Les causes de la joie dans les anecdotes des Arabes
أسباب الطرب في نوادر العرب
Genres
ولم تزل الجارية تتفقدني بالشراب الطيب والطيبات من المآكل إلى وقت الظهر، فإذا به قد جاء وفعل كما فعل بالأمس، فأقمت عنده إلى يوم الجمعة، فقال للجارية: خذي سيدك إلى الحمام وقولي لفلان البلان: سيدي يسلم عليك ويقول لك: اخدم هذا الرجل. ثم قال لي: أريد منك أن لا تصلي اليوم إلا عند المنبر فإن لي في ذلك غرضا، ثم تعود بعد الصلاة إلى ها هنا. ثم لبس آلته وخرج.
فقامت الجارية وأخذت بساطا اقصرابيا (كذا) وطاسات نحاس وكفتا ومئزرا ملطيا ومناشف رومية في نهاية الحسن، مبخرة مطبقة، وعبت آلة الحمام كما ينبغي، وراحت بها إلى الحمام، ثم عادت إلي وقالت لي: بسم الله، يا سيدي، أسرع فإن البلان في انتظارك. فقمت إلى الحمام وخلعت قماشي، ودخلت والبلان قدامي إلى المقصورة، فخدمني أحسن خدمة، ثم جاءني بالمناشف فتنشفت، وخرج خلفي بالطاسة، فصعدت وجلست، وصب الماء على رجلي، ثم جاءتني الجارية بقدح شراب فشربته، ورجعت إلى الدار والجارية قدامي، ثم جاءتني بمسلوق فأكلت.
فلما جاء وقت الصلاة قالت لي الجارية: بسم الله إلى الجامع. ثم حملت معي سجادتي، وخرجنا إلى الجامع، فبسطت سجادتي تحت المنبر كما قال لي صاحبي، وفي أثناء ذلك أذن المؤذن وخرج الخطيب ورقي المنبر، فلم أشعر إلا وصاحبي قد أقبل يخرق الصفوف، وهو بذلك الخلق، ثم صعد إلى الخطيب على المنبر وأخرج من عبه كيسا من الحرير الأطلس المعدني، فقال للخطيب: يا سيدي، أنا رجل فقير ولي عائلة، ووالله، لنا يومان ما أكلنا شيئا وقد مضنا الفقر. فلما كان اليوم قالت لي العائلة: اليوم يوم الجمعة، قم إلى الجامع لعل الله يفتح لك بشيء فقد هلكنا من الجوع. فخرجت طالبا الجامع وأنا في الشارع الفلاني وقد تضورت من الجوع إذ عثرت رجلي بهذا الكيس ولا أعلم ما فيه، فسولت لي نفسي أن آخذه وأرجع إلى منزلي فقلت: يا نفس، يا ملعونة، تريدين أن تجرئيني على أكل الحرام، والله لا وافقتك في ذلك أبدا ولو مت جوعا، وما عند الله خير وأبقى، وقد حملته إليك فافعل به ما ترى.
ثم دفع الكيس للخطيب ففتحه، وإذا فيه حلي تساوي خمسمائة دينار، فتعجب الخطيب من أمانته مع ما هو فيه من الفقر والحاجة، ثم أشار إلى الناس وقال: يا قوم، هل يكون في الوجود مثل هذا في دينه وأمانته وعفته مع فقره! فكيف يكون لو كان غنيا غير محتاج، فوالله مثل هذا لا يصلح أن يكون فقيرا بين ظهور المسلمين، فالواجب على كل مسلم إعانته وبره، فليعطه كل واحد منكم شيئا، وأغنوا فقره، كل على قدره، فصارت الدراهم وقطع الذهب تنهال عليه من كل جهة إلى أن قدرت أنه حصل له مائتا دينار. هذا وأنا ألومه في نفسي وأقول: قد حصل له شيء يساوي ألف دينار فباعه بهذا القدر!
