Les plus célèbres discours et les orateurs les plus célèbres
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
Genres
قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: «... ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه، وداخل ملوك الروم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة، فبعثوا إليه منها ما حضرهم، فاستجاد لها مهرة التراجمة وكلفهم أحكام ترجمتها، فترجمت له على غاية ما أمكن. ثم حرض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها، فكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكرتهم، علما منه أن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده.»
بويع له بالخلافة في سنة 198ه وتوفي في بعض غزواته 218ه (813-833م).
وهذه إحدى خطبه ألقاها في الفطر: ... ألا وإن يومكم هذا يوم عيد وسنة وابتهال ورغبة، يوم ختم به الله صيام شهر رمضان وافتتح به حج بيته الحرام، فجعله أول أيام شهور الحج وجعله معقبا لمفروض صيامكم ومتقبل قيامكم. فاطلبوا إلى الله حوائجكم واستغفروه لتفريطكم، فإنه يقال: لا كثير مع ندم واستغفار، ولا قليل مع تماد وإصرار ... اتقوا الله عباد الله وبادروا الأمر الذي لم يحضر الشك فيه أحدا منكم، وهو الموت المكتوب عليكم، فإنه لا يستقال بعده عثرة ولا تحظر قبله توبة. واعلموا أنه لا شيء بعده إلا فوقه ولا يعين على جرعه وعكره وكربه وعلى القبر وظلمته ووحشته وضيقه وهول مطلعه ومسألة ملكيه إلا العمل الصالح الذي أمر الله به. فمن زلت عند الموت قدمه فقد ظهرت ندامته، وفاتته استقامته، ودعا من الرجعة ما لا يجاب إليه وبذل من الفدية ما لا يقبل منه. فالله الله عباد الله! كونوا قوما سألوا الرجعة فأعطوها إذ منعها الذين طلبوها، فإنه ليس يتمنى المتقدمون قبلكم إلا هذا الأجل المبسوط لكم. فاحذروا ما حذركم الله منه، واتقوا اليوم الذي يجمعكم الله فيه، لوضع موازينكم ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم، فلينظر عبد ما يضع في ميزانه مما يثقل به ومما يملى في صحيفته الحافظة لما عليه ... ولست أنهاكم عن الدنيا بأكثر مما نهتكم به الدنيا عن نفسها، فإن كل ما بها يحذر منها وينهى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها . وأعظم ما رأته أعينكم من فجائعها وزوالها ذم الله لها والنهي عنها، فإنه يقول تبارك وتعالى: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، وقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلموا أن قوما من عباد الله أدركتهم عصمة الله، فحذروا مصارعها وجانبوا خدائعها، وآثروا طاعة الله فيها وأدركوا الجنة بما يتركون منها. (20) خطبة فخر الدين بن لقمان
لما بويع بالخلافة للمستنصر بالله الخليفة العباسي المولود سنة 588 والمتوفى سنة 640ه (1193-1242م) صعد فخر الدين بن لقمان رئيس الكتاب منبرا فقرأ على الملك الظاهر تقليده السلطاني، وكان هذا التقليد من إنشائه.
ومن هذا التقليد يرى القارئ أن الخلافة صارت وظيفة دينية، فكان الظاهر يمثل الحكومة والمستنصر يمثل الخلافة. وإذا كان الظاهر قد حصل على سند شرعي لحكومته من المستنصر فإن هذا أيضا قد حصل على القوة التي يدعم بها خلافته من الظاهر. وقد كانت الخلافة العباسية أوشكت على الزوال فأحياها الظاهر واستقدم الخليفة إليه في مصر. ويكاد الإنسان يلمح ارتباكا من الخطيب في تمييزه بينهما ومعرفة التابع والمتبوع منهما. وفخر الدين هذا هو الذي اعتقل في بيته في المنصورة ملك الفرنسيين لويس التاسع، قال ابن لقمان:
الحمد لله الذي أضفى على الإسلام ملابس الشرف، وأظهر بهجة دره وكانت خافية بما استحكم عليها من الصدف، وشيد ما وهى من علائه حتى أنسى به ذكر من سلف، وقيض لنصره ملوكا اتفق عليهم من اختلف. أحمده على نعمه التي وقعت الأعين منها في الروض الأنف، وألطافه التي وقف الشاكر عليها فليس له عنها منصرف.
