Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Maison d'édition
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lieu d'édition
https
Genres
محذوف.
روي أنه قال له الخضر: كفى بالتوراة علمًا وببني إسرائل شغلًا، فقال له موسى: إن الله أمرني بهذا، و(من) في (مما علمت) للتبعيض، فطلب تعليم بعض ما علِّم، كأنه يقول: لا أطلب منك أن تجعلني مساويًا لك في العلم؛ بل أطلب منك أن تفيدني بعض ما علِّمت.
قال البيضاوي: ولا ينافي نبوته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطًا في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقًا، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب، فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعًا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه، انتهى.
وقال الإمام الزمخشري: لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله، وإنما يغضُّ منه أن يأخذ ممن دونه، قال الكرماني: هذا الجواب لا يتم على تقدير ولا يته.
أجاب في «عمدة القاري»: بأن الزمخشري قائل بنبوته كما ذهب إليه الجمهور؛ بل هو رسول وينبغي اعتقاد ذلك؛ لئلَّا يتوسل به أهل الزيغ والضلال والفساد من المبتدعة الملاحدة في دعواهم أن الولي أفضل من النبي نعوذ بالله من ذلك.
وقال ابن حجر: هذا الجواب فيه نظر؛ لأنَّه يستلزم نفي ما أوجب.
وأجابه في «عمدة القاري»: بأن هذه الملازمة ممنوعة فلو بين وجهها؛ لأجيب عن ذلك، والله تعالى أعلم؛ فافهم.
(قال: إنك لن تستطيع معي صبرًا)؛ لأنك ترى أمورًا منكرة بحسب الظاهر ولا يجوز للأنبياء أن يصبروا على المنكرات، (يا موسى؛ إنِّي على علم من علم الله علمنيه) (من) للتبعيض، والجملة من الفعل، والفاعل، والمفعولين أحدهما: ياء المفعول والثاني: الضمير الذي يرجع إلى العلم، محلها الجر صفة لـ (علم)، (لا تعلمه أنت): صفة أخرى، فالأولى من الصفات الإيجابية والثانية من الصفات السلبية.
(وأنت على علم): مبتدأ وخبر عطف على قوله: (إني على علم)، (علمك الله): جملة من الفعل، والفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: علَّمك الله إياه، والجملة صفة لعلم، وفي رواية: (علمكه الله) بهاء الضمير الراجع إلى العلم، (لا أعلمه): صفة أخرى، وهذا لا بدَّ من تأويله؛ لأنَّ الخضر كان يعرف من علم الشرع ما لا غنى للمكلف عنه، وموسى كان يعرف من علم الباطن ما لا بدَّ منه، كما لا يخفى، قاله القسطلاني.
(قال: ستجدني إن شاء الله صابرًا)؛ بالنصب مفعول ثاني لـ (ستجدني)، وقوله: (إن شاء الله) معترض بين المفعولين؛ أي: غير منكر.
وفيه: دليل على أن أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى خلافًا للمعتزلة.
(ولا أعصي لك أمرًا): في محل نصب عطفًا على (صابرًا)؛ أي: ستجدني صابرًا وغير عاصٍ، وتعليق الوعد بالمشيئة إما للتيمن أو لعلمه بصعوبة الأمر؛ فإنَّ مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد بلا خلف، أفاده البيضاوي وغيره.
(فانطلقا) على السَّاحل حال كونهما، (يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة)؛ أي: مركب، وأول من أحدثه نوح ﵇ قبل الطوفان، فكان كل يوم يشتغل بها فيأتي قومه بالليل فيخرِّبوها، فيأتي نهارًا يجدِّدها إلى أن خلق الله له الكلاب تحرسها إلى أن تمَّت وركب فيها.
(فمرت بهما سفينة): (فعيلة)؛ بمعنى: (فاعلة) كأنها تسفن الماء؛ أي: تقشره وتشقه، (فكلموهم)؛ أي: كلَّم موسى والخضر أصحاب السفينة، والجمع إمَّا للتعظيم أو لما فوق الواحد، وما قيل: إنهم ثلاثة موسى، والخضر، ويوشع؛ يردُّه تثنية الضمير في (فانطلقا يمشيان ليس لهما، فمرت بهما) فإنه راجع إلى موسى والخضر؛ فليحفظ.
