Les secrets des palais
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Genres
فقال الصدر بهيئة الساخر: ولكن يا مولاي أنت تقدر لهذا الحزب أهمية كبرى وهو لا يزال في مهد الطفولية، ولا بد أن ينتظر طويلا إذا كانت هذه أمانيه وما دمت أنا في الصدارة، فسأستأصل شأفتهم إن شاء الله، وأجعلنهم عبرة لمن اعتبر، فصمت السلطان عند هذا الكلام، وأظهر ارتياحه إليه، لكنه قام في الغرفة يتمشى ذهابا وإيابا كالأسد في عرينه، ثم قال: وليس هذا الحزب سبب قلقي واهتمامي الوحيد، فإن السلطانة وهواجسها شاغلة أفكاري، فإن قلبها يحدثها منذ أيام بدنو شر أو مصاب كبير قريب، فقال الصدر: ولكن يا مولاي أظن أن حملها هو السبب في هذه الأفكار والأوهام، وقد عرفت ذلك من زوجتي، فأجاب السلطان: لا يا محمود ليس الأمر كذلك، فأنا أعلم الناس بمهرى وطباعها، فهي ليست قط من النساء الجبناء اللائي يتطيرن من الحوادث والصدف ويتشاءمن من الأخبار ويصدقن خرافات العرافات، ولكن قد تسبب كل هذا القلق منذ وفاة عمتي السلطانة علية، وكانت وفاتها لسوء الحظ فجأة، وفي الحرم عند مهرى، فإنها بينما كانت تضحك وتهزل كعادتها وإذا بها قطبت حاجبيها وحملقت بنظرها، ثم صاحت مذعورة، وقالت: إن جارية وأمها كانتا عندها، وقد توفيت الأولى بعد الأخرى بست عشرة سنة، وجاءت تختطف روحها، فخافت وانذعرت، وأخذت تستغيث وتصرخ، وخافت السلطانات الحاضرات، وظنن أنها قد مست بعارض من الجنون، وبقيت عمتي المسكينة تصيح عائشة ... إقبال ... (وهما اسما جاريتيها) أرجوكما ... ابعدا ... لا تقربا ... الدم ... الدم ... النطع ... وغير ذلك من العبارات المتقطعة، وعيناها جاحظتان، وقد انتفش شعرها وضاع صوابها، وكلما اقترب منها أحد صاحت لا لا ابعد ... خنقوني ... قتلوني ... فقد فتحوا قبري، ثم نظرت إلى مهرى أخيرا، وحملقت فيها بنظرها، وصاحت بها ...
الحذر يا مهرى، إن دورك قريب ... فأغمي على مهرى عند سماعها هذا الكلام، ولبثت عمتي المسكينة على تلك الحالة، وهي تتمرغ على الأرض، وسلمت روحها قائلة: قد اختطفها عزرائيل.
فتأثر الصدر عند سماعه هذه الحادثة، وقال: حقا إن تلك ميتة غريبة. فقال السلطان: وتراكض الأطباء من كل جانب، فوجدوا جثة بلا روح، وحكموا أن سبب الوفاة انفجار شرايين القلب عقب نوبة عصبية هائلة ... وقد مر يا محمود على تلك الحادثة ثلاثة أشهر ولا تزال مرسومة لحد الآن في مخيلة مهرى تتمثلها آناء الليل وأطراف النهار، وهي لا تجسر على النوم في الليل، وقد تولاها السهاد، ولا تتجرأ على البقاء وحدها في غرفة النهار، فرغبت إليها أن تذهب أين شاءت لتبديل الهواء، فلم ترض، وجوابها الوحيد أن خطرا يتهددني، وأنها لا تريد أن تفارقني، فقال الصدر: ولا شك أن جلالتك قد تأثرت من تلك الحادثة الغريبة، ولكن يخشى من عدوى تلك الأفكار والوساوس إلى عظمتك.
فقال السلطان: بلى وأنا أخشى ذلك أيضا، وهذا سبب قلقي وعلة اضطرابي.
قال الصدر: إذن أرى من الحكمة الابتعاد عن الحرم، فهذا خير علاج، فأجاب السلطان متنهدا: وهذا هو السبب في كدري، فإني أشرب هذا الشراب المحرم تبديدا لتلك الأفكار السوداء ...
