Armanoussa l'Égyptienne

Georges Zaydane d. 1331 AH
122

Armanoussa l'Égyptienne

أرمانوسة المصرية

Genres

ثم خرج الوفد وأهل الجزيرة يشيعونهم بأنظارهم، وقد بهروا لما شاهدوا من جرأتهم، ولبثنا ننتظر مجيء أميرهم عمرو، فلما كان أصيل أمس علمنا بمجيئه، فخرج سيدي لمقابلته على الضفة، ولا أزيدكم علما على ما تعلمونه من هيبة عمرو بن العاص، فقد رأيتموه في بلبيس، فلما التقيا تصافحا ودخل الجميع القاعة، فصارت تعج عجيجا لاختلاط القبط بالعرب، لأول مرة، ولم يأت المساء حتى كتبوا الصلح بينهما في اللغتين، وأمضاها الفريقان، وقد تمكنت من استنساخها وهذا هو ذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومددهم وعددهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص، ولا يساكنهم النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية، إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم، خمسين ألف ألف، وعليه ممن جنى نصرتهم، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزية بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم عن غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله ما لهم وعليه ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا، وعليهم ما عليهم أثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم. على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على ألا يغزوا، ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير، وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر.

ولما كتب على هذه الصورة قرئ على الحضور من القبط والعرب باللغتين، فتصافح الفريقان وصاروا جميعا يدا واحدة، ثم كتب سيدي إلى البطريق حاكم الإسكندرية يخبره بالأمر، ولا ندري ما يكون جوابه.

وفيما كان مرقس يتكلم كانت أرمانوسة وبربارة ترقبان أركاديوس وما يبدو منه. أما هو فكان مصغيا إلى مرقس وقلبه يتقطع، ويكاد يتميز غيظا، حتى سمع شروط الصلح، وأن العرب والقبط تصافحوا بعد كلام المقوقس وتثبيط عزائم رجاله، فوثب بغتة ونادى: «يا للعار، قد قضي الأمر يا أرمانوسة، لم يبق لي مقام بهذه البلاد، فها هو ذا والدك قد أتم ما كان يبغيه من صلح العرب، ولم تبق لنا حيلة في دفعهم عنا، وليس في طاقتي أن أنظر إلى أبيك، وقد تحققت الآن أنه هو الذي ساعد العرب على فتح الحصن وإخراج جندنا منه، فالإقامة هنا لا أستطيعها، وقد عاهدتك وأقسمت لك الأيمان المعظمة أن لا أفارقك بعد واقعة الحصن، فها قد انتهت الواقعة، فنحن - أنا وأنت - روح واحد، وبقاؤنا هنا تحت سلطة هؤلاء البدو مستحيل، وإذا ذهبنا إلى الإسكندرية فلا آمن غضب أبي لأنه علم بمساعي أبيك، فلا يرضى ببقائنا معا، فما الحيلة إذن؟» قالت: «إني رهينة أمرك.»

قال: «اعلمي يا أرمانوسة أن أباك قد ارتكب خيانة لن تمحو ذكرها الأيام؛ لأنها ستؤدي إلى خروج وادي النيل من أيدينا إلى أيدي العرب، فإذا عرف هؤلاء المحافظة عليه طالت إقامتهم به قرونا. لأنه من خير بلاد الله تربة وأكثرها خصبا، فجعله أبوك غنيمة باردة للعرب، وأصبحت الروم ومنازلهم وما ملكت أيمانهم في قبضة هؤلاء العرب. إنها خيانة لا أستطيع عليها صبرا، فإقامتي معه ضرب من المستحيل، ولولا حبك الراسخ في هذا القلب لسعيت إلى قتله بهذا الحسام.»

وكانت أرمانوسة أثناء كلامه مطرقة خجلا لما أتاه والدها ، وكأنها استيقظت من سبات فأدركت كنه الجريمة فلم تحر جوابا.

فأتم هو كلامه وقال: «ولكنني لا أمسه بسوء إكراما لعيني أرمانوسة، وطالما دافعت عنه عند أبي، وكثيرا ما غالطته، مع علمي بالخيانة، فكأني شاركته فيها، وأنا لا أصبر على جواره، فإذا أطعتني هجرنا هذه البلاد، وأقمنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد إلى أن يقضي الله بما يشاء.»

فقالت: «إني معك حيثما توجهت؟»

فقال: «أما والحالة هذه فلنترو ولنتعقل، فنحن الآن متحدان قلبا، فلندع قسيسا يتم عقد اتحادنا الجسدي.»

وكان مرقس وبربارة يصغيان ليعلما عاقبة الحديث، واستحسنا الرأي، فأسرع مرقس فجاء بقسيس من منف فصلى وبارك قرانهما، فلما تمت صلاة الإكليل قال مرقس: «وأنا لا إقامة لي هنا بعدكما، فهل تسمحان بأن أكون في خدمتكما أنا ومارية؟»

Page inconnue