Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Maison d'édition
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lieu d'édition
https
Genres
«عمدة القاري».
وجواب (لمَّا) قوله: (نزل) أي: النبي الأعظم ﵇ عن دابته (فتوضأ)؛ أي: بماء زمزم كما سبق، (فأسبغ الوضوء)؛ أي: أتمه وأكمله؛ أخذًا بالأفضل على عادته، وهذا موضع المطابقة للترجمة، وفيه: دليل على استحباب إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بعبادة؛ لأنَّه نور على نور حيث تبدل المجلس، أمَّا إذا لم يتبدل المجلس أو لم يؤدِّ بالأول عبادة؛ فهو إسراف مكروه، وما زعمه بعضهم من أنَّه يحتمل أنَّه أحدث؛ فبعيد؛ لأنَّه ﵇ دائم على الطهارة الكاملة؛ فليحفظ.
(ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب)؛ أي: قبل حط رحالهم كما صرح به المؤلف في رواية، ويدل له قوله: (ثم أَناخ) بفتح الهمزة؛ أي: أبرك (كل إنسان) أي: من الجماعة (بعيره في منزله)؛ أي: مكانه؛ خشية ما يحصل منها من التشويش أو لإراحتها، والظاهر أنَّ (ثم) هنا وفي قوله: (ثم أقيمت العِشاء) ليست للتراخي، و(العِشاء)؛ بكسر العين وبالمد، والمراد به: صلاة العشاء التي وقتها من غروب الشفق إلى طلوع الفجر، (فصلَّى) بتشديد اللام (ولم يصلِّ بينهما)؛ أي: بين الصلاتين سنة المغرب ولا سنة العشاء القبلية، ففيه: دليل ظاهر على المنع من التطوع بينهما؛ لأنَّه يخل بالجمع، ولو تطوع أو تشاغل بشيء؛ فإنَّه مكروه وعليه إعادة (^١) الإقامة لوقوع الفصل، وهو مذهب الإمام الأعظم ﵁، كما نص عليه الإمام المرغيناني في «الهداية»، وقال الإمام زفر: يعيد الأذان أيضًا، كما في «شرح الكنز».
وفيه أيضًا: دليل ظاهر على (^٢) أنَّ تأخير صلاة المغرب إلى وقت العشاء واجب، حتى لو صلى المغرب في الطريق؛ لم يجز وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر، وهو مذهب الإمام الأعظم، وبه قال الإمام محمد، والإمام زفر، والجمهور.
وقال الشافعي: لو جمع بينهما في وقت المغرب في عرفات، أو في الطريق، أو في موضع آخر، أو صلى كل صلاة في وقتها؛ جاز الجميع وإن كان خلاف الأفضل، وبه قال الإمام أبو يوسف، وجماعة من الصحابة والتابعين، والأوزاعي، وأشهب، وهذا الجمع يسمى جمع التأخير، ولا يشترط فيه سوى المكان والإحرام.
والسبب في هذا الجمع بمزدلفة: النُّسك؛ فلهذا يجمع المزدلفي، وعند الشافعي: السفر فلا يجمع المزدلفي، فليس لنا أن نجمع بين صلاتين في وقت واحد إلَّا هنا وفي عرفة للحاج لا لغيرهم بشرط الإمام والإحرام، فيجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم كما يأتي في (الحج) إن شاء سبحانه.
وقال ابن بطال: فيه: أنَّ يسير العمل إذا تخلل بين الصلاتين غير قاطع نظام الجمع بينهما؛ لقوله: (ثم أناخ)، ولكنه لا يتكلم.
قلت: ليس فيه ما يدل على عدم جواز التكلم بينهما، ولا ما يدل على عدم القطع اليسير وعلى قطع الكثير؛ بل فيه دليل ظاهر على عدم القطع مطلقًا يسيرًا أو كثيرًا؛ لأنَّهم لم يشتغلوا بشيء سوى إناخة البعير وهو عمل يسير لا يعد قاطعًا؛ فافهم.
واستدل به الشافعي على أنَّ الفوائت لا يؤذَّن لها، لكن يقام.
