الشهادتين مناطا بدار الحكم عليهما فحيث وجدا حكم بمضمونهما بالنسبة إلى الظاهر وأمر الباطن إلى الله تعالى.
ومن هنا يوجد جواب عن الإمام فنقول: استغماضه من حيث المعنى قبول إسلام المكره؛ لكونه حكما بخلاف الظاهر، يوضحه أن الإقدام على قتله من تلفظه بالشهادتين واحتمال أنه صادق فيما أخبر به عن ضميره ارتكاب ما لعله يكون ظلما له، والكف عن القتل أولى من الإقدام عليه.
ويوضح هذا أن الشارع لا مقصد له في إزهاق الأرواح وإنما المقصد الهداية والإرشاد فإن تعذرت بكل سبيل، تعين زهوق الروح طريقا لزوال مفسدة [الكفر] ١ من الوجود، ومع التلفظ بكلمة الحق لم تتعذر الهداية بكل طريق، بل حصل عز الإسلام بانقياد المتلفظ بها ظاهرا، ويرجى مع ذلك أن تكون الهداية حصلت وبتقدير أن تكون حصلت فقد يحصل في المستقبل فمادة الفساد الناشئ عن كلمة الكفر قد زالت بانقياد ظاهر ولم يبق إلا الباطن وهو مشكوك أو مرجو مآلا، إن لم يكن مرجوا حالا، فقد لاح من حيث المعنى وجه قبول الإسلام –والله الحمد- وأنه على وفق الأقيسة ومنهاج لمحاسن الشريعة، لا يدفعه منقول ولا معقول.
فإن قلت -على تقدير ما قاله الإمام من كونه غير معقول المعنى: فما فائدة بحث الإمام عن ذلك.
قلت: خطر لي أنه يحال تخريج إسلام الذمي مكرها عليه ويتوصل منه إلى ترجيح أنه لا يصح؛ وذلك لأنه يقول إذا قلنا بالصحة في الحربي فهي غير معقولة المعنى، فلا يقاس عليها الذمي؛ لأن القياس إنما يكون حيث يعقل معنى.
ويدل لهذا أنه ذكر مسألة الذمي عقبها، فقال: ولو أكره ذمي على الإسلام فأسلم فقد ذكر أصحابنا وجهين في أنَّا هل نحكم بإسلامه، والمصير إلى الحكم بإسلامه بعيد مع إن إكراهه عليه غير شائع، فلئن استمر ما ذكرناه في إكراه الحربي من جهة أنه إكراهٌ بحق فلا ثبات لهذا المسلك والمكره ذمي والإكراه ممنوع. انتهى.
وتقريره أن يقال: صحة إسلام الحربي بالإكراه إما غير معقولة المعنى. فلا يلحق
_________
١ في ب: "الفكر".
1 / 28