(أن)؛ أي: لأن، (يحملوهما)؛ أي: لأجل حملهم إياهما معهم فيها، (فعُرف)؛ بضم العين، (الخضر)؛ أي: عرف أهل السفينة الخضر كأنه معلوم عندهم يرونه في بعض الأوقات، لما روي عن النبي الأعظم ﵇ أنه قال: «كان الخضر ابن ملك من الملوك، فأراد أبوه أن يستخلفه من بعده، فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر، فطلبه أبوه فلم يقدر عليه»، كذا في «حواشي شيخ زاده».
(فحملوهما)؛ أي: موسى والخضر، (بغير نَول)؛ بفتح النون؛ أي: بغير أجرة، والنول بالواو: الجعل، وأما يوشع؛ فإنه لم يركب معهما، فتركاه قبيل الصخرة؛ لأنَّه لم يقع له ذكر بعد ذلك، وما قيل: إنه روي: (فحملوهم)؛ بالجمع وهو يقتضي أنه ركب معهم: ممنوع بإعادة ضمير التثنية فيما سبق عليهما، أو للتعظيم، أو لما فوق الواحد؛ فافهم.
(فجاء عُصفور)؛ بضم العين طير مشهور سمي به؛ لأنَّه عصى وفر، وقيل: إنه الصرد، (فوقع على حرف) طرف، (السفينة فنقر نقرةً)؛ بالنصب على المصدرية، (أو نقرتين) عطف عليه، (في البحر)؛ أي: شرب منه، وهو يدل على أن البحر عذب؛ لأنَّ الملح لا يشربه الحيوان بأنواعه.
(فقال الخضر) حين رأى نقرة العصفور، وقد رآها موسى أيضًا، (يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله)؛ أي: معلوماته، (إلا كنقرة هذا العصفور في البحر)، وعند المؤلف: (ما علمي وعلمك في جنب الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر)؛ أي: في جنب معلوم الله، فيطلق العلم ويراد به المعلوم، من إطلاق المصدر وإرادة الفعل، وقيل: إن (إلا)؛ بمعنى: ولا، كأنه قال: ما نقص علمي وعلمك ولا ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر؛ لأنَّ علم الله لا ينقص بحال، وقيل: (نقص)؛ بمعنى: أخذ؛ لأنَّ النقص أخذ خاص، والمقصود منه التشبيه في القلة والحقارة لا المماثلة في كل الوجوه، كما بسطه في «عمدة القاري».
(فعمَد)؛ بفتح الميم، كضرب، (الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه)، وعند المؤلف: (فوتد فيها وتدًا)، وجاء أيضًا: (فعمد إلى قدوم فخرق به)، وقيل: (أخذ فأسًا فخرق لوحًا حتى دخلها الماء فحشاها موسى بثوبه)، والذي ذكره المفسرون أنه قلع لوحين مما يلي الماء ولعلَّه كان شقين.
(فقال) له (موسى) ﵇: هؤلاء (قومٌ): مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: ما علمت، أو هم قوم، (حملونا): جملة صفة لـ (قوم)، (بغير نَول)؛ بفتح النون: الجعل، والمراد به الأجرة، (عمَدت)؛ بفتح الميم، (إلى سفينتهم فخرقتها لتُغرِق)؛ بضم الفوقية وكسر الراء، على الخطاب مضارع أغرق؛ أي: لأنَّ تغرق (أهلهَا)؛ بالنصب على المفعولية، وفي رواية: (لتَغرَق)؛ بفتح الفوقية وفتح الراء، على الغيبة مضارع غرق، و(أهلُها)؛ بالرفع على الفاعلية.
(قال) له الخضر: (ألم أقل: إنك لن تستطيع معي صبرًا)؛ فذكره بما قال له من قبل، (قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت)؛ أي: بالذي نسيته، أو بشيء نسيته؛ يعني: وصيته بأن لا يعترض عليه، أو بنسياني إياها، وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها، وقيل: أراد بالنسيان: الترك؛ أي: لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة.