قلت: هذا الاستدلال فاسد؛ لأنَّ تأخير المغرب إلى العشاء ليس بقضاء، وإنَّما هو أداء؛ لأنَّ وقته قد تحول إلى وقت العشاء؛ لأجل العذر المرخص، فكيف يصح القياس عليه؟! وإنَّه قياس مع الفارق؛ فليحفظ.
وقيل: فيه: دليل لمن لا يتنفَّل في السفر، ورُدَّ بأنَّه ليس فيه دلالة على ذلك، بل في ترك التنفل بينهما، أما تركه مطلقًا؛ فلا دلالة فيه، كما لا يخفى.
واتفق الفقهاء على اختيار التنفل في السفر إلا إذا ضاق وقت المكتوبة سواء كان سفرًا أو حضرًا، فيترك التنفل ويشرع بالفرض، ولو اقتصر على الفرائض؛ جاز حتى يكون مؤديًا الفرض بوقته.
ولم يذكر في الحديث الأذان، ومذهب الإمام الأعظم، والإمام أبي يوسف، والإمام محمد، وسعيد بن جبير، والثوري: أنَّ الجمع بأذان واحد وإقامة واحدة لهما، وهو المروي عن جابر، وابن عمر، وأبي أيوب الأنصاري.
وفي الحديث: تنبيه المفضول الفاضل إذا خاف عليه النسيان؛ لما كان فيه من الشغل؛ لقول أسامة: (الصلاة يا رسول الله)، وتمامه في «عمدة القاري».
(٧) [باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة]
هذا (باب) جواز (غَسل) بفتح الغين المعجمة (الوجه باليدين من غَرفة واحدة)؛ بفتح الغين المعجمة، بمعنى المصدر، وبالضم بمعنى المغروف؛ وهي ملء الكف، وفي «العباب»: غرفت الماء بيدي غرفًا، والغرفة: المرة الواحدة، والغُرفة؛ بالضم: اسم للمغروف منه؛ لأنَّك ما لم تغرفه لا تسميه غرفة، ومراد المؤلف: التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا في الوضوء، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إنَّ الأول فيه بعض وصف الوضوء، وفي هذا وصفه بتمامه، وتمامه في «عمدة القاري».
[حديث وضوء عبد الله ابن عباس]
١٤٠ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم)؛ أي: ابن أبي زهير أبو يحيى البغدادي، المعروف بصاعقة، لُقِّب به؛ لسرعة حفظه، وكان بزازًا، المتوفى سنة خمس وخمسين ومئتين في شعبان (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (أبو سَلَمة) بفتح السين واللام (الخُزاعي) بضم الخاء المعجمة (منصور بن سَلمة)؛ بفتح المهملة: البغدادي، المتوفى بالمصيصة سنة عشرين ومئتين، أو عشر، أو سبع، أو تسع ومئتين (قال: أخبرنا ابن بلال؛ يعني: سليمان): أبو محمد المدني، والعناية تحتمل من كلام المؤلف أو من كلام ابن عبد الرحيم، والظاهر الأول، (عن زيد بن أَسْلم)؛ بفتح الهمزة وسكون السين المهملة، (عن عطاء بن يَسار)؛ بفتح التحتية أوله بعدها سين مهملة، (عن ابن عباس) عبد الله ﵄ (أنَّه) أي: ابن عباس (توضأ): زاد أبو داود في أوله: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله ﵇ يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء)، (فغسل وجهه): من عطف المفصل على المجمل، ثم بين الغسل على وجه الاستئناف، فقال: (أخذ غَرفة) بفتح الغين (من ماء) بالمد (فمضمض): وفي رواية: (فتمضمض)؛ بالمثناة الفوقية (بها واستنشق): وإنَّما ترك العاطف؛ لأنَّه بيان لغسل الوجه، فإن كان بيانًا والمضمضة والاستنشاق ليسا من غسل الوجه، وأجيب: بأنَّه أعطى لهما حكم الوجه؛ لكونهما في الوجه.
