وما تَدري إذا أجمعْتَ أمرًا ... بأيِّ الأرض يُدركك المقيلُ
وما تَدري إذا أنتجتَ سقبا ... لأيِّ النَّاس ينتقلُ الفصيلُ
وما تدري إذا أنتجتَ شَولًا ... أتلقَح بعد ذلك أم تُحيلُ
أما قوله: " بأي الأرض يُدركك المقيلُ " فأخذه من قول الله ﷿:) وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غدًا وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ (. وأما قوله: " وما تدري إذا أنتجت سقبًا " البيت قريب من قول الحارث ابن حلزة اليشكري:
لا تكسَعِ الشَّولَ بأغبارِها ... إنَّك لا تَدري من الناتِجُ
مالك بن كعب الأوسيّ:
مَعاذَ إلهي أن تقولَ حليلتي ... ألا فرَّ عنِّي مالكُ بنُ أبي كعبِ
أُقاتلُ حتَّى لا أرى لي مُقاتِلًا ... وأنجُو إذا غُمَّ الجبانُ من الكربِ
عليَّ لجاري ما حيِيتُ ذِمامةٌ ... وأعرف ما حقُّ الرَّفيق على الصَّحبِ
ولا أُسمعُ الندمانَ شيئًا يُريبُهُ ... إذا الكأسُ دارت بالمدام على الشَّرْبِ
وكانَ أبي في المحْلِ يُطعمُ ضيفَه ... ويُرْوي نَدَاماه ويصبرُ في الحربِ
ويمنع مولاه ويُدرك تَبْلَه ... وإن كانَ ذاك التّبل في مطلَب صعبِ
وإذْ ما منعتُ المالَ منكم لضِنّةٍ ... فلا يَهْنِني مالي ولا ينمُ لي كسْبي
وله أيضًا:
ولا خيرَ في مولَى يظلّ كأنَّه ... إذا ضِيمَ مولاه أكبَّ على غُنمِ
حريصٍ على ظلم البَريّ مخالف ... عن القصدِ مأمونٍ ضعيفٍ عن الظلمِ
حسود لِذِي القربى كأنَّ ضلوعَه ... من الغِشّ للأدنينَ ضُمَّت على كَلْمِ
قريب إذا عضَّتْ به الحربُ عضة ... وأبعد شيء جانبًا منك في السِّلمِ
فذاك كغثِّ اللَّحمِ ليس بنافع ... ولا بدَّ يومًا أن يُعَدَّ من اللَّحمِ
عمرو بن الإطنابة:
أبَتْ لي عفَّتي وأبَى بلائي ... وأخْذِي الحمدَ بالثمن الرَّبيحِ
وإعطائي على المكروه مالِي ... وإقدامي على البطلِ المُشيحِ
وقولي كلَّما جشَأتْ وجاشتْ ... مكانكِ تُحمَدي أو تَسْتَريحي
لأدفعَ عن مآثِرَ صالحاتٍ ... وأَحمِي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ
أما قوله يخاطب نفسه: " وقولي كلَّما جشَأتْ وجاشتْ " فعليه فيه متعلّق لأنه ذكر نفسه بالجبن، وأنَّها تدعوه إلى الفرار، وأنَّه يقهرها بصبره، وفي الشعر مثل هذا كثير على العيب الَّذي قدمنا ذكره.
وله أيضًا:
ذُلُلٌ ركابي حيث شئتُ مشايعي ... لٌبِّي أَروعُ قطا المكان الغافلِ
أظليم ما يُدريك كم من خُلَّةٍ ... حسنٍ مدامعُها كظبيةِ حابلِ
قد بتُّ مالِكَها وشاربَ قهوةٍ ... دِرياقة أَروَيتُ منها واغِلي
صهباءَ صافيةٍ ترى ما دونها ... قعرَ الإناءِ تُضيءُ وجهَ الناهِلِ
إنِّي من القوم الذين إذا انْتَدَوا ... بَدَأوا بحقِّ اللهِ ثمَّ النائلِ
المانعين من الخنا جاراتِهم ... والحاشدين على طعام النازلِ
والخالطين فقيرَهم بغنيِّهم ... والباذِلين عطاءهم للسائلِ
والضاربين الكبشَ يَبْرُق بَيضُه ... ضربَ المُهَجهَج عن حِياضِ الناهلِ
قد أخذ في هذه الأبيات أشياء وأُخذ منه أشياء، فما أخَذ قوله: " ذلل
1 / 21