إهداء الأوبرا
تصدير
تلحين الأوبرا
موضوع القصة
أشخاص القصة
نسق التمثيل
تمثيل القصة
الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
إهداء الأوبرا
تصدير
تلحين الأوبرا
موضوع القصة
أشخاص القصة
نسق التمثيل
تمثيل القصة
الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أردشير وحياة النفوس
أردشير وحياة النفوس
قصة غرامية تلحينية
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
إهداء الأوبرا
إلى روح المرحوم الشيخ سيد درويش (نابغة الموسيقى المصرية).
تصدير
لما عهد إلي مدير (شركة ترقية التمثيل العربي) في مصر بوضع قصة تلحينية تمثيلية من نوع الأوبرا مستمدة الموضوع من (ألف ليلة وليلة) ترددت في بادئ الأمر، ثم قبلت أخيرا لا اعتقادا مني بأن موضوعات (ألف ليلة وليلة) هي أنسب الموضوعات للأوبرا المصرية، ولا ولوعا بالاقتباس، ولا خوفا من التأليف الأصيل، وإنما لمحض رغبتي في اكتساب ثقة رجال التمثيل بدعوتي إياهم إلى السمو بموضوعنا كيفما كان نوع التمثيل، فأردت أن أبرهن بإعداد هذه القصة التمثيلية في نيف وستين وخمسمائة من الأبيات المنوعة، كما طلب إلي - بعد اقتباسها من روايتها الطويلة الواقعة في نحو خمس وثلاثين صفحة من الجزء الثالث لكتاب (ألف ليلة وليلة) - بأن عزوفي عن هذا المصدر لا يرجع لعامل العجز في التصنيف وإنما لدافع قومي تهذيبي.
وحرصا على مبدئي هذا وحبا في خدمة الفن الخدمة الواجبة حرصت في تأليفي: أولا؛ على أن أجعل للقصة مغزى أدبيا أجل من مغزاها الأصلي بما بثثته فيها من شرح وآراء نفسية. ثانيا؛ أن أخدم الشعر القصصي التمثيلي الخدمة المستطاعة في الحدود المعينة لي. ثالثا؛ أن أؤدي كل ما في هذه القصة الطويلة من حوادث هامة إشارة أو تمثيلا بحيث أدل بذلك على إمكان تأليف القصة مهما طال أصلها في القوالب الشعرية العربية في أي مجال يستحسن ويحدد. رابعا؛ أن أخدم تمثيل الأوبرا ذاته باختيار الفصول وتنظيمها وبنمط القصة وبيانها الشعري الموسيقي، فضلا عن اختيار موضوع القصة الذي لم يطرقه مؤلف مسرحي من قبل، منعا للتكرار والنقل المتفشي للأسف بيننا.
في هذا الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى تأصيل الشعور الوطني والاعتداد به أعتقد أن الأولى بنا والأحجى أن لا ندع الأقلام تشط في التأليف المسرحي مستمدة وحيها من الخرافات الفارسية والهندية ونوادر العامة ونحوها التي يتألف منها كتاب (ألف ليلة وليلة) وأشباهه، بينما لدينا مادة خيالية وتاريخية وقصصية أدبية لا تفنى في تاريخ مصر قديما وحديثا، وهكذا نستطيع أن نخدم الفن والروح القومي والأدب في وقت معا. وبديهي أني لا أحرم ذلك الاقتباس وإنما أنتقد التهالك عليه، والولوع بالموضوعات الأجنبية، بينما لدينا في قصص البردي وفي تاريخنا القديم الكثير من العجيب المستملح الجدير بالإحياء المسرحي.
بهذا الروح نظمت هذه القصة وقد أنظم غيرها من نوعها في هذا الدور - دور الانتقال من المحافظة البالية إلى التفنن الجديد - باذلا جهدي للجمع بين الخدمة الأدبية التهذيبية وبين الخدمة المسرحية الفنية، ولكن أحب الآمال لدي إنما هو خدمة المسرح من الوجهة القومية أيضا كيفما كان نوع التأليف، وهو ما أعاهد الأدباء عليه فيما سينشر من تآليفي المسرحية إذا سمحت الصحة والأجل.
الإسكندرية في 25 مايو 1927
أحمد زكي أبو شادي
مقدمة الكتاب
بقلم محمد سعيد إبراهيم
رابطة الأدب الجديد
يروج في المسرح المصري في السنوات الأخيرة نوع من القصة التمثيلية أطلق عليه زورا اسم «الأوبرا» لدخول الغناء فيه، وقد حوت تلك القصص من صنوف التدجيل والمساخر ما يزري بالاسم الذي أطلق عليها، وأكبر ما تستند عليه في اجتذاب جمهور الناس التجاؤها إلى النكات الغثة والفكاهات السطحية التي شاعت بين العامة، ولم تكن تعنى بعد ذلك بأوضاع التأليف الفني ولا بما تبنى عليه القصة الصحيحة. وقد جازت هذه السلعة على الناس ونفق سوقها بينهم لإرضائها روح الفكاهة الفارغة فيهم، وهي قد جارت - بتهافت الجمهور عليها - على فنون المسرح الجدية واكتسحتها إلى حد كبير، ولكننا لا نرى فيها ما يدعو إلى الخوف على مصير التمثيل في مصر؛ إذ إن مآلها العاجل أن تصبح حروفا خرساء.
أثر واحد قد خلفته هذه الروايات في تاريخ النهضة الفنية في مصر لا نريد أن نجحد فضله إذا جزنا هذا الدور الذي مر به التأليف المسرحي: هذا الأثر هو ما صحبها من النشاط الموسيقي الذي أسبغ على الأغاني الشعبية روحا جديدة وأنتج من التآليف الموسيقية في سنوات قليلة بعد الحرب الكبرى ما يربو على منتجات الموسيقى منذ أيام عبده الحمولي. وكان السيد درويش علما كبيرا في هذه النهضة، وكانت أشباه الأوبرات الممسوخة التي تكلمنا عنها حافزا لفنه، وفيها أودع الجانب الأوفر من أغانيه. ومنذ ذلك الوقت تفتحت أمام الموسيقى المصرية آفاق واسعة؛ إذ تناولت موضوعات لا عهد لها بها من قبل، فتخلصت بذلك من طابع التهاون والاطراد، وتحررت من روح الاسترخاء وعذوبة التلحين التي لا يراعى فيها معنى ولا موضوعا، وبدأنا نرى فيها موسيقى معبرة صادقة، وأدرك الملحنون أن الموسيقى تعبير مصور وليست مجرد إيقاع عذب وتلاعب بليد بالأصوات!
الأستاذ محمد سعيد إبراهيم (سكرتير رابطة الأدب الجديد).
بعد هذه المقدمات الموسيقية أفسح السبيل لظهور الأوبرا الراقية في ميدان الإنتاج الفني وأصبح من المستطاع أن تخرج القصة الشعرية في ثوبها الغنائي المسرحي، فإذا نحن تناولنا الكلام عن الموسيقى والموسيقيين فذلك لأن الموسيقى تقاسم الشعر فضل إخراج الأوبرا، ولأن تاريخ الأوبرا في الأمم التي ظهرت فيها بأوروبا كان في الحقيقة تاريخا للتطور الموسيقي؛ ولهذا السبب كانت الأوبرا آخر أنواع التآليف المسرحية في الظهور في مصر لاعتمادها على فن آخر لا قيام لها بدونه.
والأستاذ أحمد زكي أبو شادي من واضعي الحجر الأول في إيجاد الأوبرا في مصر، وربما كانت إقامته الطويلة في أوروبا التي أتاحت له الوقوف على مختلف فنون المسرح هي التي جعلته أسبق من غيره من الشعراء وأنفذ بصرا في إدراك افتقار التمثيل إلى هذا النوع من الروايات التمثيلية، وكان وهو الشاعر الفياض المطبوع أطلق من غيره يدا في الشعر القصصي، وأمضى في اقتحام هذا الطريق المجهول في الأدب العربي، ولا نشك في أن شاعرا مثله جدير بأن يضطلع بهذا العبء وينهض به.
وقد كانت (إحسان) أولى أوبراته الكبرى التي نشرتها (رابطة الأدب الجديد) منذ أمد قليل وها هو يتبعها (بأردشير) التي تتشرف (الرابطة) بأن تقدمها إلى الجمهور بهذه الكلمة.
وقد أشار المؤلف في كلمة التصدير إلى موضوع هذه القصة، وأعذر في التجائه إلى كتاب (ألف ليلة وليلة) لأخذ هذه الأسطورة التي بنيت عليها الأوبرا (أردشير). وهو إن كان قد خرج بعض الخروج عما عاهد نفسه عليه في الرجوع إلى مصادر التاريخ المصري في تآليفه، واستجاب لمطلب أحد مديري الفرق المسرحية في البلد، فليست استجابته إرضاء لرغبة فردية، بل هي في الواقع إرضاء لنزعة تغشى الجمهور عامة سواء في هذا البلد أو في غيره - نزعة الحنين إلى الجو السحري الذي يغمر قصص (ألف ليلة)، وذلك التطلع المتلهف إلى صور الحضارة الفارسية العربية وما لها من السناء والروعة الشرقية والرواء الباهر الذي يلمس من قلوبنا ناحية عميقة تسكنها روح الأساطير، نخلو إليها إذا مللنا ملابسة الواقع الغث المألوف جماما للنفس وروحة لها. والفن على كل حال له روحه الإنسانية العامة التي لا تعنى كثيرا بالعصبية القومية، وإنا نرى أن الفن المصري نفسه لن يخسر بحال من الأحول إذا تساهل المؤلف وأحل نفسه قليلا مما عاهد نفسه عليه. وربما كان من الخير له أن يقف على أهواء أهل جيله ويترضاها بعض الرضاء ليحل فيها محلا يمكنه من التسلط عليها وحملها على ما يريده بالرفق واللين.
