ثم رأيا الخيالة قد تفرقوا على الميمنة والميسرة وفي المقدمة، وهم على خيل من الخيول العربية المشهورة، فقال مرقس: «أرى خيولهم ضئيلة ضامرة، وقد كنت أسمع بجودة خيل العرب.» فضحك زياد وقال: «إن خيل العرب أجود، وهي موصوفة بالرقة والسرعة، ولا عبرة بكثرة اللحم.»
ثم نظر مرقس إلى مؤخر الحملة فإذا بالهوادج محمولة على الجمال فقال: «تقول يا أخي إنهم يسيرون برجالهم للحرب وتبقى الخيام هنا، ولكن ها أنا ذا أرى الهوادج محمولة وفيها النساء والأولاد!»
قال: «إن العرب إذا ساروا إلى الحرب حملوا نساءهم معهم، فإنهن يحرضن الرجال على الحرب ويحثثنهم فيستحيون منهن إذا أحسوا بضعف أو مالوا إلى الفرار.»
وفيما هما ينظران إلى تنظيم الجند إذا بعمرو قد جاء على فرسه ووردان راكب إلى جانبه يحمل العلم، وعمرو يخترق الجند، فينتقل من فرقة إلى أخرى، فقال زياد: «تعال نقترب من الجند لنسمع ماذا يقول عمرو في طوافه.»
فنزلا حتى دنوا من المعسكر فإذا بعمرو يطوف في الرجال يرتب صفوفهم ويحرضهم على الثبات، فيذكرهم بما نالوه من النصر في الشام وبيت المقدس ويقول: «يا أهل الإسلام والإيمان، يا حملة القرآن، يا أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ، إننا ذاهبون لمقابلة الروم، فاصبروا صبر الرجال، وثبتوا أقدامكم، ولا تزايلوا صفوفكم، ولا تنقضوا نيتكم، ولا تخطوا خطوة إلا وأنتم تذكرون الله، ولا تبدءوهم بالقتال حتى يبدءوكم، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، وألزموا الصمت إلا من ذكر الله، ولا تحدثوا حدثا حتى آمركم.» ثم تحول إلى مكان آخر من الجند وقال: «معاشر العرب، إنكم في بلاد العدو بعيدون عن الأوطان، ولا ينجيكم إلا الطعن والثبات في الحرب، فإذا صبرتم وجاهدتم ملكتم الرقاب، وإن وليتم فليس وراءكم إلا المفاوز والبراري، وعين الله ترقبكم.»
ثم سار إلى مكان الهوادج وخاطب النساء قائلا: «إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: «إن النساء ناقصات عقل ودين»، فكن ممن حافظن على دينهن، وقدمن في ذلك النية، وحرضن أزواجكن على القتال، ومن رجع منهم منهزما فأحصبن وجهه بالحجارة، واضربن جواده بالعمد، وأظهرن أولادكن لأزواجكن، وقلن لهم: «قبح الله وجه رجل يفر عن حليلته، فلستم بعولتنا إذا لم تمنعونا»، حتى يرجعوا.» فلما سمعت النساء ذلك وقفن متنمرات مرتجزات يقلن الشعر.
كل ذلك والناس يوحدون ويهللون ويكبرون، ثم انتظمت الحملة ومشى الجند، فجعل مرقس ينظر إلى خيام يوقنا فإذا هي في مكانها، ولم يخرج يوقنا مع الجند، ولم يخرج أحد من رجاله.
Page inconnue