بينما هما كذلك، وإذا بأحد الحجاب استأذن بالدخول على السلطان لعرض غرض مهم، فأذن له السلطان في الحال وقد قلق، وإذا هو حسن بك شقيق مهرى قد دخل على السلطان أصفر الوجه غير مرتب الثياب، فسأله السلطان بلهفة: ما وراءك يا حسن؟ أأصاب مهرى شر؟
وارتجف الصدر عند رؤية حسن بك داخلا على تلك الحالة، فقال: أعوذ بالله خبر الشراكسة. فأجاب: حسن لا يا مولاي، ليت على مهرى كان قلقي فهو على راحة جلالتك ... إني يا مولاي قادم من إستانبول ... حيث يتآمرون على جلالتك. فالتفت السلطان إلى الصدر، وقال له: أرأيت ... وسمعت ...؟ فأجاب الصدر مقاطعا حسن بك: ولكن هذا بعيد بك أفندي إن لم يكن مستحيلا. فصاح حسن بك: كيف هو بعيد ومستحيل، وأنا أقول لك: إني قادم منها، وقد حضرت ساعة المؤامرة من بدئها إلى آخرها، وأنا أرتجف حنقا وغيظا، وقد أنهكني التعب. فقال له السلطان: اجلس واسترح قليلا وقل ما تشاء. فقال: أعداؤك يا مولاي لا يحصون، وهم يتآمرون عليك في المجالس الخصوصية والمحافل الماسونية والجوامع ...
فصاح السلطان مذعورا ... في الجوامع؟! نعم في الجوامع، أجاب حسن بك. فاعترض الصدر قائلا: لا صحة لهذا القول، فإن لي جواسيس بين الماسون والمأمورين والسفطاء وهم أمناء، ولا تخفى عليهم خافية، فقال حسن بك: ربما أن جواسيسك هم أيضا جواسيس تركيا الفتاة، وإنما يقبضون منك رواتبهم.
فقال الصدر: فإذن أنت يا بك تشك بصدق عبوديتي أمام جلالته. فانتهره السلطان قائلا: دعه يا محمود يتكلم ...
فقال حسن: أستأذن من جلالتك بأن أعرض التفاصيل على المسامع العالية؛ لأنها واجبة جلاء للحادثة، وأرجو فخامة الصدر ألا يشك بصدق عرضي. فقال له السلطان: قل ما تريد. فشرع حسن يقص ما رأى، فقال: مولاي مررت هذا المساء بجامع شاه زاده باشى، فعرجت للصلاة، فوجدته مكتظا بألوف من المصلين، وقد تجمع أكثرهم حول الميضأة يتوضئون، فانتظرت ريثما جاءت نوبتي، على أنني فيما كنت منتظرا رأيت إماما يتقدم متظاهرا بتفقد المياه فيقترب من البعض فيلمس أكتافهم بخفة، وكان يجيبه الكثيرون برفع أيديهم اليسرى إلى جبهتهم دون أن يلتفتوا إليه، فلم أعبأ لأول وهلة بتلك الإشارة، ولكني لما شاهدتها تكررت، قلت في نفسي تلك إشارة التعارف، فلا بد لي من الوقوف على دخيلة المسألة فتقدمت للوضوء، وإذا بالإمام المذكور تقدم إلي ولمس كتفي بحجة افتقاد الماء، فأعطيت الإشارة فتقدم حينئذ إلى أذني، وهمس قائلا هذه الكلمات الثلاث: «الليلة بعد الصلاة»، وابتعد معيدا تلك الإشارة ومكررا تلك العبارة. فدخلت الجامع وقد غص بالمصلين وأنا قلق مما سيكون، على أن الأنوار كانت لحسن الحظ ضعيفة، وقد خفت أن يعرفني أحد فنكست طربوشي على عيني، وانزويت جانبا دفعا لكل ريبة، ولما فرغت الصلاة خرج البعض وبقي الأكثر، وللحال أقفلت أبواب الجامع، وشرع الأئمة والمشايخ والسفطاء يتفاوضون همسا بما لم أسمعه، وأخذ يرقى المنبر كل بعد الآخر، وعوضا عن الاستشهاد بالآيات القرآنية كانوا يحثون الناس على المناداة بالحرية وإطلاق الجرائد من قيود المراقبة الصارمة وتحطيم سلاسل العبودية قائلين: يجب على السلطان أن يخضع لإرادة الشعب، وأن يعجل بإجابته إلى مطالبه حفظا للدولة وصونا للملة والأمة كي تعود المملكة إلى مركزها القديم وتلحق بالدول الأوروبية العزيزة، وقالوا: إن ولاياتنا متسعة الأطراف ممتدة إلى جميع جهات القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأرضنا أخصب أرض الله وأغناها، نملك خمسة أبحر ونسود ثلاثين أمة مختلفة ... ولكن لم نحن في مؤخرة الشعوب؟ ولم ماليتنا في عجز ومقامنا في انحطاط ...؟ كل هذا لأن اليد القابضة على زمام المملكة لم تحسن إدارتها.
Page inconnue