وقصة (أردشير) كغيرها من قصص (ألف ليلة) ليست لها من الوجهة التاريخية قيمة، فلا وجود لأبطالها لا في التاريخ العربي ولا الفارسي، ولكن هذا لا ينقص من قيمتها كموضوع لقصة تمثيلية، إذ سواء في الفن القصصي أن تتخذ مادته من الروايات التاريخية الصحيحة أو من الأساطير، والصدق الفني الذي نتطلبه في القصة هو الصدق في خلق الشخصيات وترتيب الحوادث. والأساطير نفسها فيها من صدق التصوير للحياة الإنسانية في سذاجة لا أثر للصنعة فيها مما يدخلنا في صميم البيئة التي نشأت فيها.
و(أسطورة أردشير) مثال له أشباه كثيرة في الأدب العربي والفارسي تتبين فيها طرائق الحب في بلاد الشرق التي عرفت الحجاب أو ما يسمى تقاليد «الحريم». وأردشير بطل هذه القصة مثال العشاق من أولاد الملوك الذين يتخذون الحب نوعا من اللهو يشبه الصيد والقنص، كما يجرون وراء الغرائب والأماني العسيرة الممتنعة، فإننا نراه في هذه القصة يجد وراء (حياة النفوس) كماجد چيسون
Jason
في البحث عن الجزة الذهبية، ونرى في الأسطورة نوعا من الحب قد لا نراه في غير بلاد الشرق: ذلك الحب الذي يسوق رجلا إلى امرأة لم يعرفها أو هو حب الرجل لفكرة المرأة المجردة!
الجمال الفني: الشعر والموسيقى والتصوير (هدية الأستاذ الفنان عنايت الله إبراهيم).
وللأستاذ أبي شادي أسلوب خاص في الشعر قد لا يرضي طائفة من القراء والأدباء قد أولعت بالأناقة اللفظية، ولا بد لنا في هذه المناسبة من أن نحدد أثر هذا الأسلوب في كتابة الأوبرا، ولا نريد في الوقت نفسه أن نتعرض هنا لمناقشة وجوه الرأي في موقف تلك الطائفة وما هي عليه من خطأ أو صواب. أمامنا الآن قصة شعرية غنائية لم تكتب لتقرأ فقط بل لتظهر على المسرح وتكون قطعة فنية يشهدها الخاصة والعوام. هكذا يريد لها مؤلفها وغير مؤلفها: فهو يبغي قبل كل شيء أن يعرض أمام الناس فنا سائغا مفهوما سهلا لا أن يجعلها معرض صناعة كلام، وطنطنة ألفاظ تعودنا أن نسمعها في كل شعر يقال في مصر، ولا نستثني من ذلك إلا أقلية الشعر الذي يكتبه المجددون ... ومثل تلك الأساليب التي تعنى بأدب الشكل في الصياغة اللفظية ولا يهمها الجوهر كفيلة بأن تميت بطريقتها أبرع فنون الأدب إذا ظهرت في ثوبها! وقام بسببها في أذهان الناس أن الشعر تجمل وضرب من ضروب الشعوذة لا طائل من ورائه! ولم يجر الشعر إلى هذا الحضيض وينفر الناس منه في هذا البلد إلا ما درج عليه أغلب الشعراء من تقليد العرب وتأثرهم بمعاييرهم الأدبية فيما يسمونه بشرف الديباجة وجزالة اللفظ إلى أمثال تلك الدعاوى العريضة التي لا نسمع عنها في لغة أخرى غير اللغة العربية! فلمؤلف هذه القصة من جرأته في نبذ تلك التقاليد ما يجعل له فضلا في إعطاء الشعر روحا مصرية غير الروح العربية التي نزيفها، وقد قرب بذلك مسافة الخلف بين اللغة العربية وبين الروح العامة في لغة النشر والحديث، وأفاض عليها لونا يتفق مع طريقة التمثيل وروح الغناء.
الشاعر (هدية الأستاذ الفنان عنايت الله ابراهيم).
تلحين الأوبرا
أيصدق القارئ أن المكافأة التي طلبها ملحن مصري معروف لوضع موسيقى هذه الأوبرا لا يقل عن ألف جنيه، بينما يعلم أن الشاعر المؤلف لن ينال عشر هذا القدر جزاء تفكيره وإيحائه ونظمه؟ ... لا شك في أنه يصعب على القارئ هذا التصديق ... ولنزده علما بأن ملحنا آخر مشهورا لم يستطع تخفيض مكافأته المطلوبة عن خمسمائة جنيه! وهكذا تقام العراقيل عن غير قصد في سبيل نهضة الأوبرا المصرية ...
لسنا من يعترض على حسن مكافأة الملحنين بل نرى هذا واجبا على الفرق التمثيلية تشجيعا لهم على الإتقان الذي تعود نتيجته بالربح الجزيل على هذه الفرق ذاتها، ولكننا في وقتنا الحاضر تعوزنا روح التعاون والتضحية في سبيل النفع العام، وما دام المؤلف يضحي وقلما يتناول أكثر من خمسين جنيها ثمنا لجهده في قصته المسرحية، فالمنتظر من الزملاء الملحنين الأفاضل أن يجاروا هذا الروح إلى أن تتكون وتنهض الأوبرا المصرية الصحيحة، وليس المنشود المراعاة المادية فقط بل العمل على بلوغ أسمى المستطاع من إتقان، واستدراج الجمهور شطر الروح الغربية الراقية الواجب بثها في موسيقانا، ولا سيما في موسيقى الأوبرا.
وهنا أقف قليلا لأترحم على روح نابغة الموسيقى المصرية المغفور له الشيخ سيد درويش الذي أهديت إلى روحه وفنه نظيم هذه الأوبرا، فقد كان الموسيقي الوجداني المطبوع المعبر عن العواطف والمواقف والمعاني أجمل تعبير، المتنقل في غير كلفة بإبداع ساحر من موقف إلى آخر.
والأديب الذي يشهد الهزليات الموسيقية التي ظفرت بتلحينه لا يشق عليه أن يحكم - دون سابق معرفة - بأن أنغامها من وضع الشيخ سيد درويش، لما يتبينه فيها من روح جديد آخذ باللب، ومن تعبير حي لا يسأمه سامعوه، ومن نزعة أوروبية شائقة. وللأسف ترك الشيخ سيد درويش بموته فراغا لم يشغله ملحن نابغة ناشط حتى الآن، ولم يقلد إلا فيما كان يقدره لعمله من أجر عال! ولا تزال موسيقى التخت العقيمة متفشية في المسرح قاتلة للأوبرات، وواقفة في سبيل كل نهضة ميسورة.
كنت أتحدث في هذا الموضوع أمام الممثلة الغنائية الشهيرة السيدة منيرة المهدية فانتقدت عادة مسخ الأوبرات الأوروبية الشهيرة ووضع موسيقى مصرية لها، بدل ترجمتها شعرا وتطبيق الموسيقى الأوروبية على هذه الترجمة، فوافقتني على نقدي وأشارت إلى ما قام به الموسيقار المعروف الأستاذ كامل الخلعي
1
صاحب كتاب (الموسيقي الشرقي) في تلحين الأوبرا (كارمن
Carmen ) مطبقا الأنغام الأصلية بقدر الاستطاعة على الترجمة العربية، وأطرت الأستاذ الخلعي كما وافقتني على واجب العناية بنظم الأوبرا وأقرت نظراتي وملاحظاتي التي ذكرتها في ختام الأوبرا (إحسان). ولا أدري لماذا حاد ملحنونا عن هذا التطبيق الأمين في الأوبرات الأخرى المترجمة، ولماذا لم تعتمد الفرق التمثيلية على معاونة الشعراء في ترجمتها ترجمة منظومة حتى تستكمل شروط الأوبرا؟! وإذا كان الباعث على نفور ملحنينا من هذا التطبيق الرغبة في الإبداع، فلتكن هذه الرغبة مقصورة على التأليف الأصيل، وليتقوا حرمة الفن فيطلقوا موسيقى التخت المريضة التي جنت وما تزال تجني على ذوقنا الفني!
وكم اعتذر الملحنون عن قصورهم بجهل الجمهور المصري، وحاجتهم إلى مجاراته، وهذا عذر أقبح من الذنب، لا سيما والأوبرات تلحن وتمثل لخاصة الشعب ومتعلميه قبل عامته وجهلائه ... وهذه المسألة تذكرني بواقعة لا بأس من التنويه بها، فقد كنت أشهد (فرقة الكسار) وهي تمثل رواية (ملكة الجمال) فكان الجمهور مسرورا من فكاهات الرواية، متابعا مشاهدها وأغانيها بعض المتابعة، إلى أن غنى الشيخ حامد مرسي في (دور بيكولو) ومن معه (البنات الثلاث) الأناشيد الآتية، وحينئذ دوى المسرح بالتصفيق العظيم ... وما السر الأول في ذلك إلا موسيقاها الجديدة الأوروبية النفحة المخالفة مخالفة ظاهرة لبقية أغاني الرواية! فهل بعد ذلك يصح أن يلام الجمهور المصري على تقصير ملحنينا وجمودهم، وهل يسوغ عدلا أن يتهم في استعداده الموسيقي وفي ذوقه الفني؟!