والمضمضة: تحريك الماء في الفم، وعند الفقهاء: استيعاب الماء جميع الفم، والإدارة والمج ليسا بشرط، فلو شرب الماء عبًّا -بالعين المهملة-؛ أجزأه، ولو مصًّا؛ لا يجزئه، كما في «فتح القدير»، لكن الأفضل أن يمجه؛ لأنَّه ماء مستعمل، كما في «السراج».
والاستنشاق: جذب الماء بريح الأنف إليه، وعند الفقهاء: إيصال الماء إلى المارن؛ وهو ما لان من الأنف، فالجذب ليس شرطًا فيه شرعًا بخلافه لغة، كما في «النهر الفائق».
ولفظ الراوي يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يجمع بينهما بغرفة يتمضمض منها، ثم يستنشق منها ثلاثًا، والثاني: أن يجمع بينهما أيضًا بغرفة لكن يتمضمض منها، ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها، ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها، ثم يستنشق، والوجهان قول للشافعي، وقال أحمد: إنَّه مخير بين أن يتمضمض ويستنشق ثلاثًا من غرفة أو بثلاث غرفات، فإنَّ عبد الله بن زيد روى عن النبي الأعظم ﵇: (أنَّه مضمض واستنشق ثلاثًا ثلاثًا من غرفة واحدة)، وروى ابن ماجه: (أنَّه ﵇ توضأ فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا من كف واحدة)، وإن أفرد لكل عضو ثلاث غرفات؛ جاز؛ لأنَّ الكيفية في الغسل غير واجبة، كذا في «المغني الحنبلي».
والسنة عندنا: أن يتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، يأخذ لكل واحدة ماءً جديدًا، ولو تمضمض ثلاثًا بغرفة واحدة؛ أقام السنة في المضمضة لا سنة التكرار، وأمَّا الاستنشاق؛ فلا يصح أن يكون التثليث من غرفة واحدة؛ لعدم انطباق الأنف على باقي الماء فيصير الباقي مستعملًا، كما في «الجوهرة» و«الشرنبلالية».
ويدل لما قلنا ما رواه الترمذي عن علي الصديق الأصغر: أنَّه غسل كفيه حتى أنقاهما، ثم مضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم،
_________
(^١) في الأصل: (أعاد)، ولعل المثبت هو الصواب.
(^٢) في الأصل: (إلى)، ولعل المثبت هو الصواب.
ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله ﷺ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومدلوله ظاهر، وهو أن يتمضمض ثلاثًا يأخذ لكل مرة ماءً جديدًا، ثم يستنشق كذلك. ويدل لذلك ما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده كعب: أنَّ النبي الأعظم ﵇ توضأ فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا، فأخذ لكل واحدة ماءً جديدًا، ورواه أبو داود في «سننه» وسكت عنه، وما سكت عنه؛ فهو صحيح، وأمَّا ما في حديث الباب وغيره مما ورد من أنَّه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد؛ فهو محمول على بيان الجواز، ويحتمل أنَّه فعل ذلك بكف واحد بمياه متعددة، والمحتمل لا تقوم به حجة، أو يُرَدُّ هذا المحتمل إلى المحكم الذي ذكرناه؛ توفيقًا بين الدليلين، وقد يقال: إنَّ المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين، كما في الوجه، وقد يقال: إنَّه فعلهما باليد اليمنى؛ ردًّا على من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأنَّ الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، كذا في «المبسوط». والسنة: أن يكون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى، وقال بعضهم: المضمضة باليمنى، والاستنشاق باليسرى؛ لأنَّ الفم مطهرة، والأنف مقذرة، واليمين للأطهار، واليسار للأقذار، ولنا ما روى الحسن بن علي ﵄: أنَّه استنثر بيمينه، فقال معاوية له: جهلت السنة، فقال: كيف أجهل والسنة من بيوتنا خرجت، أمَا علمت أنَّ النبي ﷺ قال: «اليمين للوجه، واليسار للمقعدة»، كذا ذكره «صاحب البدائع». والترتيب بينهما سنة، كما في «الخلاصة»؛ لأنَّه لم ينقل عن النبي الأعظم ﵇ في صفة وضوئه إلا هكذا، فالمضمضة والاستنشاق في الوضوء سنة، وفي الغسل فرض؛ لأنَّهما من تمام البدن، ولا حرج في غسلهما، هذا مذهب الإمام الأعظم ومن قال بقوله، وقال مالك والشافعي: إنَّهما سنتان في الوضوء والغسل معًا، والمشهور عن أحمد: أنَّهما واجبتان فيهما كمذهبنا، وذهب داود إلى أنَّ الاستنشاق فرض في الوضوء والغسل، وأنَّ المضمضة سنة فيهما، والله تعالى أعلم. (ثم أخذ غَرفة) -بفتح الغين المعجمة- واحدة (من ماء)؛ بالمد، و(من): للبيان مع إفادة التبعيض، (فجعل بها هكذا): وإنَّما عطف بـ (ثم)؛ لوجود المهلة بين الغَرفتين، ثم بيَّن الإشارة بقوله: (أضافها)؛ أي: الغرفة، فترك العاطف؛ لبيان الإشارة (إلى يده الأخرى): بأن جعل الماء في يديه معًا؛ لكونه أمكن في الغسل، (فغسل بها) أي: بالغرفة (وجهه) وللأصيلي: (فغسل بهما)؛ أي: باليدين، وظاهره أنَّه غسله مرة واحدة، وكذا فيما سيأتي؛ اقتصارًا على أدنى الوضوء، وعلى هذا فالظاهر أنَّ الغرفة الأولى تمضمض بها مرة، واستنشق بها مرة؛ ليطابق الجميع، كذا قيل، (ثم أخذ غَرفة) بفتح المعجمة (من ماء)؛ بالمد، و(من): للبيان مع إفادة التبعيض كما قلنا، (فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة) أخرى (من ماء) أيضًا (فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه)؛ يعني: بعد أن قبض قبضة من الماء، (ثم نفض يده)، كما في رواية أبي داود مع زيادة: (مسح أذنيه)، ففي الحديث حذفٌ دل عليه ما رواه أبو داود، وقد خفي هذا على الكرماني فقدر المحذوف، زاد النسائي: (ومسح أذنيه مرة واحدة، باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه)، وزاد ابن خزيمة: (وأدخل أصبعيه فيهما) انتهى. ولا يصير الماء مستعملًا؛ لأنَّ الماء ما دام على العضو لا يوصف بالاستعمال، فإذا انفصل عنه؛ صار مستعملًا سواء استقر في مكان أو لا على المعتمد، وعليه الفتوى، وقيل: لا يوصف بالاستعمال إلَّا إذا استقر في مكان، والثمرة تظهر فيما لو وضع أحد يده مثلًا تحت ماء الوجه فغسلها به؛ فعلى الأول لا يجزئه، وعلى الثاني يجزئه، والأصح الأول. (ثم أخذ غرفة من ماء فرشَّ)؛ أي: صبه قليلًا قليلًا حتى صار غسلًا (على رجله اليمنى): فالمراد بالرش: الغسل؛ بدليل قوله: (حتى)؛ أي: إلى أن (غسلها) لكن عبر عنه بالرش؛ احترازًا عن الإسراف الذي هو مظنة الرجلين، ووقع في رواية أبي داود والحاكم: (فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه؛ يد فوق القدم، ويد تحت النَّعل)، والجواب: أنَّ المراد بالمسح الغسل؛ لأنَّ المسح في كلام العرب يكون غسلًا، كما قاله ابن الأعرابي وأبو زيد الأنصاري. وأمَّا قوله: (تحت النَّعل)؛ فمحمول على التجوز عن القدم على أنَّ هذه الرواية شاذة رواها هشام بن سعد، وهو ممن لا يحتج به عندهم عند الانفراد، فكيف إذا خالفه غيره؟! كذا في «عمدة القاري». (ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله)؛ بغين معجمة وسين مهملة، من الغسل، كذا وقع في الأصول، وقال ابن التين: إنَّه بالعين المهملة، قال في «عمدة القاري»: إنَّه غريب، وتكلف، وتصحيف، والصواب ما في