فإن قلت: قول الخضر: (إنك لن تستطيع معي صبرًا)، وقول موسى: (ستجدني إن شاء الله صابرًا) يستلزم صدور الكذب من أحدهما، فإن كل واحد من القولين يكذب الآخر فيلزم إلحاق الكذب بأحدهما وصدوره من أحدهما ينافي عصمة الأنبياء.
قلت: وأجيب: بأنه لم يحصل صدور الكذب من واحد منهما، أما من الخضر؛ فلتحقق عدم الصبر من موسى باستخباره عما رأى من الخضر وأنكره نظرًا لظاهره، وأما من موسى؛ فإنه قد استثنى في جوابه (وقال: ستجدني إن شاء الله صابرًا) فإن التعليق بالمشيئة يدفع الحنث وينافي الكذب، كمن قال لآخر: آتيك غدًا إن شاء الله تعالى، ولم يأته في الغد لا يكون كذبًا.
وقال ابن عباس: لما خرق الخضر السفينة؛ تنحى موسى بناحية ثم قال في نفسه: ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل كنت أتلو في بني إسرائيل كتاب الله غدوة وعشية وآمرهم فيطيعون، فقال له الخضر: يا موسى تريد أن أخبرك بما حدَّثت به نفسك، قال: نعم، قال: قلت: كذا وكذا، قال: صدقت، زاد في رواية أبي ذر: (ولا ترهقني من أمري عسرًا)؛ أي: ولا تغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإن ذلك يعسر علي متابعتك، (فكانت) المسألة، (الأولى من موسى) ﵇، (نسيانًا)؛ بالنصب خبر كان.
وقال ابن عباس: إنَّما سمي الإنسان إنسانًا؛ لأنَّه عهد إليه فنسي، وفي رواية: (نسيانُ)؛ بالرفع على أن (كانت): تامة، و(الأولى): مبتدأ، و(نسيان): خبره، أو يكون (كانت): زائدة والتقدير: فالأولى من موسى نسيان، (فانطلقا)؛ أي: موسى والخضر بعد خروجهما من السفينة.
(فإذا): للمفاجئة، (غلام)؛ بالرفع
مبتدأ، وقد تخصَّص بالصفة وهي قوله، (يلعب مع الغلمان) والخبر محذوف تقديره: فإذا غلام يلعب مع الغلمان بالحضرة أو نحوها، وكانوا عشرة وهو أظرفهم وأوضأهم، قال ابن عباس: كان الغلام لم يبلغ الحنث، وقال الضحاك: كان غلامًا يعمل بالفساد ويتأذَّى منه أبواه، وقال الكلبي: كان الغلام يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح؛ لجأ إلى أبويه فيحلفان دونه شفقة عليه، ويقولان: لقد بات عندنا، واختلف في اسمه: فقال الضحاك: جيسون، وقال شعبة: جيسور، وقال وهب: كان اسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمى. (فأخذ الخضر برأسه من أعلاه)؛ أي: مسك الخضر رأس الغلام فجرِّه، (فاقتلع رأسه بيده) وعند المؤلف في (بدء الخلق): (فأخذ الخضر برأسه، فقطعه بيده هكذا) أومأ سفيان بأطراف أصابعه (كأنه يقطف شيئًا)، وفي «التفسير»: ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا مع الغلمان؛ فاقتلع رأسه فقتله، وجاء فوجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين. وقال الكلبي: صرعه ثم نزع رأسه من جسده فقتله، وقيل: رفعه برجله فقتله، وقيل: ضرب رأسه بالجدار حتى قتله، وقيل: أدخل أصبعه في سرته فاقتلعها فمات، والفاء في (فاقتلع) للدلالة على أنه لما رآه اقتلع رأسه من غير تروٍّ واستكشاف حال. (فقال موسى) للخضر ﵉، (أقتلت نفسًا زكيَّة)؛ بتشديد التحتية؛ أي: طاهرة من الذنوب، وهي أبلغ من زاكيَة بالتخفيف، وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قطٌّ، والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولهذا اختار قراءة