إلى الآن بعد المائتين وألف؛ لأن الدنيا جميع ما فيها يفنى إلا أشياء استثنوها من ذلك، وقد سألت عن ذلك أهل حرفة الدباغة فقالوا لي: إن كانتا من الجلد النيئ غير المدبوغ فإنه يسوس، وإن كانتا من الجلد السبتي المدبوغ الذي ليس فيه شعر فإنه يكرف وييبس ويتمزق، وإن كانتا من الجلد الإفرنجي العنان فإنه يكرف ويتمزق أيضا ولا أثر لبقاء وجودهما إلى الآن ومن ادعى شيئا من ذلك فلا يصدقه العرف في دعواه.
قلت: وفي هذا الذي ذكراه نظر .
أما أولا:
فقد تقدم أنه شهد لهم بأنها نعل المصطفى
صلى الله عليه وسلم
أئمة علماء، ويبعد كل البعد أن يشهدوا على غير يقين أو ظن قريب من اليقين.
وأما ثانيا:
فإن ما استدلا به على فنائهما لا ينهض، فإن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولا يبعد أن ينسحب ذلك أيضا على بعض ما حل بأجسادهم الكريمة من النعال وشبهها معجزة لهم، وقد وقع لمولانا إدريس الأكبر دفين زرهون أنه ظهر جسده الشريف بكفنه عام ثمانية عشر وسبعمائة ولم تعد الأرض على شيء من الجسد ولا من الكفن المصاحب له، وكان بين وفاته وظهور جسده على الحالة المذكورة خمسمائة سنة وأحد وأربعون سنة وثمانية أشهر.
وأما ثالثا:
فإن الجلد إذا كان محفوظا مصونا من الماء والشمس ونحوهما لا يسرع إليه البلى بالكلية ولا يبعد بقاؤه هذه المدة وأزيد منها، وقد رأينا من الكتب المكتوبة ما له نحو من سبعمائة سنة مع كون كتابته في أوراق من الكاغد ويحل بأيدي كثير من الناس وتطرأ عليه أنواع من التغييرات كثيرة، فكيف بجلد البقر أو الإبل الغليظ المصون عن الأيدي والتغيرات، وعدم ذكر المقري وغيره لهذه النعل لا ينفيها؛ إذ لم يستوعبوا ذكر النعال التي مشى بها عليه الصلاة والسلام في عمره، وإنما ذكروا منها ما حصلت لهم به رواية أو نقل لهم فيه أمر وما بقي أكثر مما ذكروا بكثير، وقد عد جماعة من الأئمة وهم علماء صلحاء رؤيتهم لهذه النعل التي بيد هؤلاء الشرفاء من أعظم نعم الله تعالى عليهم وتبركوا بها وشاهدوا بركتها ووجودها، وأي دليل أقوى من هذا فلا يعدل عنه إلى التجويزات العقلية التي لا مستند لها إلا الوقوف مع العادة إن سلمت.
Page inconnue