وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشية أن تصدعا
وفيما العربة سائرة بها وبخيت أمامها، لحظت من النافذة فارسا يحاذي مركبتها بمسيره، فأشارت إلى بخيت أن يأمر السائق بسرعة المسير، غير أن الإسراع لم يخجل ذلك الطفيلي، فما زال سائرا على محاذاة المركبة أسرعت أم أبطأت، فاغتاظت فدوى وقالت لبخيت: ما بال هذا لا يبرح محاذيا عربتنا؟ فأمر بخيت السائق أن يوقف العربة، فلما وقفت داوم الفارس مسيره بضع خطوات، ثم لوى شكيمة جواده وعاد الهويناء حتى حاذى المركبة أو كاد. وهيئة هذا الفارس تبين أنه من رجال الجهادية، عليه لباس الضباط بالطربوش العزيزي، والشرائط القصبية، وقد أمال طربوشه على جبينه حتى يظهر شعره المصقول، فحاول النظر إلى فدوى، فأنزلت ستارة النافذة وانزوت داخل العربة.
فلما رأى بخيت تماديه وشراسته، نظر إليه بشطر عينه وقد عرفه قائلا: ما غرضك يا أفندي؟
قال عزيز: لا غرض لي، ولكني أحيي حضرة السيدة.
قال بخيت: لم تجر العادة عندنا على مثل هذا.
قال: لطفها جرأني.
فرمقه بخيت باحتقار قائلا: الأليق بك أن تمر بطريقك وتحفظ شرف الحلة التي أنت لابسها.
فقال عزيز: اعلم أنك تخاطب ضابطا جهاديا (وأراد أن تسمعه فدوى ظنا منه أنها إذا علمت مكانته ترفع الستارة وتنظر إليه).
Page inconnue