التخفيف، فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، والهمزة في (أقتلت) ليست للاستفهام الحقيقي، فهي كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: ٦]. وكانت قصة الغلام في أُبُلَّة؛ بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء، مدينة بالقرب من البصرة وعبادان، وقيل: بأَيْلا؛ بفتح الهمزة وسكون التحتية واللام الممدودة، مدينة على ساحل بحر القلزم على طريق الحاج المصري، وزعم قوم: أن الغلام كان بالغًا يعمل الفساد واحتجوا بقوله: (بغير نفس) الباء للمقابلة، والقصاص إنَّما يكون في حق البالغ ولم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسًا فتقاد به، نبه على أن القتل إنَّما يباح حدًّا أو قصاصًا وكلا الأمرين منتفٍ. وأجاب الجمهور: بأنا لا نعلم كيف كان شرعهم، ولعله كان يجب على الصبي كما يجب في شرعنا عليه غرامة المتلفات، أو المراد به: التنبيه على أنه قتل بغير حق. (قال) الخضر لموسى ﵉ (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا)؛ بزيادة (لك) في هذه المرة زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) سفيان (بن عُيينة)؛ بضم العين، (وهذا)؛ أي: زيادة (لك)، (أوكد)، واستدل عليه بزيادة (لك) في هذه المرة، كذا في «الكشاف»، ولما سمع الخضر مقالة موسى؛ اقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، فإذا في عظم كتفه؛ مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أبدًا، وفي «مسلم»: (وأما الغلام؛ فطبع يوم طبع كافرًا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك؛ أرهقهما طغيانًا وكفرًا)، قال المؤلف: (وكان ابن عباس يقرأ: وكان أبواه مؤمنين وهو كان كافرًا)، وعنه: (أنه قرأ: وأما الغلام؛ فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين)، كذا في «عمدة القاري». (فانطلقا): موسى والخضر (حتى أتيا)، وفي رواية: (حتى إذا أتيا) موافقة للقرآن، (أهل قرية): هي أنطاكية، كما قاله ابن عباس، وقيل: قرية من قرى الروم يقال لها: ناصرة وإليها تنسب النصارى، وقيل: إنها باجروان مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان عندها عين الحياة، قال أبي بن كعب: وكان أهلها لئام وافياها بعد غروب الشمس. (استطعما أهلها)؛ أي: سألاهم الطعام، فإن آخر كسب الجائع الإقدام على المسألة والاستطعام، وهو أمر مباح في كل الشرائع، وربما يجب ذلك عند خوف التلف والضرر الشديد، (فأبوا أن يضيِّفوهما)؛ أي: من أن يضيفوهما، فـ (أن) مصدرية؛ أي: من تضييفهما، و(أبوا)؛ بالموحدة من الإباء وهو الامتناع؛ أي: امتنعوا من استطعامهما، وروي أن أهل القرية لما سمعوا نزول هذه الآية؛ استحيوا وجاؤوا إلى النبي الأعظم ﵇ بحمل من الذهب، وقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء الموحدة تاء مثناة فوقية حتى تصير القراءة هكذا فأتوا أن يضيفوهما؛ أي: إتيان أهل القرية إليهما لأجل الضيافة، وقالوا غرضنا منه أن يدفع عنا هذا اللؤم، فامتنع النبي الأعظم ﵇، وقال: إن تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله وهو يوجب القدح في الآلهية فعلمنا به أن تغيير النقطة الواحدة يوجب بطلان (^١) الربوبية، كذا في «حواشي شيخ زاده»، ولم يجدوا تلك الليلة في تلك القرية قرى ولا