قول آخر قاله محمد بن يزيد الثمالي في كتاب المقتضب، قال: التقدير فيما يتلى عليكم مثل الجنة، ثم فيها وفيها ... قال: ومن قال إن معناه صفة الجنة فقد أخطأ؛ لأن مثل لا يوضع في موضع صفة إنما يقال: صفة زيد أنه ظريف وأنه عاقل، ويقال: مثل زيد مثل فلان. إنما المثل مأخوذ من المثال والحذو، والصفة تحلية ونعت. ويقال: تمثل فلان ضرب مثلا، وتمثل بالشيء ضربه مثلا، وفي التنزيل العزيز
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، وذلك أنهم عبدوا من دون الله ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزل به حجة، فأعلم الله الجواب مما جعلوه له مثلا وندا، فقال:
إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ، يقول: كيف تكون هذه الأصنام أندادا وأمثالا لله وهي لا تخلق أضعف شيء مما خلق الله ولو اجتمعوا كلهم له، وإن يسلبهم الذباب الضعيف شيئا لم يخلصوا المسلوب منه، ثم قال:
ضعف الطالب والمطلوب . وقد يكون المثل بمعنى العبرة، ومنه قوله عز وجل:
فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ، فمعنى السلف: أنا جعلناهم متقدمين يتعظ بهم الغابرون. ومعنى قوله: ومثلا؛ أي عبرة يعتبر بها المتأخرون. ويكون المثل بمعنى الآية، قال الله - عز وجل - في صفة عيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام:
وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ؛ أي آية تدل على نبوته. وأما قوله عز وجل:
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ، جاء في التفسير أن كفار قريش خاصمت النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما قيل لهم: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم، قالوا: قد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى والملائكة الذين عبدوا من دون الله، فهذا معنى ضرب المثل بعيسى. ا.ه.
والمراد بضرب المثل هو اعتبار الشيء بغيره وتمثيله به، وهو من ضرب الدراهم، وقد وقع ذلك كثيرا في كتاب الله تعالى وفي كلام النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يؤثر في القلوب أكثر مما يؤثر وصف الشيء في نفسه، ومما وقع منه في كلام النبي
Page inconnue