L'Aristocratie : Une très courte introduction
الأرستقراطية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
قوض العالم الصناعي بقسوة النخبة الزراعية؛ فنظرا لأن التغيرات في تكنولوجيا النقل دمرت الأشكال التقليدية للثروة، أصبح من حققوا الثراء عن طريق التمويل والتجارة والصناعة في هذا الوقت - لأول مرة في التاريخ - أكثر ثراء حتى من أكبر ملاك الأراضي. وربما استمرت العائلات النبيلة، التي حبتها الصدفة بمخزون من الفحم أو المعادن، أو ضيعات في طريق المدن الآخذة في التوسع، في تجميع ثروات هائلة، لكن بالنسبة إلى باقي العائلات، تزايد تفوق رجال الأعمال عليها. وإذا حدث وحصلت الفئة الثانية على منازل ريفية، فإنها لم تكن تنفق عليها من أرباح الزراعة. في الوقت نفسه، في معظم أنحاء أوروبا التحقت الطبقة المتوسطة المتعلمة - بأعداد غير مسبوقة - بطبقة النخبة عن طريق حصولها على مكانة النبلاء، وحتى دون هذا، تسربت إلى الرتب العليا للبيروقراطيين والقوات المسلحة على نحو لم يحدث من قبل. وإذا كانت مناصب القيادة العليا لا تزال على نحو مذهل وإلى حد كبير في أيدي أصحابها التقليديين، فإن الرتب التي كانت من قبل حكرا على النبلاء أصبحت الغالبية العظمى التي تشغلها من غير النبلاء، حتى وإن كان السبب هو زيادة أعداد تلك المناصب بمعدلات لا تستطيع أعداد النبلاء مضاهاتها.
ثم نشبت الحرب العالمية الأولى. قيل إن هذا الصراع بدأ كمحاولة حازمة من الأرستقراطيين في أوروبا لإعادة تأكيد سيطرتهم المتداعية؛ فقد كانت «رد فعل أرستقراطيا نبع من رد الفعل المبالغ فيه للنخبة القديمة إزاء الأخطار المبالغ في تقديرها لأوضاعهم ذات الامتيازات المفرطة»، و«قصدت الطبقات الحاكمة والمسيطرة القديمة ... حل الأزمة في أوروبا لما فيه صالحها، وإن اقتضى هذا التحريض على الحرب.» وجد معظم المؤرخين هذه الفرضية مثيرة للاهتمام أكثر من كونها مقنعة. لكن حتى إن كان إنقاذ الأرستقراطية من قوى العالم الجديد هو الهدف الذي يفترض بالحرب تحقيقه، فإن سوء التقدير كان هائلا؛ فكل ما حدث أن تعززت جميع التوجهات التي ظلت تقوض النفوذ والسلطة الأرستقراطية لمدة نصف قرن تقريبا. وقد ثبت أن حرب الخنادق هي محرقة للضباط الشباب؛ إذ إنها قضت على جيل من ورثة الأسماء الشهيرة في جميع الدول المشاركة. عجلت الحرب بالثورة الروسية، وهي حركة واعية مناهضة للأرستقراطية نتج عنها مصادرة لضيعات النبلاء وإعادة توزيعها وتعذيب ملاكها، وأدى هذا إلى انتشار المهاجرين في كافة أنحاء أوروبا الغربية وأبعد منها. ونتيجة للحرب اختفت النظم الملكية في جميع أنحاء ألمانيا ووسط أوروبا، وألغت الجمهوريات غير المستقرة التي تلتها ألقاب النبلاء والأوقاف التي حافظت على بقاء ضيعات الأرستقراطيين وحدة واحدة؛ فالدول القومية الجديدة التي نشأت من تفكك إمبراطورية هابسبورج كانت تنظر إلى الأسر الكبرى الحاكمة ذات النفوذ التي هيمنت عليها لفترة طويلة باعتبارها آثارا لحكم أجنبي؛ ومن ثم أزاحتها عن سدة الحكم. ولم تخرج الأرستقراطية إلى النور من جديد وهي تتمتع بالقوة إلا في بولندا والمجر؛ حيث تحولت الدول ذات السيادة المعاد تكوينها مرة أخرى إلى النخبة المحلية التي حافظت على تقليد «حريتها الذهبية» السابقة. لكن حتى في هذه الدول ثبت أن هذا الإحياء سريع الزوال؛ فقد ثبت أن شجاعة الشلاختا التي استعادت نشاطها غير مجدية أمام غزو الألمان والروس في الحرب العالمية الثانية؛ ونتيجة لهذا خضعت كل من بولندا والمجر لنظم الحكم الشيوعية، التي عزمت على محو أي آثار باقية للحكم الأرستقراطي، كما حدث في روسيا.
