129

J'ai choisi la liberté

آثرت الحرية

Genres

فقالت جرانك في صوت هادئ: «طرد زوجي من الحزب لاشتراكه في حركة المعارضة العمالية.» - «وهل طلقته عندئذ؟» - «كلا!» - «أين زوجك هذا الآن؟» - «ألقي عليه القبض وأودع سجن الشرطة السياسية.»

ها هنا توترت الأعصاب في الحاضرين، فهم الآن إزاء مسرحية بكل معناها، فمن المواقف المألوفة في المسرحيات السوفيتية أن تكون المرأة التي هي عضو في الحزب زوجة لرجل خارج عليه، ونرى الكاتب المسرحي دائما يعمل فنه بحيث تختار الزوجة حزبها دون حبها. - «هل هذه هي أول مرة يلقى فيها القبض على زوجك؟» - «كلا، بل المرة الثانية.» - «ومع ذلك فلم تطلقيه بعد؟» - «لا، لم أطلقه.» - «هل زرته في السجن؟» - «نعم، أزوره كل أسبوع.» - «لماذا؟» - «لماذا؟ لآخذ له معي شيئا من الطعام وثيابه النظيفة وسجائره.» - «أليس هناك من يأخذ له هذه الأشياء سواك؟» - «أظن أن هناك من يستطيع ذلك سواي، فله أم وأخت.» - «إذن فنبئينا لماذا تزورينه في سجنه، إنك عضو في الحزب أليس كذلك؟ ومع ذلك فليس في ضميرك ما يردعك عن معاونة رجل عدو للحزب.» - «إنه زوجي.» - «أوه! إنه زوجك! لكن أليست سلامة الحزب أعظم خطرا من المصالح الشخصية التافهة؟» - «لست أوافقه من الوجهة السياسية، وأحاول أن أناقشه في الأمر لأرده إلى الصواب، وكلما التقينا دار النقاش بيننا إلى حد العراك.» - «أوه! إذن أنت لا تذهبين إلى السجن إلا مغايظة له؟»

هذه السخرية التي يبثها «جالمبو» في عباراته قد أرخت من الأعصاب المتوترة في جمهور النظارة، فكنت تسمعهم يضحكون آنا بعد آن، ثم أخذت ترتفع من هنا وهناك صيحات: «حسبنا هذا! اطردوها!»

رفعت الفتاة صوتها وقالت: «معذرة أي رفيقي الرئيس، أهذه لجنة لتطهير الحزب أم هي حلقة ألعاب بهلوانية؟ إنني أطالبك بأن تقرر ما يوجه إلي من تهم سياسية، وأمنعك من أن تجعل من حياتي الشخصية نكاتا تضحك بها هؤلاء المتفرجين.» - «إذن فلماذا لم تجيبي إجابة صريحة فتنبئينا على وجه الدقة لماذا تزورين كل أسبوع رجلا هو عدو الحزب ومن الخوارج عليه؟» - «لقد أنبأتك بما تريد، فليس هو زوجي فحسب، بل هو كذلك من بني الإنسان، ومن الجبن والخيانة أن أطلقه حين تحل به الصعاب، إنني لا أتفق معه في وجهة النظر، لكننا عملنا جنبا إلى جنب، ودرسنا جنبا إلى جنب، وعشنا تحت سقف واحد، ويحس كل منا عاطفة إزاء الآخر، فالحق أنا حبيبان!»

فقوبل هذا الاعتراف بضحكات عالية، شيوعية تعلن ولاءها لحزبها وهي تحب سجينا في محبس الشرطة السياسية!

ولخص «جالمبو» الموقف فقال: «اختصارا، باعتبارك عضوا في الحزب، ترفضين حتى الاعتراف بخطئك في الاتصال برجل هو عدو الشعب، ورأيي أن النتيجة واضحة: إن مواطنتنا «جرانك» لا تستحق البقاء في صفوف الحزب، إننا لن نأذن لها بعد ذلك أن تساهم في مصالح بلادنا.»

وقوبل الحكم بالاستحسان وبصيحات: «هذا حق! أخرجوها!» ومع ذلك فقد سرت في الجمهور موجة من العطف عليها حين غادرت المنصة مرفوعة الرأس مرتعشة الشفتين، وسارت في الممشى الأوسط حتى خرجت من القاعة، وهمس في أذني طالب جلس بجانبي قائلا: «إنني لا أدافع عن «جرانك»، لكني رغم ذلك أرى الأمر متعلقا بحياتها الخاصة، ولا ينبغي لنا أن نعالجه على هذا النحو.» فظللت صامتا؛ إذ من أدراني إن كان جاري قد ثارت نفسه حقيقة أو دفعه إلى قوله حافز خفي آخر، فأراد أن يثير صدري فأنطق بما يودي بي إلى الخطر.

ولما نودي اسم «سريوزا تفتكوف» أخذ قلبي يثب في صدري، إذ لا شك في أن شهادته ستعرض لما صادفه في الريف، وهذا قد يؤدي إلى ذكري، وقد كنت أعلم أنه رجل ذو عاطفة، يخشى على سلامته وسلامتي.

وقف على المسرح وانعقدت عليه الأبصار ، فبدا للعين من اليفاعة وضعف الحيلة بحيث لم يصلح لتلك الوقفة، بل كانت يفاعته بمثابة السبة الشائنة في ذلك المحيط المتجهم، كانت تبدو عليه أمارات الاضطراب واضحة، ومع ذلك فقد أخذ يروي عن نفسه قصة موصولة الحلقات وإبان حديثه لم يزحزح عينيه من ركن القاعة الأقصى، فتعقبت نظرته وإذا هي تنتهي عند أبيه الذي كان يبتسم له مشجعا، ولما بدأ يقص قصة عمله في القرية قاطعه الرئيس: «أيها الرفيق تفتكوف، هل أبوك عضو في الحزب؟» - «نعم، وقد مر خلال محنة التطهير سالما.» - «قل لي كيف كان شعورك إزاء حركة المزارع الجماعية في الريف؟» - هنا رأيت وجه «سريوزا» قد شحب لونه، ووجه نظراته إلي وقال: «أديت الهمة التي كلفتني بها اللجنة الإقليمية، لكنني أعترف أن موقفي إزاء حوادث معينة وقعت في القرية كان موقفا سلبيا.»

فمضى «جالمبو» يقول: «عندنا من الأدلة ما يثبت أنك لم تكن من الحزم بحيث ينبغي أن تكون، وأنك أظهرت ترددا وتباطؤا في البت في أمورك في مناسبات كثيرة، فماذا أنت قائل؟»

Page inconnue