Armanoussa l'Égyptienne

Georges Zaydane d. 1331 AH
138

Armanoussa l'Égyptienne

أرمانوسة المصرية

Genres

فعلم مرقس انه لا مناص من رجوعه، فتقدم من أركاديوس وهو يمسح دموعه وقال: «أما وقد أصررت على البقاء فإني أبوح لك بأن العرب سيهاجمون الإسكندرية غدا في الصباح الباكر فكن على حذر.» قال ذلك وودعه وخرج كاسف البال حزينا لا يدري كيف يقابل أرمانوسة.

وكانت أرمانوسة قد مكثت يوما كاملا بعد ذهاب مرقس وهي تنتظر عودته، فلما انقضى بعض الليل ولم يأت قلقت، وكانت بربارة أشد قلقا منها لعلمها بعزم العرب على الهجوم في صباح اليوم التالي كما أنبأها مرقس، فانتهزت فرصة وخرجت من الغرفة إلى الحديقة لعلها ترى مرقس قادما، وما لبثت أن رأت شبحا عن بعد، أخذ يقترب منها حتى تبينت أنه هو مرقس فسارعت إليه، وخفق قلبها حين استقبلها باكيا، وسألته: «ما الخبر؟»

فأنبأها بما كان من أمره مع أركاديوس، وإصرار هذا على البقاء في الإسكندرية، فدقت يدا بيد، وقالت: «الأفضل ألا تدخل على أرمانوسة الآن، وألا تطلعها على شيء من هذا حتى لا يقتلها الحزن.»

ولم تشرق الشمس حتى كان العرب قد اقتحموا أسوار الإسكندرية، وجاءت رسل المقوقس إلى أرمانوسة يبشرونها بذلك، وليمكثوا عندها لحراستها حتى يلحق بهم إليها، فاشتد بها الجزع على أركاديوس، وأخذت في البكاء والنحيب.

الفصل الخامس عشر

فتح الإسكندرية

بقي أركاديوس بعد ذهاب مرقس وحيدا في غرفته، وقد أخذت الحمية منه مأخذا عظيما، وصمم على الدفاع عن وطنه ودولته إلى آخر نسمة من حياته، فخرج لينبئ البطريق بما نواه العرب في الصباح التالي، فوصل إلى قصره فلم يجده هناك ولم يهده أحد إلى مقره، فألح في طلبه، وأرسل الرسل في البحث عنه، فلم يقفوا له على خبر، فعرف من ذلك، ومن قرائن أخرى، أنه فر من الإسكندرية لما رأى أهلها يفرون، فشق الأمر عليه وقال: «لقد صدق يحيى النحوي، والله إن الدفاع عن هذه الدولة حرام . إن الله قضى عليها فماذا يجدي الدفاع؟» وحدثته نفسه أن يخرج هو أيضا، ولكنه خشي أن يقولوا عنه كما قال هو عن البطريق، فعاد إلى حصنه وتهيأ للدفاع جهده، وبات بقية ليلته على حذر.

فلما طلع الفجر أفاق وأطل من مرامي السور، فرأى المسلمين بفرقهم ورماحهم ونبالهم وتروسهم قد تفرقوا، وأمامهم الفرسان يحملون الأعلام ويتأهبون للهجوم، فأمر رجاله بالاستعداد والوقوف عند مراميهم، ولبس درعه ولأمته وتقلد حسامه وخنجره ووقف يرقب تقدمهم، فرأى كل فرقة منهم قد سارت وعلمها أمامها إلى ناحية من السور، وظلت فرقة صغيرة متجهة نحو حصنه، فأمر رجاله فرموها بالنبال فلم تجبهم، وبقيت تتقدم حتى صارت على مقربة من السور، وأمامها بضعة فرسان بالدرق والسيوف، فلما دنوا من السور أمرهم أميرهم فتحولوا إلى جانب من السور يبعد عن معقل أركاديوس، وأخذوا يتسلقونه متزاحمين كأنهم يتسابقون على وليمة، فلما سمع أركاديوس صوت القائد تنسم منه صوت عمرو بن العاص فقال: «هذا قائدهم، ها قد التقينا في حومة الوغى، وجاز لي قتاله كما قال مرقس، وليس في أغلال الحديد.» ولكنه لم يتثبته لأنه لم ير وجهه المغطى بالخوذة والدرع، فأطل من المرمى فلم يره، ولكنه رأى العرب قد دخلوا المدينة وعلا الصياح في أنحائها، ثم سمع ضجة في معقله من الداخل فاستل حسامه، وتحول نحو الصوت فلقيه بعض رجاله فأنبئوه بدخول العرب المدينة وسقوطها فلم يبال، وظل سائرا حتى رأى أصحاب الصيحة فإذا هم بعض العرب قد دخلوا معقله فصاح فيهم والسيف مشهر في يمينه: «أين هو أميركم؟ فليبارزني. أنا أركاديوس بن الأعيرج.» فما أتم كلامه حتى رأى بدويا مدرعا تقدم نحوه وسيفه مغمد ويداه فارغتان، فنكس أركاديوس سيفه، وقد عجب لذلك الرجل، وما لبث أن جاء العربي وحسر الدرع عن وجهه، فإذا هو عمرو بن العاص يبتسم، فاستغرب أركاديوس مجيئه في تلك الحال، وقال له: «جرد حسامك وعليك بالبراز.» فلم يفهم عمرو، وكلمه بالعربية فلم يفهم أركاديوس وإن تبين من ملامح وجهه أنه جاء مسالما لا محاربا، والتفت عمرو خلفه فإذا بزياد قد دخل ومعه مرقس، فخاطب عمرو أركاديوس بوساطة زياد قائلا: «إني لم آت لأقاتل أركاديوس البطل الشهير. إن مثلك لا يقاتل، وقد جئتك وسيفي مغمد لعلمي أن الخيانة ليست من شيمتك.»

فعجب أركاديوس من مروءته وقال: «لماذا لم تأتني محاربا؟ هيا نتبارز!»

قال: «لأني أشعر بجميل لك علي يوم ضمنا وإياك مجلس البطريق، واختلفوا في أمري، وكنت عالما بي فأغضيت، وهو جميل ذكرته لك، وما زلت أتوقع أن أكافئك عليه، فأنت صاحب الفضل السابق.»

Page inconnue