Les Similitudes et les Analogies dans les Poèmes des Anciens, des Préislamiques et des Mokhadram
حماسة الخالديين = بالأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهليين والمخضرمين
Chercheur
الدكتور محمد علي دقة
Maison d'édition
وزارة الثقافة
Lieu d'édition
الجمهورية العربية السورية
نظرتُ كأنِّي من وراءِ زجاجةٍ ... إلى الدَّارِ من فرطِ الصَّبابةِ أنظرُ
فعينايَ طورًا تغرقانِ منَ البُكا ... فأغشى وطورًا تحسرانِ فأُبصرُ
فروى النَّاس هذين البيتين وأغفلا بيتي ذي الرُّمَّة وهما الأصل، ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول الآخر:
غلبتْ عينيَ الدُّموعُ فإنْسا ... ني كليلٌ يبدٌو مِرارًا ويخفَى
فكأنِّي أراك من خلف سترٍ ... هزَّتِ الرِّيحُ متنَهُ فتكفَّى
النمر بن تولب:
لا يعلمُ اللامعاتُ اللامحاتُ ضحًى ... ما تحتَ كشحي ولا يعلمنَ أسرارِي
ولا أخونُ ابنَ عمِّي في حليلته ... ولا البعيدَ نوًى عنِّي ولا جارِي
حتَّى يقال إذا وُوريتُ في جدثِي ... لقد مضَى نمرٌ عارٍ من العارِ
مرَّة بن معروف:
لئن قارب الحدَّادُ خَطوى لربَّما ... تناولتُ أطرافَ الهموم الأباعدِ
فإنِّي لأهوَى أنْ أرَى مَن مكانُهُ ... ذُرَى عَقِدات الأبرقِ المتقاودِ
وإنْ أرِد الماءَ الَّذي شربت به ... سُليمَى إذا ملَّ السُّرى كلّ واخِدِ
وأُلصقُ أحشائِي ببرْد تُرابه ... وإنْ كانَ مخلوطًا بسُمّ الأساودِ
ابن الضحَّاك القينيّ:
أقولُ لقمقامِ بنِ زيدٍ ألا ترَى ... إلى البرقِ يبدُو للعيونِ النَّواظرِ
فإنْ تبكِي للبرقِ الَّذي هيَّجَ البُكا ... أُعنكَ وإن تصبرْ فلستُ بصابرِ
بكر بن مصعب
خليليَّ قوما فانْظُرا نحو واسط ... أنارًا به آنستُ توقدُ أمْ برقَا
قعدتُ له ذاتَ العشاء أَشيمُه ... وقد خفقت للنَّوم أعيُنُنا خفقا
فأرَّقَني منها مخايلُ جَمَّة ... تألَّفنَ حتَّى ما ترَى بينَها فَتْقا
إذا انصرفتْ منه لوجهٍ مَخيلةٌ ... سمتْ أختُها حتَّى تكونَ لها رَتْقا
تخال امتصاع البرق رَيْطًا منشَّرا ... إذا لاحَ أو غُرّا محجَّلةً بُلقا
إذا ما محضْتَ الودَّ منك لصاحبٍ ... فعافَ عليك المحضَ فامذُقْ له مذْقا
وكن كامرئٍ جازَى امرأً ببلائه ... وكاذَبَه إذ لم يجدْ عندَه صِدقا
وقال الشَّنفرَى يرثي تأبَّط شرّا يقول فيها:
إنَّ بالشِّعب الَّذي دون سَلْع ... لقتيلًا دمُه ما يُطَلُّ
ووراءَ الثَّأر منِّي ابنُ أختٍ ... مَصِعٌ عُقدتُه ما تحلُّ
مُطرقٌ يرشحُ مَوتاكما أطْ ... رقَ أفعَى ينفُث السّمَّ صلُّ
خبرٌ ما نابَنا مُصْمَئلٌّ ... جلَّ حتَّى دقَّ فيه الأجلُّ
بزَّنِي الدَّهرُ وكانَ غَشوما ... بأبيِّ جارُه ما يذلُّ
شامسٌ في القُرّ حتَّى إذا ما ... ذكتِ الشِّعرَى فبردٌ وطلُّ
يابسُ الجنبينِ من غير بُؤس ... ونَدِي الكفَّين شهمٌ مُدِلُّ