أما الأغاني المشار إليها فها هي بنصها العامي معدلة قليلا كما سمعتها:
بيكولو :
أتاري الحياة الهنيه
دي كانت خيال في خيال!
سحابه ومرت علي
ما كنتش تخطر في بال!
بلابل شجيه تغني
يا شوقي لأيام زمان!
سلبتيها يا دنيا مني
خوانه ولا لكيش أمان!
البنات الثلاث :
ينجي شبابك
دا نوحك يزيدنا
وتخفيف عذابك
يا ريت كان في إيدنا
بيكولو :
في إيدكم وقادرين عليه
وشرطا في غاية السهوله
يواسي الحزين زيي إيه
في شدة آلامه المهوله
خلاف المؤانسه
وحسن المجانسه
ونظره لطيفه تنسي الوجود
ولمسه لطيفه لورد الخدود!
البنات الثلاث :
الكلام ده مين يقوله
والممات جنبه قريب
كل شيء تقدر تقوله
بس ما يكونشي معيب
بيكولو :
الهوى الصافي النزيه
أجمل ما فيه
الشرف لا بد ينصان في حمى
طول ما فهش عله
في الأرض تنافيه
الملايكه تباركه في أعلا السما
وليست معاني ولا مباني هذه الأغاني بأحسن ما في الرواية من نظم الأستاذ بديع خيري، ولكنها جاءت معبرة عن الموقف وعاونتها الموسيقى في ذلك بإخلاص تام، فنجحت نجاحا عظيما وصفق لها النظارة المستمعون طويلا واستعادوا بتصفيقهم الحار. ولا أدري كيف فات حضرة الملحن وحضرة مدير الفرقة ملاحظة هذه الظاهرة سواء في هذه الرواية أو في غيرها من الهزليات الموسيقية، مما يعزز رأيي في أن صفوة الجمهور المصري أصبحت أكثر تعلقا بالتجديد والتنويع والنفحة الأوروبية، وأكثر عزوفا عن موسيقى التخت السقيمة.
وبعد، فلا أرى مفرا من طرح هذا السؤال وهو: إذا كان الملحنون المصريون لا يقدرون المسئولية الفنية الملقاة عليهم، ولا يحفلون بواجبهم الوطني التهذيبي، ولا يعنون بالاستمرار على تكوين أنفسهم بالدرس والاطلاع والإنتاج الصالح، ولا يهتمون بالتعاون مع المؤلف الشاعر على إنشاء وترقية الأوبرا المصرية، فماذا يبقى للأخير؟ أيكتفي بجهده الأدبي ويقنع بأداء نصيبه من التأليف؟ أم يبحث بين الأوروبيين على موسيقار مستعرب مجيد ويتعاون معه على الإخراج الموسيقي؟ أم يظل متعلقا بخيط من الأمل الضعيف زمنا أطول؟
وكما أبرئ الجمهور من حب الجمود فكذلك لا أرى من العدل أن يكال اللوم لمغنياتنا ومغنينا المسرحيين، فقد أظهر الجميع استعدادا مشكورا للتنقل إلى الأمام نحو الأكمل كلما أتحفهم المؤلفون والملحنون بشيء جديد راق، وإذا صح أن أغلبية الشعراء في مصر محافظون فالأصح أن كل الملحنين المصريين تقريبا جامدون، وماذا يجدي مثلا استثناء الدكتور صبري وعبد الوهاب أو غيرهما إذا كانا لا ينتجان، أو ما دام إنتاجهما قليلا جدا؟!
قدموا يا سادتي النقاد للسيدة منيرة مثلا أوبرا راقية التلحين ثم لوموها بعد ذلك إذا ما هي قصرت في التمرن الوافي على غنائها بالإتقان الفني المطلوب. أما والأغاني التي تعرض عليها عادية، وهي مقيدة بأنغامها، فلا وجه للومها إذا هي اضطرت إلى مراعاة تلك القيود ... وإذا كانت الروايات الغنائية المصرية لا تعمر طويلا فلوموا الملحن قبل لوم المؤلف الأمين المجتهد، وقبل لوم المغنية والمغني، ما دام ما ينتجه فنه لا يصلح للحياة، بينما المنتجات الأوروبية الراقية تعيش خالدة، وتسمع في دور التمثيل كما تسمع في القصور والمنازل، وفي الأندية والحفلات والمشارب، وفي جميع الحواضر المتمدنة بلا تمييز بين قطر وقطر وبين أمة وأخرى.
فاليوم الذي يتقن فيه تلحين الأوبرا في مصر لهو فتح جديد لثقافتنا الأدبية لأنه سيزيد نشاط الشعر العصري الجديد، كما أنه سيخرج لنا بدائع فنية جديرة بالذيوع القومي، وربما استحق بعضها الذيوع العالمي أيضا، فيكون بمثابة دعاية صالحة للثقافة المصرية تكسبنا تقدير واحترام الشعوب الراقية.
أحمد زكي أبو شادي
موضوع القصة
تلخيص عن «ألف ليلة وليلة»
كان بمدينة (شيراز) ملك عظيم يسمى (السيف الأعظم شاه) وكان قد كبر سنه ولم يزرق ولدا، ثم خدمه الحظ أخيرا ورزق وليا لعهده فسماه (أردشير)، وكان جميل الطلعة فهذبه والده وعلمه إلى أن شب وترعرع، وكان قبلة آماله ورعايته. وكان بالعراق ملك يسمى (الملك عبد القادر)، وكانت لهذا الملك بنت جميلة تسمى (حياة النفوس)، وكانت تبغض الرجال وترفض الزواج، وقد خطبها من أبيها الملوك الأكاسرة دون نجاح، وكانت تهدد والدها بالانتحار إذا ما اضطرها إلى الزواج.
فسمع ابن الملك (أردشير) بذكرها فتعلق بها، ثم ازداد كلفه فأعلم والده بذلك، فنظر إلى حاله ورق له وصار يكرر له وعده بالزواج منها، ثم أرسل وزيره إلى أبيها ليخطبها فأبى، فلما رجع الوزير من عند الملك (عبد القادر) وأخبره بما اتفق له معه وأعلمه بعدم قضاء حاجته شق ذلك على الملك (السيف الأعظم شاه) واغتاظ غيظا شديدا، وكاد يعقد نيته على غزو بلاد الملك (عبد القادر) وتخريبها، وقال: هل مثلي يرسل إلى أحد من الملوك في حاجة فلا يقضيها له؟! ثم أمر بالاستعداد العظيم لمحاربته، فلما بلغ ولده (أردشير) هذا النبأ الخطير قال لأبيه الملك: «أيها الملك الأعظم لا تكلف نفسك بشيء من هذا وتجرد هؤلاء الأبطال والعسكر وتنفق مالك فإنك أقوى منه، ومتى جردت عليه هذا العسكر الذي معك أخربت دياره وبلاده، وقتلت رجاله وأبطاله، ونهبت أمواله ويقتل هو أيضا، فيبلغ ابنته ما يقع لأبيها وملكه من جرائها فتقتل نفسها، وحينئذ أموت أنا أيضا بسببها، إذ لن أعيش بعدها أبدا.» فقال له الملك والده: «فما يكون رأيك يا ولدي؟» قال له: «أنا أتوجه في حاجتي بنفسي، وألبس لبس التجار، وأتحايل للوصول إليها، وأنظر كيف يكون قضاء حاجتي منها.» فقال أبوه: «هل صممت على اختيار هذا الرأي؟» فقال له: «نعم يا والدي!» فدعا الملك بالوزير وقال له: «سافر مع ولدي وثمرة فؤادي، وساعده على مقاصده، واحتفظ عليه، ودبره برأيك الرشيد، فإنك معه عوضا عني.» فقال الوزير: «سمعا وطاعة!»
ثم إن الملك والملكة أعطيا الأمير فوق حاجته من الذهب وأعطياه أيضا جواهر وفصوصا ومصاغا ومتاعا وذخائر وقلائد وملابس وتحفا، وجميع ما كان مدخرا من عهد الملوك السالفين مما لا تعادله أموال، ثم أخذ معه من مماليكه وغلمانه ودوابه جميع ما يحتاج إليه في الطريق وغيره، وتزيا بزي التجار هو والوزير ومن معهما، وودع والديه وأهله وقرابته وساروا يقطعون القفار آناء الليل والنهار إلى أن بلغوا (المدينة البيضاء)، وهناك توطنوا ثم استأجر الأمير بمشورة الوزير دكانا فخما في سوق البزازين ونقلا إليه البضائع والتحف، وأقام فيه الأمير (أردشير) وغلمانه كتاجر ومساعديه، فكان يلفت الأنظار الكثيرة إليه لبهاء طلعته، وكانت الناس تتسامع به وبحسنه فيأتون إليه لغير حاجة ويحضرون السوق حتى ينظروا إلى حسنه ويتمتعوا بمرآه، وكثيرا ما ازدحم السوق براغبي التطلع إليه!