كان تفكك المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا صادما بالقدر نفسه تقريبا؛ ففي أيرلندا، حيث كانت سطوة ملاك الأراضي البروتستانت تتدهور سريعا قبل الحرب، صاحبت تأسيس الدولة الحرة هجمات واسعة النطاق على المنازل الريفية، وتبعتها المصادرة النهائية لأملاك معظم ملاك الأراضي؛ وهو تدمير يكاد يكون كاملا كالذي حدث في روسيا. وعلى الشاطئ الآخر في إنجلترا، نظرا لأن ضرائب التركات ارتفعت في أثناء الحرب وبعدها إلى مستويات عقابية، ترك ملاك الأراضي عددا من الأفدنة بين عامي 1918 و1922م يفوق عدد الأفدنة التي نقلت ملكيتها في فترة مماثلة منذ ثلاثينيات القرن السادس عشر. وقد زادت النظرة إلى المنازل الكبرى على أنها مقتنيات نفيسة مكلفة لا طائل منها، وبيع كثير منها أو دمر أو وهب منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين إلى الجمعية الوطنية للحفاظ على التراث نظير استمرار استئجار الأسرة لها. وعلى الرغم من أن الأسر الأكثر ثراء - التي كان معظمها من أسر الدوقات - ظلت باقية رغم تقلص حجم الضيعات بين الأثرياء في الدولة، فإن طبقة الأعيان القدامى تضاءل حجمها، وأصبحت طبقة الأرستقراطيين بأكملها محبطة إلى حد كبير. انتقل عدد قليل من الذين باعوا ممتلكاتهم إلى المستعمرات الأفريقية؛ حيث كان لا يزال باستطاعتهم الحياة بأسعار زهيدة نسبيا، وصيد الحيوانات البرية بحرية، واقتناء حاشيات وفيرة من الخدم المطيعين. لكن حتى عمليات الانسحاب المغرية هذه من العالم الحديث لم تدم أكثر من بضعة عقود؛ إذ انهارت أيضا الإمبراطورية التي أمدت الأبناء الأصغر سنا بكثير من الفرص لأكثر من قرنين من الزمن.
شكل 5-5: النبلاء والنازيون: أدولف هتلر مع يونيتي ميتفورد، ابنة اللورد ريديسدال.
