أرجعوا الشاب إلى السجن والناس يتبعونه بنظرات الأسف والتنهيدات العميقة؛ لأنه كان فتى في ربيع العمر حسن المظاهر قوي البنية.
وخرج الجنديان ثانية من السجن يقودان صبية جميلة الوجه ضعيفة الجسد، قد وشح معانيها اصفرار اليأس والقنوط، وغمرت عينيها العبرات، وألوت عنقها الندامة والحسرة.
فنظر إليها الأمير قائلا: «وما فعلت هذه الامرأة المهزولة الواقفة أمامنا وقوف الظل بجانب الحقيقة؟»
فأجابه أحد الجنود قائلا: «هي امرأة عاهرة قد فاجأها بعلها ليلا، فوجدها بين ذراعي خليلها فأسلمها للشرطة بعد أن فر أليفها هاربا.»
فأحدق الأمير بها، وهي مطرقة خجلا ثم قال بشدة وقساوة: «أرجعوها إلى الظلمة، ومددوها على فراش من الشوك لعلها تذكر المضجع الذي دنسته بعيبها، وأسقوها الخل ممزوجا بنقيع العلقم عساها تذكر طعم القبل المحرمة، وعند مجيء الفجر جروها عارية إلى خارج المدينة، وارجموها بالحجارة، واتركوا جسدها هناك لكي تتنعم بلحمانه الذئاب، وتنخر عظامه الديدان والحشرات.»
توارت الصبية بظلمة السجن والحاضرون ينظرون إليها بين معجب بعدل الأمير، ومتأسف على جمال وجهها الكئيب، ورقة نظراتها المحزنة.
وظهر الجنديان ثالثة يقودان كهلا ضعيفا يسحب ركبتيه المرتعشتين كأنهما خرقتان من أطراف ثوبه البالي، ويلتفت جزعا إلى كل ناحية، ومن نظراته الموجعة تنبعث خيالات البؤس والفقر والتعاسة.
فالتفت الأمير نحوه، وقال بلهجة الاشمئزاز: «وما ذنب هذا القذر الواقف كالميت بين الأحياء؟»
فأجابه أحد الجنود قائلا: «هو لص سارق قد دخل الدير ليلا، فقبض عليه الرهبان الأتقياء ووجدوا طي أثوابه آنية مذابحهم المقدسة.»
فنظر إليه الأمير نظرة النسر الجائع إلى عصفور مكسور الجناحين، وصرخ قائلا: «أنزلوه إلى أعماق الظلمة، وكبلوه بالحديد وعند مجيء الفجر جروه إلى شجرة عالية واشنقوه بحبل من الكتان، واتركوا جسده معلقا بين الأرض والسماء، فتنثر العناصر أصابعه الأثيمة نثرا، وتذري الرياح أعضاءه نتفا.»
Page inconnue