Les plus célèbres discours et les orateurs les plus célèbres
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
Genres
إني بفؤاد ملؤه الفرح والسرور أقف الليلة أمامكم متكلما عن شئون الوطن المحبوب ومصالحه، وإني لأقابل انعطافكم نحو أضعف خدمة البلاد بمزيد الحمد والشكران، وأستميحكم العفو إذا قصرت في أداء هذا الواجب، فإني إنما أسر بهذا الانعطاف وبهذه المظاهرات، لا لأنها موجهة لشخصي الضعيف؛ بل لأنها أكبر دليل علني على حياة الشعب المصري، وأقوى حجة تكذب دعوى القائلين بأن مصر وطن لا وجود للوطنية فيه، وأن أبناء وادي النيل يقدمون بأنفسهم إلى ألد أعدائهم وطنهم وأقدس ميراث لآبائهم وأجدادهم.
أجل، أيها السادة، إنكم باجتماعكم اليوم هذا الاجتماع الوطني ترفعون كثيرا من مقام الوطنية المصرية وتخففون من آلام مصر العزيزة التي قاست وتقاسي أشد العذاب على مشهد منكم يا أعز بنيها ويا نخبة أنجابها، فكل اجتماع وطني تذكر فيه مصر ويطالب بحقوقها ويعلن أبناؤها إخلاصهم لها هو في الحقيقة مرهم لجراحها ودواء لدائها، فاذكروها ما استطعتم، فإن في ذكراها ذكرى آلامها، وذكرى الآلام يجر حتما إلى ذكر عوامل الشفاء. اذكروها كما يذكر الولد الحنون أمه الشفيقة وهي على سرير المرض والعناء، اذكروها بآلامها وإن كان غيركم يذكر بلاده بمجدها ورفعة شأنها. اذكروها فإنكم ما دمتم مقدرين لمصائبها عارفين بحقيقة آلامها دام الأمل وطيدا في سلامتها ودام الرجاء. اذكروها فمن المستحيل أن يرى العاقل النار في داره والداء في شخص أمه ويهمل النار ويهمل الداء. ومن المستحيل كذلك أن يكون الوطن في خطر ونحن نيام، وأن يعمل الأجنبي لامتلاك بلادنا وسلب حياتنا بل لاستعبادنا واسترقاقنا ونحن جامدون لا عمل ولا حراك.
ألقوا أيها السادة بأنظاركم قليلا إلى الأمم الحرة تجدوا كل فرد فيها يدافع عن وطنه ويذود عن حوض بلاده أكثر من دفاعه عن أبيه وأمه، بل هو يرضاهما ضحية للوطن ويرضى نفسه قبلهما قربانا يقدمها لإعلاء شأن بلاده، ويعد الموت لأجل الوطن حياة دونها الحياة البشرية ووجودا دونه كل وجود. فلم لا يكون المصري على هذا الطراز ووطنه أجمل الأوطان وأحقها بمثل هذه المحبة الشريفة الطاهرة؟
اسألوا التاريخ أيها السادة ما واجب أمة دخل الإنجليز ديارها خدعة وعملوا لامتلاكها وسلبها كل سلطة وكل قوة، يجبكم التاريخ إن واجب أمة هذا شأنها أن تعمل بكل ما في استطاعتها ضد مغتصبها وأن تبذل في سبيل خلاص وطنها كل ما تمتلك من مال ورجال.
أجل، كل احتلال أجنبي هو عار على الوطن وبنيه، والعار واجب أن يزول. ولست أقصد بهذا الكلام أن أسألكم باسم الوطن إعلان ثورة دموية ضد محتل البلاد، كلا ثم كلا، إن أقل الناس إدراكا لمصلحة مصر يعلم علم اليقين أنها منافية لكل ثورة وكل هيجان، وإنما أسألكم أن تعملوا بكل الوسائل السلمية على استرداد الحقوق المسلوبة منكم وأن تعملوا لأن تحكم البلاد بأبناء البلاد. نعم إني أعلم أن الاحتلال قوي السلطة عظيم الرهبة شديد العقاب، وأن العمل ضده موجب للعذاب مسبب للفقر والفاقة، ولكن في الرضا بالاحتلال الخيانة والعار، وفي العمل ضد الاحتلال الشرف والفخار.
فيا ذوي النفوس الأبية ويا ذوي الضمائر الحية، اطلبوا الشرف ولو مع الفقر، اخدموا الوطن ولو أسقطت على رءوسكم الصواعق، كونوا مع مصر إن سعيدة فسعداء وإن تعيسة فتعساء، قولوا لعدوها في وجهه: أنت عدو لنا، ولصديقها: أنت صديق لنا، لا تحبوا من يرميها بنبال الموت بل امنعوه عنها إن قدرتم، ثم ردوها في صدر راميها إن استطعتم، وإن لم تستطيعوا فكونوا معها لا مع المعتدين.
وإن لمصر غير المحتلين أعداء آخرين هم آلات الاحتلال، آلات الفساد، فإن ذكرتم الأعداء فاذكروا الخونة فهم ألد الأعداء، وأي الأعداء هم، أولئك الذين أنكروا الوطن والوطنية، وائتمنوا على مصالح الأمة فعرضوا بها للدمار، أولئك الذين أبرتهم مصر فقابلوا برها بالسوء وصاروا اليوم في أيدي المحتلين ضد الوطن العزيز، آلات الدمار، آلات الخراب، أولئك الذين كلما صعدوا درجا من درجات المناصب نزلت نفوسهم دركا وفقدوا نصيبا من الشرف وسمو الإحساس، أولئك الذين يبيعون الوطن على مشهد من الأمم ويسيرون بين الناس حاملين لواء الخيانة والعار، أولئك الذين إذا مد إليهم الوطن يد الاستغاثة مدوا إليه سيوفا ليقطعوا بها يده الشريفة.
هؤلاء هم الخونة وهم أشد الأعداء ضررا، ويعلم الله أن الدم الذي يجري في عروقهم هو دم فاسد ليس بالدم المصري الصادق، وإنهم مهما ذاقوا من لذة الحياة الظاهرية فسينالهم العقاب أقسى العقاب ولو من أنفسهم متى حاسبوا ضمائرهم. نعم سيعاقب الخائنون على خيانتهم، فكم رأينا في التاريخ رجالا خانوا أوطانهم وساعدوا الأعداء على امتلاك بلادهم، فعوقبوا على خيانتهم لا من أبناء وطنهم فقط بل من نفس الأعداء الذين خدموهم وساعدوهم، هذه سنة الله في خلقه، يقتل القاتل عقابا على عمله، فكيف بمن يعتدي على أمة بأسرها بالخيانة ويعتدي عليها بالسلاح الذي سلمته إياه ليدافع به عنها؟
نعم، سيعاقب الخائنون وسيحمل أبناؤهم من بعدهم علم الخيانة على رءوسهم وسيبقون في التاريخ مثلا كبيرا للأبناء والأعقاب.
وإن ذكرتم الأعداء فاذكروا المنافقين، فهم خونة تفننوا في أساليب الخيانة يظهرون أمامكم بمظهر المخلصين وهم يدبرون مع الأعداء المكايد والدسائس، فهم ذوو وجهين وذوو لسانين فحاذروهم وأعلنوا أمرهم ليخيب مسعاهم وتحبط أعمالهم.
Page inconnue