مأوى وكانت ليلة باردة. (فوجدا فيها)؛ أي: في القرية، (جِدارًا)؛ بكسر الجيم، وكانا قد التجأا (^٢) إليه في تلك الليلة وهو على شاطئ الطريق، قيل: كان سمكه مئتي ذراع بذراع تلك القرية، وطوله على وجه الأرض خمس مئة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا. (يريد أن): مصدرية، (ينقض)؛ أي: يريد الانقضاض؛ أي: الإسراع بالسقوط، وإسناد الإرادة إلى الجدار مجاز؛ لأنَّه لا إرادة له حقيقة، والمراد هنا المشارفة على السقوط، وقال الكسائي: إرادة الجدار هنا ميله، وعند المؤلف: (مائل وكان أهل القرية يمرون تحته على خوف)، (قال الخضر بيده)؛ أي: أشار بها، وفي رواية: (فمسحه بيده)، (فأقامه) كالطين يمسحه القلال فاستوى، وعن ابن عباس: أنه هدمه ثم بناه، وقيل: أقامه بعود عمده به، وفيه إطلاق القول على الفعل، وفي رواية: (يريد أن ينقضَّ فأقامه). (قال موسى)، وفي رواية: (فقال له موسى)؛ أي: للخضر (لو شئت لاتَّخَذت)؛ بهمزة وصل، وتشديد الفوقية، وفتح الخاء، على وزن: (افتعلت) من تخذ؛ كاتبع وليس من الأخذ عند البصريين، وفي رواية: (لتخذت)؛ أي: لاتخذت، (عليه أجرًا): فيكون لنا قوتًا وبلغة على سفرنا إذ استضفناهم؛ فلم يضيفونا، فكأنه لما رأى الحرمان، ومساس الحاجة، واشتغاله بما لا يعنيه؛ لم يتمالك نفسه، (قال) الخضر لموسى: (هذا فراق بيني وبينك): بإضافة الـ (فراق) إلى الـ (بين) إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، والإشارة في قوله: (هذا) إلى الفراق الموعود بقوله: (فلا تصاحبني)، أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث؛ أي: هذا الاعتراض سبب للفراق أو إلى الوقت؛ أي: هذا الوقت وقت الفراق، أفاده في «عمدة القاري». (قال النبي) الأعظم ﷺ: يرحم الله موسى) إخبار، ولكن المراد منه الإنشاء لأنَّه دعاء له بالرحمة، (لودِدْنا)؛ بكسر الدال الأولى وسكون الثانية، واللام فيه جواب قسم محذوف وكلمة (لو) هنا؛ بمعنى: أن الناصبة للفعل؛ كقوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩]، والتقدير: والله، (لو صبر)؛ أي: صبر موسى؛ أي: لأنَّه لو صبر؛ لأبصر أعجب الأعاجيب، (حتى يقصُّ) على صيغة المجهول، (علينا من أمرهما): مفعول ما لم يسمى فاعله. وهذه القصة كانت حين كان موسى في التيه، فلما فارقه الخضر؛ رفع إلى قومه وهم في التيه وقيل: كانت قبل خروجه من مصر، وما فعله الخضر كله كان بوحي يدل عليه قوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢]؛ لأنَّ هذه الأفعال لا يجوز لأحد أن يفعلها إلا بالوحي. وفي الحديث: إثبات كرامات الأولياء، وصحة الولاية، وجواز الإجارة، وركوب البحر والتزود للسفر، وهو لا ينافي التوكل خلافًا لمن نفاه، والحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه. وفيه: إذا تعارضت مفسدتان؛ يجوز دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما. وفي شهر ذي القعدة سنة ست وسبعين ومئتين وألف، وقع القتال بين الطائفة الدروز وبين النصارى التي في قرية زحلة، وقرى البقاع، وجبل بيروت فانتصرت الدروز عليهم وصار الواحد منهم يقاوم المئة من النصارى، وخشي الوالي الذي (^٣) بدمشق أحمد _________ (^١) في الأصل: (بصلان). (^٢) في الأصل: (التجأ). (^٣) في الأصل: (التي).