فلما انقضت الصلاة ونحن في السنة سمعت الضجة قد قامت في الجامع، فنظرت وإذا بامرأة عجوز، وهي تصيح وتقول: يا مسلمون، والله ما أملك قوتي في هذا اليوم، وقد ضاع لي حلي حملته من ناس إلى ناس فوقع مني. فبلغني أنه وصل إلى الخطيب، وأنا مستجيرة بالله - تعالى - وبه، فجعل الناس يقولون لها: طيبي خاطرك، فقد رده الله إليك. ولم تزل تخترق الصفوف حتى وصلت إلى الخطيب، فخرت مغشيا عليها، ثم أفاقت فقالت: يا مولاي، العفو لا تؤاخذني، وارحمني لله - تعالى. فقال لها الخطيب: على مهلك، ما الذي عدم منك؟ فقالت: كيس صفته كذا، وشرابته كذا، وفيه كيت وكيت من الحلي، وكذا قطعة بلخش، وأسورة كذا، وخواتم كذا. ولم تزل تعدد الأعيان التي ضمنه بحضور الملأ وقدام جماعة من العدول، وكلما ذكرت شيئا أخرجه الخطيب، إلى أن وصفت جميع ما فيه، وصح ما قالت، فسلم إليها الكيس، فأخذته وانصرفت، والخلق يدعون لصاحبي ويتعجبون من دينه وأمانته.
ثم إني جئت إلى الدار كما أوصاني، فوجدته جالسا يزن ما تحصل له، وإذا به مقدار ما قدرته في خاطري، فلما دخلت وجلست قال لي: هل رأيت ما فعلت اليوم؟ قلت: نعم، وأنا ألومك على ذلك. قال: لم؟ قلت: لأنه كان قد حصل لك شيء يساوي خمسمائة دينار فبدلته بهذا القدر. فقال: هل تعرف الكيس والمرأة التي أخذته؟ قلت: إذا أبصرتهما عرفتهما. فقال: يا حرير، خلي العجوز تجيء بالكيس. فنزلت والكيس في يدها. فقال: هذا الكيس، وهذه العجوز حماتي، والحلي لابنتها، وأنا الذي سيرتها بهذه الحيلة، فلو أقمت طول النهار كم كان يحصل لي؟ فلما أن وعيت ذلك تعجبت منه كل العجب، ثم انصرفت من عنده، وأنا ألعن صنعة المحتالين ومكايدهم.
الدمشقي المغفل (قال): ومن ذلك أني رأيت بمدينة دمشق رجلا نصرانيا يعرف بابن ميسرة صائغا، فبينما هو يوما في الدكان إذ أتى إليه رجل وناوله سبيكة فضة مقدارها ثلاثمائة درهم وقال له: ادفع هذه السبيكة للدلالين ليبيعوها لي. فقال الصائغ: على الحمى تبيع؟ قال: وعلى الروباص. فأعطاها لمناد فباعها المائة بمائة وعشرة. هذا وقد أقعده الصائغ على الدكان إلى جانبه، فلما قبض الثمن دفع للمنادي أجرة وافرة، ثم رمى بخمسة دراهم وقال للصائغ: أرسل أحد صبيانك؛ ليشتري لنا شيئا نتملح به. وحلف بالحرم إنه لا بد أن يفعل ذلك. فأرسل من اشترى، وأكلوا، ثم جلسا ساعة يتحدثان، ثم قام ونزل من الدكان وقد وضع تحت نطع الصائغ عشرة دراهم.
ثم إنه عاد بعد مدة، وصعد فجلس على دكان الصائغ ففرح به وتحدثا ساعة، ثم أطلع سبيكة أكبر من الأولى، فدفعها للمنادي، فجاءت المائة بمائة وخمسة عشر، فالتفت إلى الصائغ وقال له: إن كان لك بها حاجة فخذها وزنا بوزن. فأخذها ثم عمل كالمرة الأولى فمنعه عن ذلك وقال: يا فلان، أيش تخاف علي؟ هذه المائة تقوم علي بدرهم أو درهم ونصف فما عسى أن يروح منها؟ فلما سمع الصائغ عظم الشيخ في نفسه. ثم انصرف وغاب أياما، ثم جاء ولم يصحب معه سبيكة، فسلم وصعد وجلسا يتحدثان، وصار كلما مر شيء من الحلوى أو من المآكل قال: حط، زن. فيشتري ويأكل هو والصائغ وكل من في الدكان والجيران، وأقام أياما يتردد، ولم يصحب معه شيئا من السبائك، فسأله الصائغ عن سبب تأخير السبائك ، فقال: والله، كنت قد عملت إكسيرا ففرغ. فلما سمع الصائغ ارتبط ثم تحدث معه ساعة، فقال له الصائغ: أشتهي أن تأكل معي في بيتي خبزا وملحا لتجبر قلبي. فقال: أنا ما أريد أن أكلفك. فأقسم عليه، فقال: إن كان لا بد منه فهذه عشرون درهما، اعمل لنا بها شيئا نأكله، والتزم بالحرام إنه لا بد من ذلك. ثم تواعدا إلى يوم معلوم.