ولم يزل على هذه الحالة مدة إلى أن جاءته في إحدى الأيام سيدة عجوز ذات حشمة وهيبة خلفها جاريتان، وطلبت إليه أن يعرض عليها شيئا نفيسا فعلم بالتحري منها أنه للأميرة (حياة النفوس) فأراد إهداءه إليها، وقدم لها حلة نفيسة تساوي عشرة آلاف دينار، فتعجبت العجوز وحاولت معرفة سره، وأخيرا بعد المعاهدة على الكتمان حدثها بحديثه كله، فعطفت عليه وإن رأت أمنيته شبه مستحيلة، ووعدته بالمساعدة على أية حال.
وقد بدأت مساعدته بنقل كتاب حب منه إلى الأميرة «حياة النفوس» مع هديته وادعت للأميرة أنها لا تعرف ما تضمنه الكتاب فاستاءت الأميرة عند الاطلاع عليه، فأشارت عليها مربيتها العجوز بالرد عليه توبيخا، وهكذا أبقت صلة المراسلة بينهما زمنا. وأخيرا فطنت الأميرة إلى حيلتها فأمرت بطردها بعد ضربها ضربا مبرحا، ونقلتها إلى منزلها، فلما شفيت من إصابتها ذهبت لزيارة الأمير (أردشير) وأخبرته بما وقع لها، فتكدر جدا وقال: «والله عسر علي ما جرى لك. لكن يا أمي ما سبب كون الأميرة تبغض الرجال؟!» فقالت: «يا ولدي اعلم أن لها بستانا مليحا ما على وجه الأرض أحسن منه، فاتفق أنها كانت نائمة فيه ذات ليلة من الليالي، فبينما هي في لذيذ النوم إذ رأت في المنام أنها نزلت في البستان فرأت صيادا قد نصب شركا ونثر حوله قمحا وقعد على بعد منه ينظر ما يقع فيه من الصيد. فلم يكن إلا مقدار ساعة وقد اجتمعت الطيور لتلتقط القمح، فوقع طير ذكر في الشرك وصار يتخبط فيه، فنفرت الطيور عنه وأنثاه من جملتها، ولكن أنثاه لم تغب عنه غير فترة ثم عادت وتقدمت إلى الشرك، وما زالت تقرضه بمنقارها حتى خلصت طيرها، كل هذا والصياد قاعد ينعس! فلما أفاق نظر إلى الشرك فرآه قد انفسد ... فأصلحه وجدد نثر القمح وقعد على بعد من الشرك، فبعد ساعة إذا بالطيور قد اجتمعت عليه ومن جملتها الأنثى والذكر، فتقدمت الطيور لتلتقط الحب، وإذا بالأنثى قد وقعت في الشرك وصارت تختبط فيه، فطار الحمام جميعه عنها وطيرها الذي خلصته من جملة الطيور ولم يعد إليها! وكان الصياد غلب عليه النوم ولم يفق إلا بعد مدة مديدة، فلما أفاق من نومه وجد أنثى الطير في الشرك ... فقام وتقدم إليها وخلص رجليها من الشرك ثم ذبحها ... فانتبهت بنت الملك وهي مرعوبة، وقالت: هكذا تفعل الرجال مع النساء! فالمرأة تشفق على الرجل وتضحي بروحها لأجله وهو في المشقة، وبعد ذلك إذا قضى عليها المولى ووقعت في مشقة فإنه يفوتها ولا يخلصها ويضيع ما فعلته معه من المعروف ... فلعن الله من يثق بالرجال، فإنهم ينكرون المعروف الذي تفعله معهم النساء! ثم إنها أبغضت الرجال من ذلك اليوم».
فقال ابن الملك للعجوز: «يا أمي! أما تخرج إلى الطريق أبدا؟» قالت: «لا يا ولدي! إلا أن لها بستانا، وهو متنزه من أحسن متنزهات الزمان، وفي كل عام عند نضوج الأثمار فيه تنزل إليه وتستعرضه يوما واحدا ولا تبيت إلا في قصرها، وما تنزل إلى البستان إلا من باب السر وهو واصل إلى البستان. وأنا أريد أن أعلمك شيئا، وإن شاء الله يكون فيه صلاح لك، فاعلم أنه بقي إلى أوان الثمر شهر ثم تنزل الأميرة إلى البستان، فمن يومنا هذا أوصيك بأن تذهب إلى خولي ذلك البستان وتجتهد في اكتساب مودته وصداقته، فإنه ما يدع أحدا من خلق الله تعالى يدخل هذا البستان لكونه متصلا بقصر بنت الملك، وسأعلمك قبل نزولها بيومين فتذهب أنت على جاري عادتك وتدخل البستان وتتحايل لتبيت فيه، فإذا نزلت بنت الملك تكون أنت مختفيا في بعض الأماكن فإذا رأيتها فاخرج لها، وهي لا بد مفتتنة بجمالك!»
ثم عرفته العجوز مكان بيتها وعرفها مكان منزله، وأخذ الأمير (أردشير) بمشورة وزير والده ومساعدة ماله يتودد إلى البستاني (باعتباره ابن الوزير وباعتبارهما غريبين عن المدينة ولا يعرفان شيئا عن البستان وأصحابه، وإنما يحبان الخلوة والطبيعة)، وكان البستاني شيخا هرما. وأخيرا أشار الوزير بإصلاح القصر العتيق المقام داخل البستان من مالهما ليكون ذلك مدعاة إلى بر أصحابه به، فشكر لهما هذه المروءة والإنسانية وأحضر البنائين والمبيضين والدهانين لإصلاحه، وأوحى الوزير إلى الأخيرين برسم صورة حلم الأمير كما علمه من (أردشير) نقلا عن مربيتها العجوز، مع إضافة تصوير الطير الذكر (الذي لم يعد لتخليص أنثاه) مختطفا في مخالب جارح حيث ذبحه وشرب دمه وأكل لحمه، وأوصاهم بحسن الدهان والتزويق.
وأما عن الأميرة (حياة النفوس) فقد اعتادت أن تستصحبها مربيتها على الأخص في مشاهدة البستان عند أوان الفاكهة، فلما وافتها أنواع من الفاكهة الجديدة وتاقت إلى النزول إلى البستان تذكرت مربيتها، فوبخها ضميرها على إساءتها إليها، وبعثت في طلبها لتصافيها ثانيا، وأخيرا اصطلحتا. ثم آن أوان نزول الأميرة إلى البستان فأخبرت العجوز الأمير (أردشير) بذلك مقدما، وتحايل هو بماله على صرف البستاني في ذلك اليوم.
ولما دخلت الأميرة (حياة النفوس) ومربيتها إلى القصر (الذي أصلح) أثناء التنزه في البستان حيث شاهدت تصوير الحلم دهشت الأميرة أيما دهشة، وتطرقت العجوز من التعليق على ختام الحلم إلى مدح شهامة الذكور وتضحياتهم في سبيل إناثهم بما أدى إلى نفي بغض الأميرة للرجال! وسرت بإصلاح القصر فأمرت بمكافأة ألفي دينار للبستاني، ثم استدرجتها مربيتها العجوز وحدها للتنزه في بقية البستان إلى أن جمعتها بالأمير (أردشير) الذي اتفقت قبلا معه على الظهور من مخبئه عندما تقول: «يا حنينا بلطفه» إلخ. فتوثقت المحبة بينهما على الفور! وخشيت العجوز من الافتضاح فأدخلتهما القصر وقعدت على بابه، وقالت للجواري عند ظهورهن: اغتنمن الرياضة والتنزه فإن الأميرة (حياة النفوس) نائمة! وهكذا تمكنا من تبادل كئوس الهوى حتى قبيل الغروب ثم افترقا على وعد التلاقي! وهكذا اشتعلت نار الغرام في قلبيهما، وبمساعدة المربية العجوز ومشورتها تمكن الأمير (أردشير) من التسلل إلى القصر الملكي متخفيا بزي امرأة، حتى بلغ مقصورة الأميرة التي عرفته بمجرد أن كشفت عن وجهه، فضمته إلى صدرها وفرحت بلقائه، وحرصت على بقائه فاستبقته لديها! ولكن أمرهما اكتشف في ليلة طاب لهما الشراب طويلا فلم يهجعا ولم يناما، اكتشفهما الخادم كافور (وكانت قد أساءت إليه) وهي راقدة في حضن الأمير، فأبلغ والدها بعد وضع الحراس عليها، فاستشار والدها الملك وزيره فأشار بقتلهما جزاء فجورهما ... الموهوم، وهكذا دفعا إلى الجلاد بأمر الملك (عبد القادر) الذي طلب أن لا يستشار ثانيا في أمرهما! فجرهما الجلاد إلى النطع، ثم آثر تأخير قتل الأميرة رجاء أن يصفح والدها الملك عنها. وبينما يتأهب الجلاد لقتل الأمير إذا بوفود الجند الشيرازي وعلى رأسه الملك العظيم (السيف الأعظم شاه) قد ظهرت بوادره بامتلاء الفضاء بالغبار ... فيحجم السياف عن تنفيذ حكم القتل، ويبلغ الملك عبد القادر بعد التحري أن من حكم بقتله إنما هو أمير حقيقي وأن هذا والده الملك العظيم وقد أتى باحثا عنه بعد أن استبطأ عودته، فيحمد الله على نجاته من القتل، وتتصافى القلوب وينتهي الأمر بخطوبة الأميرة (حياة النفوس) - بعد أن تحقق والدها من طهارتها وعفتها - إلى الأمير (أردشير) برضاء الملكين وسرورهما، وتقدم إليهما أنفس الهدايا ثم تسافر مع خطيبها وحميها الملك الأعظم ووزيره وجنده في أبهة وسعادة لا تحد، عائدة معهم إلى مقر ملكهم الكبير، تحفها جواريها وخدمها ومظاهر البذخ والملك الفخم.