وبعد، فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا لتسطير مناقبه وبره، من سعى فأضحى سعيه للحمد متقدما، ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد في المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغى، إلا أضرم منه نارا وأجرى دما. ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني شرفه الله وأعلاه، ذكره الديوان العزيز المستنصري - أعز الله سلطانه - تنويها بشريف قدره، واعترافا بصنيعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره. وكيف لا وقد أقام الدولة العباسية بعد أن أقعدتها زمانة الزمان. وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان، وعتب دهرها المسيء لها فأعتب، وأرضى عنها زمنها وقد كان صال عليها صولة مغضب، فأعاد لها سلما بعد أن كان عليها حربا، وصرف إليها اهتمامه فرجع كل متضايق من أمورها واسعا رحبا. ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوا وعطفا، وأظهر من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الاهتمام بأمر الشريعة والبيعة أمرا لو رامه غيره لامتنع عليه، ولو تمسك بحبله متمسك لانقطع به قبل وصوله إليه، ولكن الله ادخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه، ويخفف بها يوم القيامة حسابه. والسعيد من خفف من حسابه. فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها في صحيفة صنعه، ومكرمة تضمنت لهذا البيت الشريف لجمعه، بعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع، ويعترف أنه لولا اهتمامك لاتسع الخرق على الراقع. وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية، والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية، وما يتجدد من الفتوحات غورا ونجدا، وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حتى أصبحت بالمكارم فردا، ولا جعل منها بلدا من البلاد ولا حصنا من الحصون يستثنى، ولا جهة من الجهات تعد في الأعلى ولا في الأدنى. فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لها حاملا، وخلص نفسك من التبعات اليوم ففي غد تكون مسئولا لا سائلا، ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا، وما رآها أحد بعين الحق إلا رآها حائلا زائلا، فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة، وقدم لنفسه زاد التقوى فتقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة. وابسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله بالعدل وحث على الإحسان، وكفر به عن المرء ذنوبا كتبت عليه وآثاما، وجعل يوما واحدا منها كعبادة العابد ستين عاما، وما سلك أحد سبيل العدل إلا واجتنى ثماره من الأفنان، ورجع الأمر بعد تداعي أركانه وهو مشيد الأركان، وتحصن به حوادث زمانه، والسعيد من تحصن من حوادث الزمان، وكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد، وأحلى من العقود إذا حلى بها عاطل الأجياد، وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نواب وحكام، وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك فنقب عليه تنقيبا، واسأل عن أحواله ففي يوم القيامة تكون عنه مسئولا وبما اجترم مطلوبا، ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا، وأمرهم بالأناة في الأمور والرفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق، وألا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعايا إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وأن لا يستحلوا حرماتهم إذا استحل الزمان لهم حرمانا، فالمسلم أخو المسلم ولو كان أميرا عليه وسلطانا. والسعيد من نسج ولاته في الخير على منواله، واستسنوا بسنته في تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله. ومما يؤمر به أن يمحو ما أحدث من سيئ السنن، وجدد من المظالم التي هي من أعظم المحن، وأن يشتري بأبطالها المحامد رخيصة بأغلى ثمن، ومهما جبي بها من الأموال فإنما هي باقية في الذمم حاصلة، وأجياد الخزائن وإن أضحت بها خالية فإنما هي على الحقيقة منها عاطلة. وهل أشقى ممن احتقب إثما، واكتسب بالمساعي الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم له يوم القيامة خصما، وتحمل ظلم الناس في ما صدر عنه من أعماله وقد خاب من حمل ظلما؟! وحقيق بالمقام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني أن تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله، وعزائمه تخفف ثقلا لا طاقة له بحمله، فقد أضحى على الإحسان قائدا ، وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لغيره ممن تقدم من الملوك إن جاء آخرا، فاحمد الله على أن وصل إلى جانبك إمام هدى أوجب لك مزية التعظيم، ونبه الخلائق على ما أفضل الله به من هذا الفضل العظيم، وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى، وأن يوالى عليها حمد الله، فإن الحمد يجب عليها عقلا وشرعا، وقد تبين أنك صرت في الأمور أصلا وصار غيرك فرعا. ومما يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمة فرضا، وهو العمل الذي يرجع به مسود الصحائف مبيضا، وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، وأعد لهم عنده المقام الكريم. وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتذل، وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول، وسيفك أثر في قلوب الكافرين قروحا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع من الخلافة ما كان عليه في الأيام الأول، فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا. وكن في مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا تابعا. هداك الله إلى مناهج الحق وما زلت مهتديا إليها وألزمك المراشد ولا تحتاج إلى تنبيه عليها، والله ممدك بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه، فإن النعمة تستتم بشكره. (21) خطبة ابن الزكي
لما فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس في سنة 583ه (1189م) وكان قد مضى عليها نحو قرن وهي في أيدي الأوروبيين اهتز العالم الإسلامي بأجمعه، ورحل كثير من العلماء وذوي الوجاهة في البلاد الإسلامية لرؤية الاحتفال بفتحها ودخولها في طاعة صلاح الدين.
واختار صلاح الدين لخطبة يوم الجمعة الأول من فتح المدينة القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي فارتقى المنبر وألقى هذه الخطبة التاريخية بين حشد من مسلمي جميع الأقطار العربية (وكانت ولادته في 550 ووفاته في 598ه بدمشق). ونحن ننشر هذه الخطبة على غلو صاحبها في التعصب لكي يدرك القارئ منها ذهنية الناس في ذلك العهد وكيف كانوا يتطاحنون من أجل الدين - والدين لا يدعو إلا إلى التسامح - قال:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره، الذي قدر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة بفضله، وأفاء على عباده من ظله، وأظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع ، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فما يدافع. أحمده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه، ونصره لأنصاره، وتطهير بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رافع الشك ومدحض الشرك وماحق الإفك، الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى ما زاغ البصر وما طغى. صلى الله عليه وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأوثان وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. أيها الناس، أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة، وردها إلى مقرها من الإسلام، بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريبا من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وإماطة الشرك عن طرفه، بعد أن امتد عليها رواقه واستقر فيها رسمه، ورفع قواعده بالتوحيد، فإنه بنى عليه وشيد بنيانه بالتمجيد، فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه، فهو موطن أبيكم إبراهيم، ومعراج نبيكم محمد عليه السلام وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ومدفن الرسل ومهبط الوحي، ومنزل به ينزل الأمر والنهي، وهو في أرض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين، وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله
Page inconnue