الأصول: (فغسل بها رجله)، قال زيد بن أسلم أو من هو دونه من الرواة: (يعني: اليسرى): وفي رواية: (فغسل بها؛ يعني: رجله اليسرى). (ثم قال) أي: ابن عباس: (هكذا رأيت رسول الله): ولأبي الوقت: (النبي) الأعظم ﷺ يتوضأ): جملة محلها النصب على الحال، وعبَّر بالمضارع؛ لأجل حكاية الحال الماضية، وفي رواية: (توضأ)؛ بحذف التحتية، وفي الحديث: البداءة باليمين، وهو مستحب على الصحيح، كما صرح به الإمام القدوري، وتبعه صاحب «الملتقى»، و«التنوير»، وغيرهما. قال ابن قدامة في «المغني»: التيامن مستحب، ولا نعلم قائلًا بخلافه، ولأنَّه لا يعقل فيها إلَّا شرف اليمين، وذلك لا يقتضي عدمه العقاب، واختار المحقق الكمال بن الهمام في «فتح القدير»: أنَّه سنة، وتبعه العلامة الشرنبلاليُّ في كتبه، فيستحب التيامن في الوضوء والغسل، وكذا في التيمم، وكذا في مسح الخف، كما حرره في «منهل الطلاب»، وأمَّا الأذنان والخدان؛ فلا يستحب التيامن فيهما؛ لأنَّ الأذنين تبع للرأس وهو عضو واحد، والخدين تبع للوجه وهو عضو واحد، فإن كان المتوضئ أقطع؛ بأن كان له يد واحدة أو كان في إحدى يديه علة ولا يمكنه مسحهما معًا؛ فيستحب له أن يبدأ بالأذن اليمنى ثم باليسرى، وكذا يستحب له أن يبدأ بغسل الخد الأيمن ثم بالأيسر، كما يستفاد من كلام السراج، فقولهم: لا يستحب التيامن فيهما؛ مقيَّد بالصحة، كذا في «منهل الطلاب»، والله أعلم. (٨) [باب التسمية على كل حال وعند الوقاع] هذا (باب) طلب (التسمية) وهي قول: بسم الله (على كل حال)؛ يعني: سواء كان طاهرًا، أو محدثًا، أو جنبًا (وعند الوِقاع)؛ بكسر الواو؛ أي: الجماع، وهو من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به. والحديث المسُوق هنا شاهد للخاص لا للعام، لكن لمَّا كان حال الوِقاع أبعد حالًا من ذكر الله ومع ذلك تسن التسمية فيه؛ ففي غيره أولى، ولهذا ساقه المؤلف هنا؛ لمشروعية التسمية عند الوضوء، ولم يسق حديث: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، مع كونه أبلغ في الدلالة؛ لكونه ليس على شرطه، بل هو مطعون فيه وبفرض صحته، فهو محمول على الكمال؛ كحديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، وأصح ما في التسمية حديث أنس: أنَّه ﵇ وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، وقال: «توضؤوا بسم الله...»؛ الحديث، ويقرب منه حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله...»، وتمامه في «عمدة القاري». [حديث: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله] ١٤١ - وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) أي: ابن المديني (قال: حدثنا جرير): هو ابن عبد الحميد، (عن منصور):
ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله ﷺ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومدلوله ظاهر، وهو أن يتمضمض ثلاثًا يأخذ لكل مرة ماءً جديدًا، ثم يستنشق كذلك. ويدل لذلك ما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده كعب: أنَّ النبي الأعظم ﵇ توضأ فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا، فأخذ لكل واحدة ماءً جديدًا، ورواه أبو داود في «سننه» وسكت عنه، وما سكت عنه؛ فهو صحيح، وأمَّا ما في حديث الباب وغيره مما ورد من أنَّه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد؛ فهو محمول على بيان الجواز، ويحتمل أنَّه فعل ذلك بكف واحد بمياه