مبتدأ، وقد تخصَّص بالصفة وهي قوله، (يلعب مع الغلمان) والخبر محذوف تقديره: فإذا غلام يلعب مع الغلمان بالحضرة أو نحوها، وكانوا عشرة وهو أظرفهم وأوضأهم، قال ابن عباس: كان الغلام لم يبلغ الحنث، وقال الضحاك: كان غلامًا يعمل بالفساد ويتأذَّى منه أبواه، وقال الكلبي: كان الغلام يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح؛ لجأ إلى أبويه فيحلفان دونه شفقة عليه، ويقولان: لقد بات عندنا، واختلف في اسمه: فقال الضحاك: جيسون، وقال شعبة: جيسور، وقال وهب: كان اسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمى. (فأخذ الخضر برأسه من أعلاه)؛ أي: مسك الخضر رأس الغلام فجرِّه، (فاقتلع رأسه بيده) وعند المؤلف في (بدء الخلق): (فأخذ الخضر برأسه، فقطعه بيده هكذا) أومأ سفيان بأطراف أصابعه (كأنه يقطف شيئًا)، وفي «التفسير»: ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا مع الغلمان؛ فاقتلع رأسه فقتله، وجاء فوجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين. وقال الكلبي: صرعه ثم نزع رأسه من جسده فقتله، وقيل: رفعه برجله فقتله، وقيل: ضرب رأسه بالجدار حتى قتله، وقيل: أدخل أصبعه في سرته فاقتلعها فمات، والفاء في (فاقتلع) للدلالة على أنه لما رآه اقتلع رأسه من غير تروٍّ واستكشاف حال. (فقال موسى) للخضر ﵉، (أقتلت نفسًا زكيَّة)؛ بتشديد التحتية؛ أي: طاهرة من الذنوب، وهي أبلغ من زاكيَة بالتخفيف، وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قطٌّ، والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولهذا اختار قراءة التخفيف، فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، والهمزة في (أقتلت) ليست للاستفهام الحقيقي، فهي كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: ٦]. وكانت قصة الغلام في أُبُلَّة؛ بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء، مدينة بالقرب من البصرة وعبادان، وقيل: بأَيْلا؛ بفتح الهمزة وسكون التحتية واللام الممدودة، مدينة على ساحل بحر القلزم على طريق الحاج المصري، وزعم قوم: أن الغلام كان بالغًا يعمل الفساد واحتجوا بقوله: (بغير نفس) الباء للمقابلة، والقصاص إنَّما يكون في حق البالغ ولم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسًا فتقاد به، نبه على أن القتل إنَّما يباح حدًّا أو قصاصًا وكلا الأمرين منتفٍ. وأجاب الجمهور: بأنا لا نعلم كيف كان شرعهم، ولعله كان يجب على الصبي كما يجب في شرعنا عليه غرامة المتلفات، أو المراد به: التنبيه على أنه قتل بغير حق. (قال) الخضر لموسى ﵉ (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا)؛ بزيادة (لك) في هذه المرة زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) سفيان (بن عُيينة)؛ بضم العين، (وهذا)؛ أي: زيادة (لك)، (أوكد)، واستدل عليه بزيادة (لك) في هذه المرة، كذا في «الكشاف»، ولما سمع الخضر مقالة موسى؛ اقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، فإذا في عظم كتفه؛ مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أبدًا، وفي «مسلم»: (وأما الغلام؛ فطبع يوم طبع كافرًا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك؛ أرهقهما طغيانًا وكفرًا)، قال المؤلف: (وكان ابن عباس يقرأ: وكان أبواه مؤمنين وهو كان كافرًا)، وعنه: (أنه قرأ: وأما الغلام؛ فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين)، كذا في «عمدة القاري». (فانطلقا): موسى والخضر (حتى أتيا)، وفي رواية: (حتى إذا أتيا) موافقة للقرآن، (أهل قرية): هي أنطاكية، كما قاله ابن عباس، وقيل: قرية من قرى الروم يقال لها: ناصرة وإليها تنسب النصارى، وقيل: إنها باجروان مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان عندها عين الحياة، قال أبي بن كعب: وكان أهلها لئام وافياها بعد غروب الشمس. (استطعما أهلها)؛ أي: سألاهم الطعام، فإن آخر كسب الجائع الإقدام على المسألة والاستطعام، وهو أمر مباح في كل الشرائع، وربما يجب ذلك عند خوف التلف والضرر الشديد، (فأبوا