خيرا. قص علينا خبرك يا زياد، إني والله في لهفة لمعرفة حالك وما كان من أمرك بعد أن فارقناك بالإسكندرية. ألا يزال ذلك القسيس حيا؟»
فقال: «لا يا سيدي، إنه مات، وطالما أثنى على شهامتك وذكرك بالخير.»
فقال: «وكيف قضيت هذه السنين بالإسكندرية؟»
فقص عليه حكايته من أولها إلى آخرها حتى وصل إلى الكتاب الذي يحمله فأخرجه من جيبه ودفعه إليه فإذا هو مكتوب بالقبطية، فقال عمرو: «هل أدعو المترجم ليقرأه لنا؟»
قال: «لا، بل أنا أترجمه.»
قال: «وهل تعلمت لسانهم وحفظت لهجتهم؟» قال: «نعم يا مولاي.»
قال: «اقرأه.» فترجم الكتاب وإذا فيه:
من المقوقس حاكم مصر إلى الأمير عمرو بن العاص قائد جند العرب
سلام
أما بعد، فإننا معشر الأقباط قد علمنا مجيئكم إلى بلادنا ووقع إلينا ما أوتيتم من النصر في بلاد الشام وغيرها، وعلمنا ما قدر الله لكم من الغلبة على جماعة الروم حيث حللتم؛ وما ذلك إلا لما أحبوا من دنياهم وما أحببتم من آخرتكم، وقد كان نبيكم قد بعث إلينا منذ بضع عشرة سنة يدعونا إلى الإسلام وأن نسلم إليه البلاد، وهذا كتابه مرسل مع حامل هذا الكتاب لتقرءوه، فأجبناه بأن ذلك ليس في طاقتنا؛ لأننا محكومون وأن الأمر راجع إلى ملكنا هرقل. أما وقد رأينا ما عززكم الله به من النصر، وقد جئتم إلى هذه البلاد تريدون فتحها، فقد بعثت إليكم بهذا الكتاب لأعلمكم أننا نحن الأقباط لسنا أعداءكم ولا نريد محاربتكم، وإنما أعداؤكم هم الروم وجندهم، فإذا قدر لكم النصر - والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء - فاذكروا أننا في ذمتكم وأوصوا رجالكم ألا يؤذونا، وألا يسيئوا إلى رهباننا، أو يهدموا أديرتنا؛ فإنها بيوت الله، وأهلها لا يقومون بأي حرب، ولو كان الأمر عائدا إلينا ما رميناكم بنبل، ولا جردنا عليكم سيفا، وجماعة القبط باقون على قولي هذا إلى أن يقضي الله بما يشاء.
Page inconnue