أحد ردود الفعل التلقائية الأخرى للأرستقراطيين المحاصرين بين الحروب تقبلهم للفاشية؛ ففي النهائية ثبت أن الشيوعية والأشكال الأخرى من الاشتراكية - نادرا ما كانوا يفرقون بين الاثنتين - أكثر أعدائهم شراسة، في حين كانت الأشكال المتنوعة للفاشية تعد بقوة بعودة النظام. في الواقع أنقذت الأرستقراطية في إسبانيا من التهديدات الديمقراطية بفضل انتصار فرانكو في الحرب الأهلية؛ لذا بدت عودة النظام الملكي في حد ذاته منطقية تماما بعد وفاته. وفي البلاد الناطقة بالألمانية أيضا رحب كثير من ضباط الجيش النبلاء باستعادة هتلر لتقدير الذات العسكرية. إلا أن سياساته المدمرة في وقت الحرب دفعت في النهاية مجموعة صغيرة من الضباط الذين شعروا بالخزي إلى محاولة اغتياله. وقد كانت هذه - حتى الآن - آخر مؤامرة أرستقراطية في تاريخ أوروبا . لكن في الوقت الذي فشلت فيه، بدت هزيمة هتلر على أي حال حتمية إلى حد كبير. شنت جبهة أخرى هجوما حاسما ضد الاحتلال الألماني لأوروبا من بريطانيا العظمى؛ حيث قاد ونستون تشرشل - الذي كان حفيدا لدوق - ومجموعة معظمها من الجنرالات الأرستقراطيين الأيرلنديين (حصلوا جميعا على مكافأة في صورة ألقاب ومقاعد في مجلس اللوردات) كفاحا يتسم بالعزم ولا يخلو أحيانا من اليأس من أجل بقاء الوطن. إلا أن النصر في هذه الحرب قد صار فعليا من نصيب قوى تستنكر الأرستقراطية وكافة أساليبها: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وكانت مكافأة تشرشل على إنقاذه لبلده تصويت رفاقه الديمقراطيين على إقالته من منصبه. وبعد تسع سنوات، قبل تركه لمنصبه للمرة الأخيرة، عرضت عليه الملكة إليزابيث الثانية دوقية. كانت لفتة لا معنى لها - رغم ما بها من إطراء - حيث إنها كانت قد تأكدت مسبقا من أنه سيرفض. والمفارقة أن أتلي - أحد أفراد العامة والذي حل محله كرئيس للوزراء في عام 1945م - قد انتهى الحال بحصوله على لقب إيرل. (6) الآثار الباقية والذكريات والأحكام
من ثم أكملت الحرب العالمية الثانية تدمير الأرستقراطية بوصفها كيانا مترابطا له مفهوم اجتماعي أو سياسي. وفي أعقاب الحرب، حددت عمليات الاستحواذ الشيوعية مصير الأرستقراطية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، كما أن نظم الحكم الديمقراطية الاشتراكية، التي حصلت على السلطة على فترات منتظمة في الغرب، بدت بالكاد أكثر تعاطفا. وقد فقد آخر معقل مؤسساتي للسلطة الأرستقراطية - مجلس اللوردات البريطاني - معظم سلطته التشريعية المتبقية فيما يتعلق بعرقلة القوانين، وذلك على يد حكومة حزب العمال في عام 1948م، وفقد معظم أعضائه بالوراثة بعد نصف قرن، ويبدو أنه في سبيله إلى فقدان آخر المنتمين إليه في الوقت الذي يطبع فيه هذا الكتاب.
شكل 5-6: تتويج الملكة إليزابيث الثانية عام 1953م: النبلاء المحاصرون يركضون للاحتماء.
ما زال ممكنا العثور على كثير من الأرستقراطيين حاليا؛ فأمراء ليشتنشتاين وموناكو، الذين كانوا في وقت ما تابعين لملوك كبار، يحكمون حاليا دولا صغيرة ذات سيادة. كما أن أغنى رجل في بريطانيا وأكبر مالك للأراضي كليهما دوقان . وفي كل مكان يحتفظ لقب أو حتى شعار نبالة بمكانة مميزة معينة، وما زالت الشركات تسعد بوجود «أحد اللوردات ضمن مجلس إدارتها». أيضا ما زال الأرستقراطيون يفضلون الزواج بعضهم من بعض، رغم أنه لم يعد باستطاعتهم مقاومة الزواج من وريثة ثرية من خارج الطبقة أكثر من أي وقت مضى. كما أنهم ما زالوا يفضلون إرسال أطفالهم إلى مجموعة محددة من المدارس الخاصة ذات المكانة المرموقة. ورغم أن معظمهم حاليا أصبحوا يكسبون عيشهم من شتى مجالات الحياة المعروفة، فإنهم ما زالوا يستمتعون في وقت فراغهم بممارسة أكثر الأنشطة تميزا، التي تشمل الصيد وسباقات الخيول والرياضات التي تمارس في الهواء الطلق، وحياة الريف بوجه عام. لكن مع توقف منح مكانة النبالة المتوارثة في كل مكان في الوقت الحالي، فإن مصير هذه الطبقات المنغلقة سيئول إلى تضاؤل حجمها ببطء حتى اختفائها بالكامل.