أشخاص القصة
السيف الأعظم شاه:
ملك شيراز الكبير.
الأمير أردشير:
ولي عهده.
وزير السيف الأعظم شاه.
الملك عبد القادر:
ملك المدينة البيضاء أو بغداد.
الأميرة حياة النفوس:
ابنته.
وزير الملك عبد القادر.
مربية الأميرة.
الخادم كافور.
الجلاد.
تجار، جمهور، جند وحراس، وصيفات، راقصات، جواري، وخدم.
نسق التمثيل
وتصرف الشاعر في الوضع هو التصرف التأليفي الفني لضمانة التأثير ولعرض الحوادث الكثيرة في الحدود المسرحية المعقولة. (1) الفصل الأول
قصر الملك السيف الأعظم شاه. (2) الفصل الثاني
المنظر الأول:
سوق البزازين بالمدينة البيضاء. (يبقى معظم النور مطفأ وتنزل الستار لفترة دقيقة إعدادا للمنظر الثاني.)
المنظر الثاني:
بستان الأميرة والقصر المجدد. (3) الفصل الثالث
المنظر الأول:
مقصورة الأميرة. (فترة دقيقتين بين المنظر والآخر.)
المنظر الثاني:
مقصورة الملك عبد القادر. (4) الفصل الرابع (فترة دقيقتين بين كل منظر وتاليه.)
المنظر الأول:
ساحة الجلاد.
المنظر الثاني:
معسكر السيف الأعظم شاه وجنده على أبواب بغداد.
المنظر الثالث:
قصر الملك عبد القادر.
تمثيل القصة
الفصل الأول
(قصر الملك السيف الأعظم شاه في شيراز: منظر الإيوان والعرش، وقد انتظم كبار الحاشية سيدات ورجالا ملتفتين بعض الالتفات إلى مدخل الإيوان لاستقبال الملك والملكة وولي العهد والوزير عن جانبي العرش.)
حاشية القصر (تغني نشيد الاستقبال) :
الجلال والسياده
للملوك * الأكابر
والجمال والعباده
لا الشكوك * للأزاهر •••
يا مليكا مستعزا
ساد من حب الرعيه
عش لشعبك! عش لشعبك!
لن ينال الملك عزا
ومكانا في البريه
دون حبك! دون حبك! •••
الجلال والسياده
للملوك * الأكابر
والجمال والعباده
لا الشكوك * للأزاهر •••
جنة الأرواح أنت
أنت يا خير مليكه
في الزمن!
عشت للدنيا وعشت
ربة دون شريكه
للمنن! •••
الجلال والسياده
للملوك * الأكابر
والجمال والعباده
لا الشكوك * للأزاهر •••
يا ولي العهد أهلا
بالعلى فيك وسهلا
بالأمير (أردشير)!
أنت آمال المعالي
أنت عنوان الكمال
يا منى الشعب الكبير! (يدخل الملك وبجواره الملكة ويمشيان ببطء، وقد حمل ثلاثة من الحاشية ذيل طيلسانه كما حمل وصائف الملكة الثلاث ذيل طيلسانها، ثم يتبعهما ولي العهد الأمير أردشير ثم الوزير العائد من السفر بعد المفاوضة في خطوبة حياة النفوس بينما الحاشية تتم النشيد. ويتوجه الملك والملكة إلى كرسي العرش بينما يقف ولي العهد والوزير مواجهين لهما.)
الجلال والسياده
للملوك * الأكابر
والجمال والعباده
لا الشكوك * للأزاهر
هذه أنوار عرش
دائم الإشراق باق
للفخار!
صانه من قبل جيش
حب شعب في ائتلاق
وازدهار! •••
الجلال والسياده
للملوك * الأكابر
والجمال والعباده
لا الشكوك * للأزاهر
الملك السيف الأعظم شاه (غاضبا) :
كيف هذا يا وزيري؟
كيف هذا؟ كيف هذا؟
إنني الشاه الأجل!
الوزير (مهدئا) :
عذره مولاي في الر
فض اعتذار من فتاته
فهي لا ترضى زواجا
من مليك أو أمير
الملك (مستمرا في غضبه) :
كيف لا يرضى طلابي
صاحب الملك الصغير
وطلابي مجده؟!
لست من يرضى الإهانه
لست من يرضى الإهانه
سوف أجزيه السعير!
ولي العهد الأمير أردشير :
مولاي حلمك
الوزير (مهدئا) :
صفحا
مولاي أنت العظيم
خير لنا بذل جهد
أوفى وسعي حكيم
ليس العقاب نجاحا
كم من قوي غريم!
الملك (عاتبا متشددا) :
يا وزيري كيف ترضى
لي هوانا؟ كيف ترضى؟
منزلي الشمس وقدري
لن يداني الدهر أرضا!
الوزير (مستعطفا) :
سيدي عفوا وحلما
الملك (منذرا) :
سوف أزجي الجند حتى
يهدموا البلدان هدما
ويذيقوه الوبال!
أيرد الغر سؤلي
وهو تشريف وأسمى
ما تمناه الرجال؟!
ليس ابني (أردشير)
غير تاجي ... حين هما
كان نجما للجلال!
بنته مهما تعالت
لا تدانينا فمهما
حاولت تبغي المحال!
الأمير أردشير (مهدئا) :
سيدي! والدي! مليكي! حكيمي!
لي بيان ولي رجاء البصير
إذنك الآن ثم حكمك فيما
أرتجي حكم سيد مستنير
الملك :
قل ما بدا لك لكن
لا تطمعن بصفحي
وكيف تطلب عذرا
له وجرحك جرحي؟!
الملكة (مستعطفة) :
بالله دعه يفدنا
عن رأيه يا مليك
أنت الحكيم ولكن
من حقه أن يليك
وربما صاغ رأيا
تراه قد يكفيك
الملك :
قل (أردشير)
قولا صوابا
كن كالمشير
يدعو مجابا
الأمير أردشير :
مولاي ما أبغي رضى عمن جنى
لكني أروي اعتذارا معلنا
ثم الذي قد عن لي خيرا لنا
حتى نرى ما يرتجى أو يجتنى
الملك (راضيا) :
قل (أردشير)!
الملكة (متوسمة خيرا) :
قل (أردشير)!
الحاشية :
باسم المليك باسم المليكه
قل ما بدا لك!
أنت الأمير!
الأمير أردشير (متشجعا في المشورة) :
مولاي! هل عاداك (عبد القادر)؟
كلا! ولكن رام عذر العاذر
ففتاته تعصي لداع قاهر
الخاطبين لها وإن فاضوا غنى!
تأبى الزواج كأنه موت لها
لا حيلة منها وليس تألها
لكنه خوف تملك عقلها
خوف الرجال ولو ملوكا في السنى
فإذا بعثت له بجيش فاتح
وهدمت ملكا بانتقام فاضح
وذبحت شيعته كبعض ذبائح
فلقد تفوز وما تنال سوى العنا!
الانتحار لها علاج بين
إن خرب الملك الذي هو هين
فتموت ثم أموت، ذاك تدين
للعاشق الوافي إذا فقد المنى!
الحاشية (في تأثر) :
لا تجزعن! لا تجزعن!
أنت الأمير! أنت الأمير!
الملكة (متلهفة) :
يا حياتي لا تخف!
الملك :
قل ما بدا لك لا تخف !
ماذا ترى؟ ماذا ترى؟
الأمير أردشير :
أما أنا فأرى النجا
ح لدى التحايل لا الحسام
ما عاب قدرك إن حلم
ت وإن عطفت على غرامي
فمشورتي سيري إلى
بلد به نجوى هيامي
في زي فرد تاجر
متنكرا بين الكرام
وهناك أبحث عن طري
قي للسعادة والسلام
حتى أفوز بقربها
وأنال محسودا مرامي!
الملكة (قلقة) :
أنا لا أجيز لك الرحي
ل مغربا دون النصير!
الحاشية :
يا ولي العهد لا
نرضى لك البعد الطويل
كلا ولا هذا الخطر!