فلما كان ذلك اليوم، جاء الرجل إلى الدكان فوجد ابن الصائغ ينتظره فأخذه وتوجه به إلى الدار، فلما استقر بهما الجلوس قدم الصائغ شيئا فأكلاه، ثم أحضر حلوى فتحليا، ثم جلسا يتحدثان، فقال الصائغ: لم لا تعمل الإكسير؟ فقال: يا ولدي، إن عندي الساعة ما أنفقه فلست أنا محتاجا إلى عمله. ثم لم أجد في هذه البلدة مكانا ولا صاحبا أركن إليه، وأنا وحدي لا أقدر أن أدبر شيئا. فقال له الصائغ: يا سيدي هذه القاعة ملكي، وما لي فيها أهل، وإنما هي برسم صاحب أو صديق، فأخليها لك، وأنا أخدمك وابني يكون في الدكان، ومهما احتجت إليه أنا أحضره لك. فقال: «أما الإكسير فما نصرف عليه أكثر من عشرة دراهم، وإذا صار الإكسير نعمل منه قناطير إلا أنه يريد تعبا كثيرا وطول روح، وأنا اليوم ما لي همة للعمل، وعندي ما أنفقه عشرين سنة.» وصار يمتنع وصاحب البيت يسأله ويتضرع إليه ويحلف عليه أن يبيت عنده تلك الليلة، ولم يزل ملحا عليه حتى رضي وتقرر الحال معه، ثم تحالفا على وفاء العهد، وزاد الصائغ أنه يقنع من الإكسير باليسير، فقال له الشيخ: بل إنما أقنع منه بمثقال، وخذ أنت الباقي. ففرح الصائغ بكلامه، وطمع أن يتعلم الإكسير، ثم توافقا على يوم معلوم وتفرقا.
ولما كان اليوم الموعود، اشترى الشيخ الحوائج، ولم يكلف الصائغ بشيء، فلما سحق من الحوائج ما يمكن سحقه منها ونقع ما ينقع، قال للصائغ: أتريد أن تعمل إكسير ذهب أو فضة؟ قال: من هذا شيئا ومن هذا شيئا. فقال: اقسم هذه الحوائج نصفين، ثم هات ما أمكنك من الفضة والذهب حتى ننقعهما في الماء أسبوعا ثم نسقي بهما هذه الأدوية. فأحضر له الصائغ ستمائة دينار ذهبا وألفا وخمسمائة درهم فضة، ووضع ذلك بين يديه، فصر ذلك في صرتين ووضعهما في إنائين وسكب عليهما ماء، ثم أقاموا سبعة أيام يخدمون تلك الحوائج، ثم قال للنصراني: اطلع إلى جبل المزة، اجمع لنا من الحصا الذي يعرف ببزاق القمر مقدار رطل واحد، فقام الصائغ وتوجه إلى الجبل، وعمد الرجل إلى الصرتين، فأخذ ما كان فيهما ووضع في إحداهما فلوسا ونحاسا وفي الأخرى رصاصا، فلما جاء الصائغ بالذي طلب منه قال له: هذا يريد يتكلس في أتون الزجاج ليلة كاملة ثم يخدم نصفه بماء الذهب ونصفه بماء الفضة، فإذا تكلس اقسمه ثم اخدمه، وخرج لصلاة الجمعة فاستقبل الدرب ولم يطلع له خبر.
Page inconnue