إلا أن الآثار المادية والمرئية لأجدادهم - سواء الشخصية أو الجماعية - يمكن العثور عليها في كل مكان في صورة نصب تذكارية ونقوش وأضرحة وأسماء شوارع وحانات ومتنزهات، وفوق كل هذا المنازل الريفية أو «المنازل الفخمة»؛ فرغم اختفاء المئات منها في القرن العشرين، لا يزال عدد كاف منها باقيا من أجل تذكير المواطنين في الدول الديمقراطية - التي استاء معظم ملاك هذه المنازل بمرارة من تأسيسها - بمن كانوا يعطون الأوامر لأجدادهم. أصبح الكثير منها حاليا مفتوحا أمام عامة الشعب مقابل تذاكر، واخترع من بقي من أصحابها وظيفة جديدة لأنفسهم وهي الوصاية على تراث ثقافي يفترض أنه شيد بعناية فائقة على أيدي أجيال من الأسلاف. في الواقع، كان كثير من هؤلاء الأسلاف لا يزيدون عن كونهم مجرد جامعين معتادين للمال، ولم يكترث عدد أكبر منهم - مؤخرا على الأغلب - بنوعية ما ورثوه ونظروا إليه على أنه عبء حقيقي. ومع هذا فإن الثراء الفني والثقافي الذي تحتويه هذه المنازل وتمثله ما زال - رغم مرور أكثر من قرن من الدمار الاقتصادي والسياسي - مبهرا ومهيبا في بعض الأحيان. إنها تسلط الضوء على الكيفية التي استطاع بها الأرستقراطيون على مدى قرون استغلال عمل الآخرين وتحقيق ربح منه في سبيل رفاهيتهم ومصلحتهم. ومع هذا يبدو أن الصور والمصنوعات والمعروضات الزخرفية لم تكن هي صاحبة أكبر تأثير على الزوار في العصر الحديث؛ فقد كانوا أكثر اهتماما بالمطابخ وغيرها من محتويات الدور السفلي المخصص للخدم؛ فهم يستطيعون التعرف بسهولة أكبر على هذا المكان، مدركين أن مأوى الخدم كان المكان المخصص لأسلافهم، الذين ولدوا ليخدموا كبرياء وغطرسة من يعيشون في الأعلى منهم.
على الرغم من سلوكيات التوقير الفطرية المتبقية والمتقطعة، قلما نجد أناسا في العصر الحديث يؤمنون بأي نوع من التميز الفطري. وهم يكرهون أي شيء يوحي بأن ثمة أشخاصا ما زالوا يدعون مثل هذا التميز. فلا وقت لديهم «لبقايا النظام الإقطاعي»، كما وصفت ابنة اللورد ريديسدال الصغرى والدها بعدم اكتراث في حضوره. في الواقع، نظرا لكون هذا اللورد من بارونات الجيل الثاني، فإنه كان مثل معظم الأرستقراطيين لا ينطبق عليه هذا الوصف. مع هذا فإن الأرستقراطيين يحبون التعتيم على آثارهم السحيقة، التي قامت عادة على العنف والجشع والاستغلال القاسي للأضعف منهم. كرس كاتب اليوميات جيمس ليز-ميلن - ابن أحد رجال الصناعة المتنكر في صورة أحد النبلاء ملاك الأراضي، لكنه تعلم (في جامعتي إيتون وأكسفورد وانضم للحرس) ليصبح نبيلا حقيقيا - حياته الطويلة لإنقاذ المنازل الريفية؛ فقد كان يقابل ملاك هذه المنازل يوميا تقريبا، وكان على معرفة وثيقة ببعض من أكبر الملاك؛ لذا فإن أحكامه جديرة بالاحترام. وقد كتب في عام 1996م - قبل عام من وفاته - قائلا: «لقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن الأرستقراطية كانت دوما هراء، وأنا أعترف أنني أيضا قد خدعت بها. مع هذا ما زلت أؤكد على أن المحترمين والمتعلمين منهم يحققون مستوى من السعادة والنجاح لا يمكن لأي طبقة أخرى في العالم أن تفوقه.»
Page inconnue