الملك (في لهجة المرتاح إلى شجاعة الأمير) :
إن تكن أزمعت حقا أن تسير
نازحا حيث الأماني وهواك
لترى ما يمنح العقل البصير
من حلول بعد هذا الارتباك
فلقد أظهرت لي نفس الكبير
الشجاع الحر لا يخشى الهلاك
إنما يأبى سكونا كالردى
يبذل الروح لمن يهوى فدى (ملتفتا إلى ولي العهد وإلى الوزير معا):
إنما أدعو وزيري لاصطحابك
كدليل وسمير وخليل
حافظا للسر أثناء اغترابك
ملهما إياك إن شق السبيل
يا وزيري هيئ الزاد كدأبك
جامعا كل نفيس وجليل
وأمر الغلمان كي يأتوا غدا
واختر الأصلح منهم عددا
وابذل الجهد
وكن مثل كفيل كفلا
ثابت العزم، سعى سعي الضمين الأملا!
الوزير :
سيدي أمرك المطاع وإني
لكفيل بواجبي رغم بيني
سأودي أمانتي في خلوص
من وفاء، فلن يغيب عني
الأمير أردشير :
إني لحبكما الشكور الوافي
أبتي الأجل مثابة الإنصاف
ومليكتي أمي التي لحنانها
تقديس وجداني نعيم كاف
الملك :
ولدي أنت كل ملكي فحاذر!
أنت قلبي وأنت روح وخاطر!
كن شجاعا، وإنما كن حكيما
فالشجاع الحكيم يرقى المخاطر!
الملكة :
هيا وصيفاتي
1
إلى
مقصورتي حيث الغوالي
من كل فاتنة الحلي
وكل نادرة اللآلي
ومن الجواهر والقلائد
والذخائر والحوالي
وارجعن لي مستعرضا
ت للنفاسة والجمال
هذي بني هديتي
لك - إن رضيت - بلا سؤال! (تخرج الوصائف الثلاث - بعد أداء تحايا الخضوع - لإحضار نفائس الملكة المهداة إلى ولي العهد.)
الأمير أردشير :
يا مليكي! يا ملاكي!
أنتما تاجي وكنزي
زدتما برا وحبا
زادني محسود عز
سوف أمضي مستمدا
منكما والحب فوزي
والهدايا كالتحايا
مثلت للحسن رمزي! (تدخل إحدى وصائف الملكة ومعها جارية حسناء في ثياب راقصة حاملة عقودا وجواهر على وسادة مذهبة ومزركشة.)
الوصيفة الأولى (بعد إبداء تحايا الخضوع) :
هذي الجواهر ... إنها
نخب الحلى ... مولاتي!
من كل فص باسم
بالسحر والآيات!
من كل عقد هائم
بالحسن واللذات!
من كل قرط راقص
للشمس والجنات!
من زين أسورة
2
زهت
من فتنة النظرات!
ومنوع الأحجار في
ألوانها النضرات!
بثت معاني الحب في
متألق الذرات!
الملكة (بعد أن تتأمل الوسادة وما عليها حيث تضعها الجارية الحسناء أمامها) :
أحسنت جدا يا (هدى)
فيما انتخبت من الهدايا
ولعلها ترضي الأمي
ر، كذا الوزير، ولو رضايا
الأمير أردشير (في غبطة القرير) :
ما اخترت معشوق لكل عظيم
فتقبلي شكري قبول حميم
تحف كهذي قد تتيم من أبى
للحب سلطانا وكان خصيمي
عدت (حياة النفوس) فما لها
تقسو وترضى أن تكون غريمي؟!
الوزير (في ارتياح الموثوق به) :
هبة المليكة والملي
ك تجل عن إطرائي
هي عالم جمع الكوا
كب فيه كالجوزاء
نخب الجواهر هذه
فتنت نجوم سماء
وأجل ظني أنها
ستكون رسل رجائي!
الملك :
لله فألك يا وزي
ر فقد نظرت إلى الأماني
وسألتها ثم ابتدع
ت لها شهيات المعاني
الله يكفل بعد سع
يك كل داع للتهاني
والآن حيي يا (سعا
د) برقصة بين الأغاني
أمل (الأمير) وأسعدي
نا والمثالث والمثاني!
الحاشية (ترقص سعاد رقص خطو جانبي أو جري على هذا النغم الذي تنشده الحاشية) :
حاذر حاذر حاذر حاذر
رمي سهامي!
وابذل جهدا يثمر عذبا
حلو غرامي!
لا تنهرني، لا تهجرني، دون مساع!
أنت الجاني، إن لم تسع في إقناعي! (ثم يكرر غناء هذه القطعة والرقص على موسيقاها وفي ختامها تدخل الوصيفة الثانية ومعها الجارية الثانية الحسناء حاملة وسادة عليها أنسجة ثمينة مرصعة بالجواهر ومزركشة.)
الوصيفة الثانية :
ذاك من بعض الذي عاينته
من نسيج
جامع ما عززت آياته
من بهيج
كله سحر له راياته
والأريج
للذي يغزو فؤادا لا ينال
للذي نادى جمالا في دلال!
الملكة (بعد استعراض نماذج النسيج المزركش ووضعه أمامها مخاطبة الوصيفة) :
أنت مثل الجوهرية
كله خير هديه
سوف لا أبقي لنفسي
تحفة منه سنيه
الأمير أردشير (مخاطبا الملكة) :
ما سخاء غير هذا
أنت نفس كوكبيه
زانها الله فأحيت
بالعطايا الذهبيه!
الملكة (مخاطبة الجارية الثانية التي كانت حاملة الوسادة والنسيج) :
أمتعينا يا (زكيه)
بين ألحان شجيه
بالذي توحين رقصا
من معاني الأبديه
ورجاء لولي العهد معشوق الرعيه!
الحاشية (تغني هذه القطعة بينما ترقص الجارية زكية على نغماتها مكررة) :
طبع الجمال العناد
إلا لصابر
يعنو لحذق الجلاد
لا طوع زاجر
دأب الغرام
أن يكره الصبرا
لكنه الأبقى * في الحظ
لا الأشقى * لو دام
دون ملام
في أسره حرا!
الوصيفة الثالثة (تدخل الوصيفة الثالثة في ختام الغناء والرقص ومعها الجارية الحسناء الثالثة حاملة على وسادة مزركشة نخبا من تحف أثرية) :
هذي نفائس لها
مجد بأحقاب مضت
تحكي لنا أسرارها
مما رأت أو ما وعت
من حظها أو مجدها
أو عمرها أن قد بدت
أهلا لإهداء الملي
كة للأمير فأمتعت!
الملكة :
جميلة جميلة
جديرة (بأردشير)
حرية بزينة
لدولة الحسن النضير
الأمير أردشير :
أسبغت مولاتي علي
وجزت مدح المادحين
وأبي المليك حنى علي
بكل إشفاق ثمين
أنقذتما قلبي المع
نى بالحنو من الحنين
ديني ثقيل لن يرد
وبر روحي أي دين
الله أسأل أن يوف
قني لما يوحي اليقين
فأعود في عرس السعا
دة مثل عود الفاتحين!
الملكة :
هيا ارقصي يا (ساحره)
رقص الأماني الزاهره
حيي الأمير وزودي
ه من المعاني الآسره
الحاشية (تغني هذه الأنشودة مكررة بينما ترقص على نغماتها الراقصة الثالثة ساحرة) :
لولا الهوى ما اعتلى
ملك ولا سلطان
يبني المنى والورى
يزهى على التيجان
ما عابه من درى
ما الكون والإنسان!
الملك (وهو يهم بالوقوف مع الملكة تهيؤا لنزولهما إلى باحة الإيوان من العرش) :
والآن فلنتل الدعا
ء المستطاب جميعنا
لمنى الأمير
قبل الرحيل على المشق
ة حيث تزجيه المنى
وكذا الوزير
الحاشية (في انتظام بشكل نصف دائرة حول الملك والملكة والأمير والوزير والراقصات الثلاث يرقصن في مقدمة المسرح) :
أمتعينا يا بلابل * رنحينا يا مثاني * رددي يا طيور
خير آمال الوداع
واقبلي منا وعودا * لعظيمات التهاني * في بيوت وقصور
فوق حد المستطاع
عند عود (بحياة * للنفوس) والأماني * ونعيم وحبور
بعد ذاك الامتناع (يبدأ بإنزال الستار تدريجيا قبيل ختام النشيد.)
الفصل الثانى
المنظر الأول
سوق البزازين بالمدينة البيضاء (تمثل الستارة الخلفية منظر سوق وفي جانب المسرح يظهر جزء من الدكان الذي استأجره الأمير أردشير وجانب من بضائعه مرصوصة فيه وثلاثة من غلمانه، ويراعى أن يكون ترتيب هذه الأشياء على رف مدرج يسهل رفعه بسرعة في نهاية المنظر الأول عند الاستعداد العاجل لعرض المنظر الثاني.)
أحد الغلمان (سليم) :
بالله قل لي يا (نسيم) وقد مضت
هذي الأسابيع الطوال علينا!
ما يرتجي المولى (الأمير)؟ فما أرى (لوزيرنا) رأيا يخفف بينا!
ولربما لو جاء حرا وحده
لأنيل من يهوى ورق إلينا!
الغلام الثاني (نسيم) :
لا يا (سليم) فما (الأمي
ر) بفائز دون (الوزير)
والعرف يقضي باصطحا
بهما على الأمر العسير
لولا التعاون ما ارتقى
حلم
1
على الحدث الخطير
لا تنس أنا في بلا
د للخصومة لا النصير
الغلام الثالث (يوسف) :
عندي حديث كله
عجب من الخبر اليقين
إن شئتما فلسوف أر
ويه بإخلاص الأمين
سليم ونسيم :
قل ما لديك معجلا
فلربما عاد الأمير
يوسف :
مهلا خليلي مهلا
إن الحديث شجون
هل تعلمان بحق
من العجوز الصديقه؟
سليم ونسيم :
كلا!
