Les ressemblances et les analogies

Galal al-Din al-Suyuti d. 911 AH
31

Les ressemblances et les analogies

الأشباه والنظائر

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1403 AH

Lieu d'édition

بيروت

وَأَمَّا الْأَصْل الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط مَعَ نِيَّة الْقَلْب التَّلَفُّظ فِيهِ، فَفِيهِ فُرُوع كَثِيرَة مِنْهَا كُلّ الْعِبَادَات. وَمِنْهَا: إذَا أَحْيَا أَرْضًا بِنِيَّةِ جَعْلهَا مَسْجِدًا، فَإِنَّهَا تَصِير مَسْجِدًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّة، وَلَا يَحْتَاج إلَى لَفْظ. وَمِنْهَا: مَنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّم عَلَى زَيْدٍ، فَسَلَّمَ عَلَى قَوْم هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِالنِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث، بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُل عَلَيْهِ ; فَدَخَلَ عَلَى قَوْم هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ، وَقَصَدَ الدُّخُول عَلَى غَيْره، فَإِنَّهُ يَحْنَث فِي الْأَصَحّ، وَالْفَرْق أَنَّ الدُّخُول فِعْل لَا يَدْخُلهُ الِاسْتِثْنَاء، وَلَا يَنْتَظِم أَنْ يَقُول: دَخَلْت عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى فُلَان، وَيَصِحّ أَنْ يُقَال: سَلَّمْت عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى فُلَان. وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْل صُوَر، بَعْضهَا عَلَى رَأْيٍ ضَعِيف. مِنْهَا: الْإِحْرَام، فَفِي وَجْه أَوْ قَوْل، أَنَّهُ لَا يَنْعَقِد بِمُجَرَّدِ النِّيَّة حَتَّى يُلَبِّيَ، وَفِي آخَر: يُشْتَرَطُ التَّلْبِيَةُ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدُهُ، وَفِي آخَر: أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ، لَا شَرْط لِلِانْعِقَادِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْأَصَحّ أَنَّهَا لَا شَرْط وَلَا وَاجِبَة، فَيَنْعَقِد الْإِحْرَام بِدُونِهَا وَلَا يَلْزَمهُ شَيْء. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى النَّذْر أَوْ الطَّلَاق بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظ، لَمْ يَنْعَقِد النَّذْر وَلَا يَقَع الطَّلَاق. وَمِنْهَا: اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ التَّضْحِيَة أَوْ الْإِهْدَاءِ، لَمْ تَصِرْ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيح حَتَّى يَتَلَفَّظ. وَمِنْهَا: بَاعَ بِأَلْفٍ وَفِي الْبَلَد نُقُود لَا غَالِب فِيهَا، فَقُبِلَ وَنَوَيَا نَوْعًا لَمْ يَصِحّ فِي الْأَصَحّ حَتَّى يُبَيِّنَاهُ لَفْظَا، وَفِي نَظِيره مِنْ الْخُلْع: يَصِحّ فِي الْأَصَحّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَر فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَر فِي الْبَيْع. وَفِي نَظِيره مِنْ النِّكَاح لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَات: زَوَّجْتُك بِنْتِي، وَنَوَيَا وَاحِدَة صَحَّ عَلَى الْأَصَحّ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِق، ثُمَّ قَالَ أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُقْبَل. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَرَدْت إنْ دَخَلْت ; أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَل ظَاهِرًا، قَالَ: وَالْفَرْق بَيْن إنْ شَاءَ اللَّه وَبَيْن سَائِر صُوَر التَّعْلِيق ; أَنَّ التَّعْلِيق بِمَشِيئَةِ اللَّه يَرْفَع حُكْم الطَّلَاق جُمْلَة فَلَا بُدّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظ، وَالتَّعْلِيق بِالدُّخُولِ وَنَحْوه لَا يَرْفَعهُ جُمْلَة، بَلْ يُخَصِّصهُ بِحَالِ دُون حَالَ. وَمِنْهَا: مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَة وَلَمْ يَفْعَلهَا أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظ بِهَا لَا يَأْثَم لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» . وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ أَنَّ الْإِنْسَان إذَا عَزَمَ عَلَى مَعْصِيَة فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهَذَا الْعَزْمِ لِأَنَّهُ إصْرَارٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا مَبْسُوطًا أَحْسَن فِيهِ جِدًّا فَقَالَ: الَّذِي يَقَع فِي النَّفْس مِنْ قَصْد الْمَعْصِيَة عَلَى خَمْس مَرَاتِب: الْأُولَى: الْهَاجِس: وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا، ثُمَّ جَرَيَانه فِيهَا وَهُوَ الْخَاطِر، ثُمَّ حَدِيث النَّفْس: وَهُوَ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ التَّرَدُّد هَلْ يَفْعَل أَوْ لَا؟ ثُمَّ الْهَمّ: وَهُوَ تَرْجِيح قَصْد الْفِعْل، ثُمَّ الْعَزْم: وَهُوَ قُوَّة ذَلِكَ الْقَصْد وَالْجَزْم بِهِ، فَالْهَاجِس لَا يُؤَاخَذ بِهِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ

1 / 33