إحياء الأمل
فلما خلت فدوى بنفسها أطلقت العنان لبكائها، وأخذت تخاطب نفسها قائلة: أواه من الدهر الخئون الذي أبقى لهذا النذل أرجلا يسعى بها إلينا، وبعث ذاك الملاك إلى أقاصي البلاد حيث لا نعلم له مقرا، فهل يا ترى ألتقي به بعد هذه المشاق؟ وهل تراه عيني؟ آه آه! ثم آه! وأخذت تلطم وتبكي حتى كاد يغمى عليها، ثم عادت إلى مناجاة نفسها قائلة: إني وحبك لا أزال على حبك حيا كنت أو ميتا؛ فإنك عندي بجميع أحياء هذا العالم، فكيف بمثل هذا الخائن النذل؟! أين عينك تراه وتبصر ما يفعل؟ تبا لك يا خائن، يا غادر! وأما أنت يا أبتاه، فما الذي هاج غضبك على ابنتك ووحيدتك التي كنت تقسم بحياتها، ولا ترضى الحياة إلا من أجلها، أتريد مني أن أبدل ذلك الملاك بهذا الشيطان، أم تريد أن أسلو ذاك الشهم؛ رب المروءة والنخوة، رب المحبة والوداد، وأتمسك بهذا النذل الكاذب الخادع المنافق. إن الحياة بعد ذلك لم تعد تحلو لي ... وفيما هي في الكلام سمعت الباب يطرق طرقا خفيفا، فأصاخت، وإذا ببخيت يقول: لا تخافي، يا سيدتي، إني عبدك بخيت. وفتح الباب ودخل وهو يستشيط غيظا ، فأمسك بيدها وأجلسها، وأخذ يخفف عنها، فانتهرته قائلة: دعني وشأني يا بخيت، فلم يعد لي مطمع بالحياة بعد أن صارت الكلاب تدخل عرين الأسود، فهل مات ذلك الأسد؟ من لي بمن ينبئني بمقامه حيا أو ميتا فأفديه بروحي، وعند ذلك إما أن أحيي أملي، أو أصرم أجلي وأتخلص من العار.
فأسكتها بخيت بلطف قائلا: طيبي نفسا يا سيدتي؛ لعل وقت الفرج قد دنا، وقد قيل:
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
فالتفتت إليه مصغية وقد سكتت بغتة وقالت له: هل عندك خبر جديد؟ أخبرني.
قال: إن عندي خبرا جديدا أخبرك به متى سكن روعك وأصغيت إلى ما أقول. فمسحت دموعها وقالت ها أنا ذا قد أصغيت، فقل ما عندك.
فقال: اسمعي يا سيدتي، إن هذا الخائن إذا بقي حيا إلى الغد، فلن يبقى إلى ما بعده، ولو ساعدتني الأقدار لسقيته كأس المنون أمس، ولكن أبشري سوف أذيقه تلك الكأس عاجلا أو آجلا. آه من الأنذال، وأما المسألة الثانية، وهي الأهم، فقد عرفت شيئا جديدا عنها مما يختص بالدبوس.
فقالت مسرعة: قل حالا ماذا عرفت.
قال: قد عرفت أنه دبوس سيدي.
Page inconnue