Les secrets des palais
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Genres
ولم تمض برهة يسيرة حتى أطل السلطان عبد العزيز من أعلى السلم مرتديا ثوبا مثيرا، وذراع الإمبراطورة ملتف بذراعه، وهي لابسة ثوبا جميلا ناصع البياض يزيدها حسنا وجمالا، وقد أثر بها ذلك المشهد البديع والاحتفاء الشائق.
وأجلسها السلطان في الزورق عن يمينه، وكان السفراء والوزراء والأمراء والعلماء وكبار المملكة جميعا بانتظار جلالتها في سراي بيكلربك، فقدمهم السلطان إليها، ثم عاد إلى سراي «طلمه بغجه» حيث كان قد أعد لها مأدبة شائقة للمساء.
وكان بين ذلك الجمع المزدحم شاب جميل الصورة شركسي المنظر برتبة أميرالاي يحاول عبثا الوصول إلى الإمبراطورة فيحول دونه الزحام، ثم رأى بين ذلك الجمع وجها يعرفه، فبرقت أسرة وجهه فرحا؛ إذ رآه يتبسم له ويشير إليه بالتقدم منه، فلما وصل إليه مد له يده وصافحه قائلا: كيف حالك يا صلاح الدين؟ قد أنقذتني الآن؛ لأني كدت أموت خنقا من الزحام. - انتظر قليلا لأقدمك إلى جلالة الإمبراطورة، فإن سفيري روسيا والنمسا يحيطان بها الساعة. - مسكين أنت يا صلاح الدين، من كان يقول إنك ستقضي سنتين في سفارة باريس، وأنت قد سرت للقيام فيها بضعة أيام. - نعم، قد طال غضب السلطان علي، وبحجة ترقيتي أبعدوني قصيا، ولكن لم أعدم لحسن الحظ الأخبار السارة، فهي التي ساعدتني على احتمال مصابي، على أن الفضل عائد إليك يا حسن وإلى كتبك المتواصلة ... في كل حال. - لم أقض إلا واجب الصداقة والإخاء ... ويا حبذا لو أمكنني المزيد. - أنا معترف بجميلك ذاكر معروفك. ثم التفت نحو الإمبراطورة، فقال: تعال لأقدمك إلى جلالتها؛ إذ الفرصة مناسبة.
ولما كان صلاح الدين قد عين حاجبا خاصا للإمبراطورة حق له تقديم صديقه حسن الذي كان يجهل اللغة الفرنسوية.
فاستقبلته الإمبراطورة بلطفها المعهود، والتفتت إلى صلاح الدين قائلة: اعذرني أمام مواطنيك لجهلي اللغة التركية؛ إذ يعسر على مجاوبتهم على تهانيهم، وليس لدي ترجمان أبرع منك وأنت تحسن اللغتين. فانحنى الضابطان احتراما وامتنانا، ورجعا القهقرى مسلمين، ومن ثم انحدر الصديقان إلى زاوية البستان عند شاطئ البحر يتحدثان.
فقال حسن: لا شك أن مأموريتك قد جعلتك أسيرا، فمتى يتسنى لك يا ترى الذهاب إلى أورطه كي؟ - لا أعلم، لكن لا بد من ذلك فقد صافحت والدي للساعة بين القوم، ولم أتمكن بعد من معانقة والدتي، وإني أنظر البيت فهو لم يتغير من ظاهره شيء، ثم حدق بنظره إليه قليلا، وقال: الحمد لله، ثم الحمد لله ها أنا في تركيا، ويخال لي أني كنت في منام وما شاهدته أضغاث أحلام، وقد عزمت على الإقامة هنا، ولو كلفت الاستقالة؛ لأني أريد الاقتران. - قد أحسنت وأصبت.
وأدرك حسن أن صديقه سيلقي عليه أسئلة يريد التملص منها، ويثقل عليه الجواب عنها، فقال صلاح الدين مستأنفا: لم تذكر لي شيئا يا حسن في كتابك الأخير المؤرخ في 10 مارس عن فاطمة هانم، وقطعت منذ ذلك العهد أخبارك، فلم هذا الصمت؟ - بلى حررت لك مرتين من ذلك التاريخ، ألم يصلك شيء مني؟ - لا، ولكن كيف حال فاطمة هانم وعائشة؟ - عائشة هانم هي بكل خير وعافية، أما فاطمة هانم فكنت واهما أنك عالم منذ شهرين. - بأي شيء؟ - بوفاتها. - أماتت؟! لا إله إلا الله ... وقد بقيت عائشة وحدها مع أحمد، ولكن لم لم تأخذها والدتي إلى أورطه كي؟ مسكينة ... لا شك أنها اتهمتني بالصد والجفا، ويحق لها الشكوى.
وتضايق حسن من هذا الحديث، وأراد التخلص منه فقاطعه الكلام قائلا: خصي شقيقتي مهرى سلطانة يدعوني، فصاح صلاح الدين مدهوشا: مهرى سلطانة؟ - ألا تعلم أنها رزقت ابنا؟ - عرفت أن قد رزق السلطان ابنا، ولم أعلم أن مهرى والدته. فقال حسن مودعا: أي والله، ثم تركه وانصرف.
وغادر حسن صلاح الدين وحده يتعثر بأذياله، ويفكر بما سمع وما رأى، ويتساءل كيف أن فاطمة هانم قد ماتت ولم تعتن والدته بعائشة، ولم تأخذها إلى منزلها بعد أن عاهدته قبل سفره على ذلك، ولم كان وجه والده عبوسا في الصباح؟ وكيف لم يذكر له حرفا عن خطيبته وهي مع ذلك لا تزال على قيد الحياة كما أكد له حسن، وكان يشتد قلقه واضطرابه كلما فكر في أن مليكة فؤاده هي على بعد بضع خطوات منه في بايكوس، وهو لا يستطيع الطيران إليها مقيد بخدمة الإمبراطورة، ثم قام إلى السراي، فجعل يطوف غرفها ليرى إذا كان لا يزال والده حميد باشا بين المهنئين، فوجد أنه كان في مقدمة المنصرفين، فانطرح على متكأ وقد علت وجهه أمارات الاضطراب تشاؤما من أمر جلل حدث في أثناء غيابه، وإذ تذكر أن الإمبراطورة مدعوة في المساء إلى العشاء في «طلمه بغجه»، وعليه السير في معيتها قطع كل أمل من الذهاب إلى بايكوس، ومشاهدة مليكة فؤاده.
ثم سمع حفيف ثوب فذعر، وأنصت بسمعه مبهوتا، وإذا به وجد الإمبراطورة أوجيني واقفة أمامه وهي في ثوبها الحريري الباهر، والجواهر تتلألأ عليها كالكواكب، فرأت على وجهه أمارات الاضطراب والاكتئاب، فقالت له باسمة متلطفة: كنت أظن وصولنا إلى البوسفور يملأ قلبك فرحا وسرورا، فإذا بي أراك حزينا آسفا. - مولاتي، ليس السبب إلا عائلي. - ألم يطمئنك والدك هذا الصباح؟ أرى أن والدتك لا تزال على قيد الحياة، وأنك ذائب شوقا إلى مشاهدتها، فبرقت أسرة صلاح الدين لهذا السؤال، وأدركت الإمبراطورة فرحه فقالت له: أعفيك من الخدمة هذا المساء، فإلى غد «مسيو صلاح الدين». - ألف منة وشكر لنعم جلالتك.
Page inconnue