Face Off
للنجمين الأمريكيين جون ترافولتا ونيكولاس كيج، عندما استبدل كل منهما بوجهه وجه الآخر وحياته. نحن نفعل هذا الآن ونحن ندرك أن من يجلس أمامنا قد يكون شخصا مزورا، لكننا ارتضينا وجوده، كأن هناك عقدا غير مكتوب: أن تسمعني وأسمعك، ما دام العالم لا يسمعنا. لكن، من قال إن العالم لا يسمع أو يسجل أو يتلصص؟
في عدد كبير من أفلام الخيال العلمي الأمريكية (المتحولون على سبيل المثال) تتحول الآلات التي تخدم الإنسان إلى أعداء له، وتسعى للسيطرة على العالم، بعد أن يكون الإنسان قد سلمها كل معلوماته تماما، وبعد أن يكون قد اعتمد عليها في كثير مما يفعله. وفي الحقيقة، لا أستطيع أن أمنع نفسي وأنا أتابع التطور التكنولوجي - ليس فقط في وسائل الاتصالات وإنما في صناعة الروبوتات المنزلية، والعقول الذكية، والأجهزة المقرونة بأوامر صوتية، والطائرات من دون طيار، والنظارات والساعات الذكية، وغيرها - من التفكير في نهايات تلك الأفلام.
وفي معظم أفلام مارفل الأخيرة، بداية من سلسلة «الرجال إكس»، مرورا بكل قصص الكوميكس التي تحولت إلى أفلام حصدت ملايين الدولارات، مثل «الرجل الحديدي»، و«هالك»، و«ثور»، وأخيرا «كابتن أمريكا»؛ تبدو السمة الأساسية التي يتحدث بها من يريدون السيطرة على العالم عبر السيطرة على الأجهزة الذكية، هي أن البشر قبلوا التخلي عن خصوصيتهم، في مقابل أن يحصلوا على الأمان والسلام (هذه العبارة وردت بالنص على لسان البطل الشرير في الجزء الثاني من سلسلة أفلام «كابتن أمريكا»؛ جندي الشتاء)، ويمكن تحوير هذه الصيغة إلى أن البشر قبلوا التخلي عن خصوصيتهم، في الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي التي تجمع جميع المعلومات عنهم وعن جميع تحركاتهم، في مقابل سلامهم الداخلي، والتربيتة الإلكترونية على أكتافهم، وهو ما افتقدوه في حياتهم، لكن من قادهم إلى هذا المصير؟ أليست الآلة أيضا؟ «ماستر سين» فيلم
Her
في ظني، حين يسأل بطل الفيلم «نظام التشغيل» الذي يحبه: «هل تحبين أحدا غيري؟» فتجيبه: «ستمائة وواحدا وأربعين.» ليكتشف أنه مجرد رقم لدى نظام التشغيل ليس أكثر، ليطرح السؤال: من الذي يدير العلاقة، أنت أم جهاز الكمبيوتر الذي أمامك؟ من الذي يسيطر على العلاقة بعد أن توحدت مع الآلة وسقطت في عبوديتها، أنت أم هي؟
في ندوة أخيرة شاركت فيها عن «الكتابة والعولمة»، سألني أحد المشاركين: «هل تعتقد أن الأجدر بالإنسان الابتعاد عن العولمة بأشكالها المختلفة؟» وكان ردي هو أن الوقوف أمام العولمة بأشكالها المختلفة يشبه إلى حد كبير الوقوف أمام قطار سريع، والأجدر بنا أن نكون داخل القطار لا أمامه، لكن المهم هو ماذا سنفعل عندما نكون داخل القطار؟ ما الذي سنأخذه؟ وما الذي سنتركه؟ لأنه لا أحد يستطيع أن يستغني عن كل وسائل الاتصال الحديثة (ما في داخل القطار)، وإلا عاد إلى العصر الحجري. وبهذه الطريقة، لا يسمح للقطار بأن يأكله، ولا يأكل نفسه أيضا.
في رواية «اللجنة» للروائي صنع الله إبراهيم، يأكل بطل الرواية - الضائع ما بين السلطة والحرية - نفسه في النهاية، ويبدو هذا حالنا جميعا اليوم، ونحن ننغلق على ذواتنا يوما بعد الآخر، وقد تخلينا عن خصوصيتنا تماما لشركات عابرة للعوالم متخصصة في الاتصالات واختراق الخصوصيات، مقابل أن نجد الإنسانية المفقودة، حتى لو كانت في «صورة إلكترونية»، حتى غدونا مثل دودة تضع ذيلها في فمها وتواصل الالتهام، حتى تأكل نفسها تماما.
أضواء المدينة المطفأة
تبدو النهايات دائما جديرة بالتأمل، أتحدث هنا عن نهايات بعض من كانوا نجوما - سواء في السينما أو الأدب أو حتى في مجالات العمل المختلفة - ثم دارت الأيام دورتها، فانتقلوا من السماء - حيث يراهم نجوما كل من يرفع عينيه إلى أعلى - إلى الأرض، فأصبحوا عاديين، ومع الوقت بهتت ملامحهم، فأكملوا ما تبقى من حياتهم وكأنهم يعيشون تحت الأرض.
Page inconnue