يوسف :
إذن فاسمعاني
فإن وصفي فنون!
إن قلت موضع سر
2
فما عدوت الحقيقه
سليم ونسيم :
من يا ترى؟
يوسف :
هذي وربكما وحق
كما مربية الأميره!
سليم ونسيم (في تعجب) :
حقا مربية الأميره!
يوسف (ينشد هذه الأبيات وصاحباه في انتباه إلى معانيها وتعجب في مواضع ذلك) :
حقا مربية الأميره!
أعطى الأمير لها النضا
ر وأنفس الحلل النضيره
ما بين إهداء إلي
ها وهدايا لفتاته
ما بين نقل للرسا
ئل وهي تقسو لشكاته
وإذا العجوز مجدة
بتحايل تبقي التخاطب
لكن أبى خلق الأمي
رة أن يطول بها التلاعب
غضبت عليها فأذا
قتها عذابا ثم طردا
مرضت فجاءت للأمي
ر تبثه سخطا ووجدا
سليم ونسيم :
مسكينة مسكينه!
يوسف :
والآن ولى الشهر
بعد غيابها، لكنها
عرفت مكان مبيته
وكذاك عرف بيتها
وأرى الأمير كأنما
يزهو رضى وتفاؤلا
لكنني لم أستطع - وأنا الصغير - تساؤلا
سليم :
سمعا إذن يا صاحبا
ي وإن جهلت كثيرا
نسيم ويوسف :
ماذا لديك؟
ماذا لديك؟
سليم :
إني علمت السر في
بغض الأميرة للرجال
وسمعت أقوال العج
وز كأنها حلم الخيال
لكنني آثرت دف
عا لأذى قيل وقال
وكذاك لم أفطن إلى ال
مغزى ولا للاحتمال
ما كنت أدري أنها
في القصر سيدة الموالي
نسيم ويوسف :
ما سرها؟
ما سرها؟
سليم :
سأل الأمير لم القلى
ولم التجنب للحبيب؟
فإذا العجوز تعلل ال
إعراض بالحلم العجيب
قالت: رأت بنت الملي
ك كما يخال النائم
الصائد الوسنان ينص
ب للطيور الشركا
فأتت
3
لتلتقط الحبو
ب وقد نجت إلا فريدا
ذكر من الطير اغتدى
في الفخ منكوبا وحيدا
لكن أنثاه أبت
إلا الرجوع إلى خلاصه
وتمكنت بعد الكفا
ح فخلصته وحوما!
حتى إذا ما عاد صا
حبنا النئوم ليقظته
بذل التفنن كي يقوم
من خيوط الشرك
وأعاده في حالة
تدعو الحريص إلى العثار!
ثم ارتضى نوم الهني
ء على وثوق بالجزاء
فإذا الطيور تعود تل
قط حبه دون الوقوع
إلا التي قد خلصت
من قبل طائرها الذكر
فإذا به قد فاتها
ومضى مع الطير النفور
وأبى الرجوع لكي يخلصها
فحل بها الخطر
فلقد أفاق الصائد ال
وسنان ملتفتا إليها
فأغاثها لكن ليذ
بحها ولم يعطف عليها!
نسيم ويوسف :
يا للقساوه!
يا للقساوه!
سليم :
فاستيقظت من حلمها
مرعوبة منه الأميره
ورأته رمزا للخيا
نة لا الوفاء من الذكور
فأبت وثوقا بالرجا
ل كما أبت وحي الزواج
نسيم :
حاذر فها هو قادم!
يوسف :
وأراه يصطحب الوزير! (يدخل الأمير بعد هنيهة قليلة ومعه الوزير وكلاهما في زي تاجر ويتنحى الغلمان إلى زاوية من الدكان.)
الأمير أردشير (مخاطبا الوزير على انفراد في جانب المسرح البعيد عن الدكان) :
قد مر شهر طويل
على انتظار اللقاء
فليت شعري أيأتي
غد بطب لدائي؟!
قد نبأتني العجوز ال
يوم عن كل آت
وطالبت بمبيتي ال
ليل في البستان
ففي غد سوف تمضي
إليه قرب الأميره
فقد دعتها إليها
وعادتا للتصافي
وعندها سوف أحظى
بقربها بل بخلدي!
الوزير :
تشجع واسع للأمل القصي
فما أدناه للساعي الوفي
وعندك عدة: عقل ومال
فنل بهما حظوظ الألمعي
تحايل واصرف الجنان
4
والبث
إلى الغد في شذى الزهر الندي
وكن مستبشرا فالقصر أضحى
مثال الرونق الفذ البهي
وهذي حكمة منا وجود
لنفع الحارس العاني الشقي
وما هو عارف سرا لدينا
ويحسب جودنا بر الزكي
ليرضى عنه أهلوه فيحظى
بجائزة وبالعيش الرضي
وهذا القصر أضحى خير واف
يدافع عنك بالرسم الجلي
ففيه الحلم منقوش مضافا
إليه نهاية الطير القصي
كما شاهدت في إعجاز رسم
يؤثر في هوى القلب العصي
كأن نقوشه سحر ولكن
تجمل بالهداية من نبي
فهيا يا بني الآن هيا
وأعدد عدة الآني الهني (يبدآن بالمسير فيسمعان غناء عن بعد يقترب منهما فيقفان للاستماع.)
بنات السوق :
إن أشهى ما يحيينا الجمال
فهو روح وغذاء ودثار
وضياء يملأ الدنيا سنى!
يا جميل الوجه يكفيك الجلال
أمتع الألباب نورا وازدهار
وابق للتجار والناس غنى! (تنزل الستار ويبقى معظم النور مطفأ دقيقتين استعدادا للمنظر الثاني بينما تعزف الأركسترا أثناء الاستعداد قطعة صغيرة.)
المنظر الثاني
بستان الأميرة والقصر المجدد (إلى يسار المسرح مشهد بهو القصر المجدد والواضح منه الحائط الجانبي والحائط الخلفي وبعض السقف فقط، وعلى حائطه الخلفي فوق الباب المؤدي إلى البستان تمثيل حلم الأميرة مضافا إليه ما ابتدعه الوزير من اختطاف جارح للطير الذكر وقتله وامتصاص دمه وأكل لحمه وهذا ما حال دون إنقاذه أنثاه، وإلى جانب حائط البهو مشهد البستان الرائع وأماكن صالحة للاختباء فيه. ويبدأ هذا المنظر الثاني قبيل الفجر ويراعى تدرج النور أثناء تقدم هذا المنظر.)
الأمير أردشير (يغني عن بعد مختفيا بين الأشجار والأزهار ثم يلوح بينها ويختفي ثانيا) :
أيهذا الفجر كن رمز الوفاء
لفؤاد العاشق الباكي الحزين
طال ليلي وكذا طال الشقاء
فابتسم يا فجر بالنور الأمين
إنني أمشي على خيط الأمل
في اضطراب
قطعه ينهي الأماني والأجل
وشبابي
وبقائي هكذا رغم الحيل
في عذاب
حالة أقسى مرارا من قضاء
يهدم الأحلام هدما للفناء
فابتسم يا فجر برا بالرجاء
طالما ناجاك عشق الأتقياء
ابتسم برا بطهري وشبابي! (يوشك في نهاية الإنشاد أن يتم إشراق الصباح ويختفي الأمير بين أشجار الفاكهة وتدخل بعض جواري الأميرة الحسان من الجانب الأيمن للمسرح حيث أشجار البستان وأزهاره.)
الجواري :
أهلا بفصل الثمار
الفاتن الألباب
المزدهي بالدراري
وبالجمال المجاب
وبالأماني السريه! (حواء) لو شاركتنا
فيه لما أنذرتنا
بل أكرمت ما حبتنا
هذي الجنان ففتنا
ذكرى القديم الجميل!
والآن تأتي (الأميره)
ضحيانة مستنيره
تأسو القلوب الكسيره
تغذو الغصون النضيره
تحيي النسيم العليل!
أهلا بفصل الثمار
الفاتن الألباب
المزدهي بالدراري
وبالجمال المجاب
وبالأماني السريه! (تدخل الأميرة ومعها مربيتها من جانب المسرح الممثل للبستان فتستقبلها الجواري بمظاهر الاحترام.)
الأميرة حياة النفوس :
ما أرق (الطبيعة)
ما أحب النسيم
بالحلي الوديعه
والجمال الوسيم
هذه وحدها
لذتي في الحياه
ما أرى بعدها
نعمة جنب جاه
حظكن الموالي
يومنا يا جواري
سرن سير اختيال
والزمان المجاري
ولتدعن انتظاري
حظكن الجمال
كلن أشهى الثمار
في مراح الدلال!
الجواري (قبل انصرافهن) :
يا ربة الحسن شكرا
وطاعة لمرادك
هيهات يغنم ظفرا
ذو نعمة ببعادك
المربية :
إذا سمحت قليلا
برقصة للجواري
أعطيتهن جزيلا
يفوق أغلى النضار
عشقن حسنك عشقا
كالنحل والأزهار!