متعددة، والمحتمل لا تقوم به حجة، أو يُرَدُّ هذا المحتمل إلى المحكم الذي ذكرناه؛ توفيقًا بين الدليلين، وقد يقال: إنَّ المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين، كما في الوجه، وقد يقال: إنَّه فعلهما باليد اليمنى؛ ردًّا على من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأنَّ الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، كذا في «المبسوط». والسنة: أن يكون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى، وقال بعضهم: المضمضة باليمنى، والاستنشاق باليسرى؛ لأنَّ الفم مطهرة، والأنف مقذرة، واليمين للأطهار، واليسار للأقذار، ولنا ما روى الحسن بن علي ﵄: أنَّه استنثر بيمينه، فقال معاوية له: جهلت السنة، فقال: كيف أجهل والسنة من بيوتنا خرجت، أمَا علمت أنَّ النبي ﷺ قال: «اليمين للوجه، واليسار للمقعدة»، كذا ذكره «صاحب البدائع». والترتيب بينهما سنة، كما في «الخلاصة»؛ لأنَّه لم ينقل عن النبي الأعظم ﵇ في صفة وضوئه إلا هكذا، فالمضمضة والاستنشاق في الوضوء سنة، وفي الغسل فرض؛ لأنَّهما من تمام البدن، ولا حرج في غسلهما، هذا مذهب الإمام الأعظم ومن قال بقوله، وقال مالك والشافعي: إنَّهما سنتان في الوضوء والغسل معًا، والمشهور عن أحمد: أنَّهما واجبتان فيهما كمذهبنا، وذهب داود إلى أنَّ الاستنشاق فرض في الوضوء والغسل، وأنَّ المضمضة سنة فيهما، والله تعالى أعلم. (ثم أخذ غَرفة) -بفتح الغين المعجمة- واحدة (من ماء)؛ بالمد، و(من): للبيان مع إفادة التبعيض، (فجعل بها هكذا): وإنَّما عطف بـ (ثم)؛ لوجود المهلة بين الغَرفتين، ثم بيَّن الإشارة بقوله: (أضافها)؛ أي: الغرفة، فترك العاطف؛ لبيان الإشارة (إلى يده الأخرى): بأن جعل الماء في يديه معًا؛ لكونه أمكن في الغسل، (فغسل بها) أي: بالغرفة (وجهه) وللأصيلي: (فغسل بهما)؛ أي: باليدين، وظاهره أنَّه غسله مرة واحدة، وكذا فيما سيأتي؛ اقتصارًا على أدنى الوضوء، وعلى هذا فالظاهر أنَّ الغرفة الأولى تمضمض بها مرة، واستنشق بها مرة؛ ليطابق الجميع، كذا قيل، (ثم أخذ غَرفة) بفتح المعجمة (من ماء)؛ بالمد، و(من): للبيان مع إفادة التبعيض كما قلنا، (فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة) أخرى (من ماء) أيضًا (فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه)؛ يعني: بعد أن قبض قبضة من الماء، (ثم نفض يده)، كما في رواية أبي داود مع زيادة: (مسح أذنيه)، ففي الحديث حذفٌ دل عليه ما رواه أبو داود، وقد خفي هذا على الكرماني فقدر المحذوف، زاد النسائي: (ومسح أذنيه مرة واحدة، باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه)، وزاد ابن خزيمة: (وأدخل أصبعيه فيهما) انتهى. ولا يصير الماء مستعملًا؛ لأنَّ الماء ما دام على العضو لا يوصف بالاستعمال، فإذا انفصل عنه؛ صار مستعملًا سواء استقر في مكان أو لا على المعتمد، وعليه الفتوى، وقيل: لا يوصف بالاستعمال إلَّا إذا استقر في مكان، والثمرة تظهر فيما لو وضع أحد يده مثلًا تحت ماء الوجه فغسلها به؛ فعلى الأول لا يجزئه، وعلى الثاني يجزئه، والأصح الأول. (ثم أخذ غرفة من ماء فرشَّ)؛ أي: صبه قليلًا قليلًا حتى صار غسلًا (على رجله اليمنى): فالمراد بالرش: الغسل؛ بدليل قوله: (حتى)؛ أي: إلى أن (غسلها) لكن عبر عنه بالرش؛ احترازًا عن الإسراف الذي هو مظنة الرجلين، ووقع في رواية أبي داود والحاكم: (فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه؛ يد فوق القدم، ويد تحت النَّعل)، والجواب: أنَّ المراد بالمسح الغسل؛ لأنَّ المسح في كلام العرب يكون غسلًا، كما قاله ابن الأعرابي وأبو زيد الأنصاري. وأمَّا قوله: (تحت النَّعل)؛ فمحمول على التجوز عن القدم على أنَّ هذه الرواية شاذة رواها هشام بن سعد، وهو ممن لا يحتج به عندهم عند الانفراد، فكيف إذا خالفه غيره؟! كذا في «عمدة القاري». (ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله)؛ بغين معجمة وسين مهملة، من الغسل، كذا وقع في الأصول، وقال ابن التين: إنَّه بالعين المهملة، قال في «عمدة القاري»: إنَّه غريب، وتكلف، وتصحيف، والصواب ما في الأصول: (فغسل بها رجله)، قال زيد بن أسلم أو من هو دونه من الرواة: (يعني: اليسرى): وفي رواية: (فغسل بها؛ يعني: رجله اليسرى). (ثم قال) أي: ابن عباس: (هكذا رأيت رسول الله): ولأبي الوقت: (النبي) الأعظم ﷺ يتوضأ): جملة محلها النصب على الحال، وعبَّر بالمضارع؛ لأجل حكاية الحال الماضية، وفي رواية: (توضأ)؛ بحذف التحتية، وفي الحديث: البداءة باليمين، وهو مستحب على الصحيح، كما صرح به الإمام القدوري، وتبعه صاحب «الملتقى»، و«التنوير»، وغيرهما. قال ابن قدامة في «المغني»: التيامن مستحب، ولا نعلم قائلًا بخلافه، ولأنَّه لا يعقل فيها إلَّا شرف اليمين، وذلك لا يقتضي عدمه العقاب، واختار المحقق الكمال بن الهمام في «فتح القدير»: أنَّه سنة، وتبعه العلامة الشرنبلاليُّ في كتبه، فيستحب التيامن في الوضوء والغسل، وكذا في التيمم، وكذا في مسح الخف، كما حرره في «منهل الطلاب»، وأمَّا الأذنان والخدان؛ فلا يستحب التيامن فيهما؛ لأنَّ الأذنين تبع للرأس وهو عضو واحد، والخدين تبع للوجه وهو عضو واحد، فإن كان المتوضئ أقطع؛ بأن كان له يد واحدة أو كان في إحدى يديه علة ولا يمكنه مسحهما معًا؛ فيستحب له أن يبدأ بالأذن اليمنى ثم باليسرى، وكذا يستحب له أن يبدأ بغسل الخد الأيمن ثم بالأيسر، كما يستفاد من كلام السراج، فقولهم: لا يستحب التيامن فيهما؛ مقيَّد بالصحة، كذا في «منهل الطلاب»، والله أعلم. (٨) [باب التسمية على كل حال وعند الوقاع] هذا (باب) طلب (التسمية) وهي قول: بسم الله (على كل حال)؛ يعني: سواء كان طاهرًا، أو محدثًا، أو جنبًا (وعند الوِقاع)؛ بكسر الواو؛ أي: الجماع، وهو من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به. والحديث المسُوق هنا شاهد للخاص لا للعام، لكن لمَّا كان حال الوِقاع أبعد حالًا من ذكر الله ومع ذلك تسن التسمية فيه؛ ففي غيره أولى، ولهذا ساقه المؤلف هنا؛ لمشروعية التسمية عند الوضوء، ولم يسق حديث: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، مع كونه أبلغ في الدلالة؛ لكونه ليس على شرطه، بل هو مطعون فيه وبفرض صحته، فهو محمول على الكمال؛ كحديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، وأصح ما في التسمية حديث أنس: أنَّه ﵇ وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، وقال: «توضؤوا بسم الله...»؛ الحديث، ويقرب منه حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله...»، وتمامه في «عمدة القاري». [حديث: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله] ١٤١ - وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) أي: ابن المديني (قال: حدثنا جرير): هو ابن عبد الحميد، (عن منصور):
1 / 51