يُورد الصَّعدةَ حتَّى إذا ما ... نَهِلت كانَ لها منه عَلُّ
وفتُوٍّ هجَّروا ثمَّ أسْرَوا ... ليلَهم حتَّى إذا انْجابَ حلُّوا
كلُّ ماضٍ قد تردَّى بماضٍ ... كسَنا البرق إذا ما يُسَلُّ
فاسْقِنيها يا سوادَ بنَ عمرٍو ... إنَّ جسمي بعد خالِي لَخَلُّ
حلَّتِ الخمرُ وكانتْ مُحِلًاّ ... وبلأيٍ ما ألمَّتْ تحلُّ
أمَّا قوله: " مطرق يرشح موتاكم " البيت، فمثل قول المتلمّس:
وأطرقَ إطراقَ الشّجاع ولو يرَى ... مَساغًا لنابَيه الشّجاعُ لصمَّما
وأمَّا قوله: " شامس في القرّ " البيت، فمأخوذ من قول الأعشى:
وتبرد بردَ رِداءِ العَرو ... سِ في الصَّيف رقرقتَ فيه العبيرا
وتسخُن ليلةَ لا يَستَطي ... عُ نُباحًا بها الكلبُ إلاَّ هَريرا
وأخذ هذا المعنى ابن أذينة اللَّيثيّ وزاد فيه، وهو قوله:
سخنة في الشّتاء باردةُ الصَّي ... فِ سراج في اللَّيلة الظَّلماءِ
وأمَّا قوله: " كلّ ماض قد تردَّى " البيت، فأخبرنا الصّوليّ عن الغلابيّ قال: قال لي أبو تمَّام حبيب بن أوس: دخلتُ على الحسن بن رجاء، فقال لي: يا أبا تمام، رأيت فيما يرى النَّائم كأنَّ إنسانًا يقول بيت شعر ما أعرفه وقد حفظته، قلت: أنشدنيه، فأنشدني:
سيكفيك الَّذي أمسيتَ فيه ... سيوفٌ في عواتقها سيوفُ
فقلت: أظنّ أنَّ الأمير يحفظ قول الشَّنفرَى:
كلّ ماضٍ قد تردَّى بماضٍ ... كسَنا البرق إذا ما يُسلُّ
قال: نعم، أنا أروي هذا الشِّعر، فقلت له: هذا البيت مثل ما رأيت، وبيت الشَّنفرَى ولده لفكرك.
وقد زعم قوم من العلماء أن الشّعر الَّذي كتبنا للشنفرى هو لخلف الأحمر، وهذا غلط، ونحن نذكر الخبر في ذلك: أخبرنا الصّوليّ عن أبي العيناء قال: حضرت مجلس العُتبيّ ورجلٌ يقرأ عليه الشعر للشنفرى حتَّى أتى على القصيدة الَّتي أوَّلها:
إنَّ بالشِّعب الَّذي دون سَلْع ... لقتيلًا دمه ما يطلُّ
فقال بعض من كان في المجلس: هذه القصيدة لخلف الأحمر، فضحك العُتبيّ من قوله، فسألناه عن سبب ضحكه، فقال: والله ما قال أبو محرز خلف من هذه القصيدة بيتًا واحدًا، وما هي إلاَّ للشنفرى، وكان لها خبرٌ طريف لم يبقَ مَن يعرفه غيري، قلنا: وما خبرها؟ قال: جلسنا يومًا بالمِربَد ونحن جماعة من أهل الأدب ومعنا خلف الأحمر، فتذاكرنا أشعار العرب، وكان خلف الأحمر أروانا لها وأبصرنا بها، فتذاكرنا منها صدرًا، ثمَّ أفضينا إلى أشعارنا فخضنا فيها ساعةً، فبينا خلفٌ ينشدنا قصيدةً له في رويّ قصيدة الشَّنفرَى هذه وقافيتها يذكر فيها ولد أمير المؤمنين ﵇ وما نالهم وجرى عليهم من الظّلم إذ هجم علينا الأصمعيّ، وكان منحرفًا عن أهل البيت ﵈ وقد أنشد خلف بعض الشعر فلمَّا نظر الأصمعي قطع ما كان ينشد من شعره ودخل في غيره إلاَّ أنَّه على الوزن والقافية ولم يكن فينا أحد عرف هذا الشعر ولا رواه للشنفرى، فتحيَّرنا
1 / 78