ويخبر باللمس أنابيب الصابون، فلعله آمن أن هذه الأشياء هي ما يحتمل جدا أن تكون مخابئ ما لدى الأمريكيين من أسرار، ولم يكن زميل «جرشجورن» من موظفي القسم السياسي المحلي، ولقد أظهر معرفة جيدة بالإنجليزية.

وانتهى التفتيش في الساعة الرابعة، ولم يعثر الشرطيان على شيء؛ إذ لم تبد على وجهيهما علامات السرور التي تنم عن نشوة الكشف.

وقال لي جرشجورن: «أنت تعلم بالطبع أيها الرفيق كرافتشنكو أنه لا يجوز لك قط أن تنبس ببنت شفة عما حدث، فإذا ما تسرب النبأ فسيعدك القسم السياسي مسئولا بصفة مباشرة، وقع على هذا التعهد.»

وكان ما قدمه لأوقعه استمارة يألفها كل من كانت له صلة بالشرطة السرية، فهي تعهد «اختياري» يأخذه المرء على نفسه بألا يقول شيئا، وما أن تركني الرجلان حتى طفقت أطوف بأنحاء الدار محزون النفس؛ لأنني غريب في مسكني، وأخجلني أن أواجه الأمريكيين عند عودتهما فالتمست مبررا أعزز به غيابي عن الدار تلك الليلة.

وإني لعلى يقين من أن كليهما لم يرتب أقل ريبة في أن تكون أشياؤه قد فحصت، أو أنه في كل دقيقة يقضيها في الروسيا مراقب تسجل عليه كل حركاته، وحدث أن مرت «بجرشجورن» لحظة من التفريط بعد أن غادر الأمريكيان «نيقوبول» بزمن طويل، فأطلعني بلمحة سريعة على ملف أوراقهما، فوجدت بين ما فيه من أوراق صورا شمسية لهذين الأجنبيين إذ هما في حالات اتصال خاص ببعض النساء في فندق بموسكو، ولم يكن بالطبع قد دار في خلدهما إذ هما في تلك الغرفة من الفندق أن رجال آلة التصوير قد تستروا يسجلون حركات ذلك الغرام العابر.

وكان «جرشجورن» يمص شفتيه الغليظتين إعجابا وهو يناولني تلك الصور واحدة بعد أخرى.

سألته: «لكن ما حاجتكم إلى هذه الصور، والأمريكيان الآن في بلادهما؟» - «نعم، قد عادا إلى أمريكا، لكن ثق وثوقا لا يتطرق إليه أدنى الشك أنهما لن يكتبا شيئا يهاجمان به وطننا الاشتراكي هجوما عنيفا، كما يفعل بعض الأمريكان المناجيس بعد أن يأخذوا ذهبنا الثمين وأحسن ما لدينا من طعام.»

وكان هنالك كذلك مهندس أجنبي آخر لا تزال مغامراته الحمقاء عالقة في ذهني، وأعني به «لنتز»، وهو ألماني ضخم البدن تثنى عنقه الغليظ ثلاث ثنيات متميزة إحداها عن الأخرى، وإنما أرسل إلينا ليقوم بتركيب مجموعة من الآلات وردت من الخارج، ولقد كنت أوثر أن أتفاهم معه بوساطة رجل من رجال مصنعي - هو يورف - الذي كان يتكلم الألمانية قليلا، على الرغم من أن «لنتز» كان يصحبه مترجمتان.

كانت إحدى مترجمتي «لنتز» من نساء الشرطة السرية في «دنيبروبتروفسك» جاءت إلى نيقوبول لهذه المناسبة، ولم يكن عسيرا عليها أن تؤدي مهمتها خير أداء، فقد كانت في الثلاثين من عمرها مليئة بالحياة وليست تخلو من جمال، ولم يلبث أن شاع في الناس ما كان الغرض فيه أن يكون سرا مكتوما، وهو أن «ألكساندرا» كانت تزامل «لنتز» في حياته الخاصة، فكانت ترى مرتدية جوارب حريرية، حاملة حقيبة في يدها مما ورد من الخارج، وغير ذلك من الهدايا التي يثور حولها القال والقيل، ومع ذلك فالظاهر أن القسم السياسي قد رأى أن امرأة واحدة لا تكفي، فأضاف إليها امرأة أخرى هي «ناتاشا».

Page inconnue