أن يضيِّفوهما)؛ أي: من أن يضيفوهما، فـ (أن) مصدرية؛ أي: من تضييفهما، و(أبوا)؛ بالموحدة من الإباء وهو الامتناع؛ أي: امتنعوا من استطعامهما، وروي أن أهل القرية لما سمعوا نزول هذه الآية؛ استحيوا وجاؤوا إلى النبي الأعظم ﵇ بحمل من الذهب، وقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء الموحدة تاء مثناة فوقية حتى تصير القراءة هكذا فأتوا أن يضيفوهما؛ أي: إتيان أهل القرية إليهما لأجل الضيافة، وقالوا غرضنا منه أن يدفع عنا هذا اللؤم، فامتنع النبي الأعظم ﵇، وقال: إن تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله وهو يوجب القدح في الآلهية فعلمنا به أن تغيير النقطة الواحدة يوجب بطلان (^١) الربوبية، كذا في «حواشي شيخ زاده»، ولم يجدوا تلك الليلة في تلك القرية قرى ولا مأوى وكانت ليلة باردة. (فوجدا فيها)؛ أي: في القرية، (جِدارًا)؛ بكسر الجيم، وكانا قد التجأا (^٢) إليه في تلك الليلة وهو على شاطئ الطريق، قيل: كان سمكه مئتي ذراع بذراع تلك القرية، وطوله على وجه الأرض خمس مئة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا. (يريد أن): مصدرية، (ينقض)؛ أي: يريد الانقضاض؛ أي: الإسراع بالسقوط، وإسناد الإرادة إلى الجدار مجاز؛ لأنَّه لا إرادة له حقيقة، والمراد هنا المشارفة على السقوط، وقال الكسائي: إرادة الجدار هنا ميله، وعند المؤلف: (مائل وكان أهل القرية يمرون تحته على خوف)، (قال الخضر بيده)؛ أي: أشار بها، وفي رواية: (فمسحه بيده)، (فأقامه) كالطين يمسحه القلال فاستوى، وعن ابن عباس: أنه هدمه ثم بناه، وقيل: أقامه بعود عمده به، وفيه إطلاق القول على الفعل، وفي رواية: (يريد أن ينقضَّ فأقامه). (قال موسى)، وفي رواية: (فقال له موسى)؛ أي: للخضر (لو شئت لاتَّخَذت)؛ بهمزة وصل، وتشديد الفوقية، وفتح الخاء، على وزن: (افتعلت) من تخذ؛ كاتبع وليس من الأخذ عند البصريين، وفي رواية: (لتخذت)؛ أي: لاتخذت، (عليه أجرًا): فيكون لنا قوتًا وبلغة على سفرنا إذ استضفناهم؛ فلم يضيفونا، فكأنه لما رأى الحرمان، ومساس الحاجة، واشتغاله بما لا يعنيه؛ لم يتمالك نفسه، (قال) الخضر لموسى: (هذا فراق بيني وبينك): بإضافة الـ (فراق) إلى الـ (بين) إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، والإشارة في قوله: (هذا) إلى الفراق الموعود بقوله: (فلا تصاحبني)، أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث؛ أي: هذا الاعتراض سبب للفراق أو إلى الوقت؛ أي: هذا الوقت وقت الفراق، أفاده في «عمدة القاري». (قال النبي) الأعظم ﷺ: يرحم الله موسى) إخبار، ولكن المراد منه الإنشاء لأنَّه دعاء له بالرحمة، (لودِدْنا)؛ بكسر الدال الأولى وسكون الثانية، واللام فيه جواب قسم محذوف وكلمة (لو) هنا؛ بمعنى: أن الناصبة للفعل؛ كقوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩]، والتقدير: والله، (لو صبر)؛ أي: صبر موسى؛ أي: لأنَّه لو صبر؛ لأبصر أعجب الأعاجيب، (حتى يقصُّ) على صيغة المجهول، (علينا من أمرهما): مفعول ما لم يسمى فاعله. وهذه القصة كانت حين كان موسى في التيه، فلما فارقه الخضر؛ رفع إلى قومه وهم في التيه وقيل: كانت قبل خروجه من مصر، وما فعله الخضر كله كان بوحي يدل عليه قوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢]؛ لأنَّ هذه الأفعال لا يجوز لأحد أن يفعلها إلا بالوحي. وفي الحديث: إثبات كرامات الأولياء، وصحة الولاية، وجواز الإجارة، وركوب البحر والتزود للسفر، وهو لا ينافي التوكل خلافًا لمن نفاه، والحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه. وفيه: إذا تعارضت مفسدتان؛ يجوز دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما. وفي شهر ذي القعدة سنة ست وسبعين ومئتين وألف، وقع القتال بين الطائفة الدروز وبين النصارى التي في قرية زحلة، وقرى البقاع، وجبل بيروت فانتصرت الدروز عليهم وصار الواحد منهم يقاوم المئة من النصارى، وخشي الوالي الذي (^٣) بدمشق أحمد _________ (^١) في الأصل: (بصلان). (^٢) في الأصل: (التجأ). (^٣) في الأصل: (التي).
1 / 40