الأميرة :
ارقصن يا غانياتي
فالرقص فن جميل
كم من معاني الحياة
به، وشعر نبيل!
الجواري (يرقصن على هذه الأغنية) :
الجمال المعتلي
للزهور * والغصون
عد أنس المجتلي
والشعور * والعيون
بينما * ما سما
بعد ما * زرته
كل ما * أنعما
أنت قد * زدته
للعيون * للفنون! •••
نضرة البستان أنت
نضرة ملء الهواء
والمياه والثمار
مذ تجليت وبنت
لأماني السعداء
من كبار وصغار
من نبات وحياه
وخرير للمياه! (تخرج الجواري بعد أداء تحايا الاحترام في نهاية الرقص بينما تكون الأميرة ومربيتها على وشك الدخول إلى بهو القصر من الباب المتصل بالبستان السالف الذكر، وفي القصر من الأثاث الشرقي الملكي الثمين ما يلفت النظر.)
الأميرة (فرحة بتجدد القصر) :
حقا جميل ولكن
ما يرتجي البستاني؟
المربية :
لا شك يرجو جزاء
ونعمة استحسان
ما ضن بالبذل حتى
يرضيك يا مولاتي
وأنت ربة جود
ومطلع الخيرات
الأميرة (متعجبة وقد تفهمت الرسوم الممثلة للحلم على الحائط) :
فليعط من ذهبي جزاء وفائه
ألفين، معتزا على نظرائه
ماذا أرى؟!
المربية :
ماذا؟
الأميرة (مشيرة بيدها إلى الصور التي على الحائط) :
أدق براعة
للراسم النقاش في استيحائه
قد مثل الحلم الذي قد راعني
لكن أضاف إليه ما قد فاتني
لا شك أني قد ظلمت الطير إذ
قد صيد، فهو مضرج بدمائه
والجارح الباغي يمص دماءه
طورا ويأكله عتيا لا يني
فمضى شهيدا مثل أنثاه وما
خان المحبة بل قضى بوفائه
المربية (محاولة التأثير على الأميرة لتنزع منها كره الرجال) :
هذا وربي شاهد
للطائر المسكين
ما كان ينسى إلفه
لولا ممات غبين
وكذلك الإنسان لا
ينسى الوفاء لزوجته
ولكم يضحي بالنفي
س لها لأجل محبته
ويرى الفخار شهامة
في منتهى إيثاره
الحب نور رجائه
والحب كل شعاره!
الأميرة :
ظلمت الطائر المسكي
ن والإنسان من حلمي
وخير الحكم تجربة
فليس الحلم كالعلم!
هلمي الآن كي نحظى
بأنس الروض يا أمي!
المربية :
هلم الآن سيدتي
نسير بغير أتباع
ففي الأزهار ألاف
وداع بعده داع!
وفي الأثمار والأشجا
ر أنواع لإبداع (تخرج الأميرة وخلفها المربية من الباب المؤدي إلى البستان.)
الأميرة (متأملة معجبة بالمناظر) :
لله ما هذا الجمال!
صور تعد من المحال!
الخالق الرحمن ين
ثر بينها السحر الحلال!
المربية :
يا خفيا بلطفه
نجنا من خوفنا! (يبدو الأمير عن بعد كما اتفق مع المربية.)
الأمير :
لي غرام لن يضاهى
وحبيب لن يوافي
يا فؤادي أي ذنب
لهيامي وعفافي؟!
أنقذيني يا نعيمي
من جحيم ملء يأسي
واعطفي كالشمس تأبى
ظلمات حول نفسي!
الأميرة (وقد لمحته) :
أمي! ترى من يكون
هذا الفتى في جماله؟!
تأملي! أي حسن
يرف ملء اعتداله!
المربية :
هذا ولا شك عندي
من قد رفضت سؤاله
التاجر المتخفي
الأميرة (متعجبة) :
التاجر المتخفي؟!
المربية :
نعم! فما هو إلا
ذاك الأمير الكبير
المستعز بملك!
الأميرة :
وما اسمه؟
المربية : (أردشير)!
الأمير (وقد التفت عند سماع اسمه فالتقى نظره بنظر الأميرة) :
يا حياتي ويا (حياة النفوس)!
الأميرة (وقد تسلط عليها الحب لأول نظرة) :
يا حبيبي برغم حظ عبوس! (يقترب إليها الأمير ويمسك بيدها ويقبلها.)
الأمير :
ارحمي الذي عشقا
كم أضعته أرقا!
ارحمي ولا تدعي
قلبه على جزع! (ثم ينظر إلى عينيها وتنظر إليه ماسكين بأيدي بعضهما فيقبلها وتقبله.)
الأميرة :
هكذا الحب نظرة ثم قبله
لذة صعبة على القرب سهله! (يقتربان من باب القصر.)
المربية :
بالله هيا وادخلا
في القصر أمنا من رقيب
الأميرة :
ادخل حبيبي حتى
أبثك الآن حبي
لقد ظلمتك لكن
الآن أحمد ربي!
الأمير :
أعدت والله روحي
كما ضمدت جروحي! (يدخلان ويجلسان معا في احتضان وتقبيل بينما تبقى المربية متمشية في البستان.)
الأميرة :
ثق يا فؤادي بأنا
لم نجتمع لفراق!
الأمير :
يا حياتي! يا حياتي!
يا منار النيرات!
أنت وجداني فصوني
نور وجداني لآت! (تبدو الجواري ثانيا في البستان وينشدن.)
الجواري :
يا ربة الحسن عدنا
ظمأى إليك كأنا
لم ننتعش بجمال!
الكون زاه ولكن
إن غبت ما فيه فاتن
حتى لأهل الخيال!
المربية :
اغنمن نوم الأميره
واقطفن أحلى الثمار
بين الغصون النضيره
والورد والجلنار
5
الجواري :
طوعا! ولو أن أشهى
أنس القلوب لديها
رغم المجالي البديعه
نامي (حياة النفوس)
في قصرك المحروس
بالفاتنات (الطبيعه)! (تنزل الستار سريعا عند إتمام النشيد.)
الفصل الثالث
المنظر الأول
مقصورة الأميرة (وفيها - نقشا على الستارة الخلفية - من مظاهر البذخ الشرقي والنعمة والراحة الشيء الكثير، وكذلك يراعى جمال سرير الأميرة، وهي نائمة على السرير وبجانبها الأمير أردشير وأمامهما كأسان ودن الخمر وأطباق الفاكهة على صينية فوق المائدة. ويراعى وضع السرير إلى جانب المسرح بحيث يتيسر إخراجه بسرعة عند تغيير المنظر. وتوضع سجادة فخمة على أرض الشرفة، بحيث تصلح مع غيرها للمنظر الثاني أيضا. الوقت ليل والشموع موقدة على شمعدانات الذهب والفضة.)
الأميرة :
لست أرضى يا حبيبي
بفراق دون عود
الأمير :
من قال هذا؟ إنني
أسعى لخطبة نعمتي
قصدي لقاء أبي لكي
يدري عواقب بعثتي
وإذن يسر، وعندها
يزجي إليك هديتي
ويكون عوني في رجا
ء أبيك لي يا مهجتي!
الأميرة :
روحي تذوب إذا جشمتها بعدك
فإنما صفوها مستجمع عندك
أجدى لها عيشة بالوصل آمنة
من نعمة ترتجى في مقبل بعدك
قلبي الخفوق المناجي لن يهدئه
وعد، فبالله أنصف محسنا عبدك!
الأمير :
ما كنت من عرف الهوى لولاك
أو عشت إلا من نعيم هواك
ما دنت إلا للجمال ولم أجد
حسنا إليه عبادتي إلاك
لا تحذري مني السلو فإنني
أسلو الحياة إذا سلوت نداك
وأذوق كأس الموت دون غضاضة
طوعا، وأخشى أن أجنب فاك
لا تجزعي خوف الفراق فمهجتي
في راحتيك، ورحمتي عيناك!
الأميرة :
أخشى الفراق فإن قربك مهجتي
فإذا نأيت فكل أنس شاك!
الأمير :
سمعا رضيت بقائي
فرحلتي في سبيلك
أنا الأسير لحسن
له فؤاد خليلك
ولن أبالي بعقبى
حبي ووحي دليلك
هاتي الشراب وغني
هاتي حياة قتيلك! (تبتسم في دلال وتناوله كأس شرابه وترفع كأسها دون أن تشرب مغنية هذه الأبيات التالية.)
الأميرة :
الحب أوله دعابه
حتى يعودنا اصطحابه
فإذا تمكن لم يشأ
بعض القناعة والإجابه
يستصغر العقل الحصي
ف وقد يخص به عقابه
عش يا نعيمي لا تخف
قربي وخذ أحلى الدعابه! (يضحكان ويتبادلان القبل ويشربان وهي تكرر البيت الأخير ثم تجر الأميرة ستارة قصيرة تحجب السرير عن الداخل إلى المسرح وإن لم تحجبه عن النظارة.)
الخادم كافور (يسمع صوته من الخارج مخاطبا مربية الأميرة لدى باب المقصورة) :
استيقظي يا عجوز!
المربية :
ماذا وراءك؟
كافور :
افتحي! افتحي! فهذي هديه
وصفوها قلادة دريه
وهي أغلى من التي
1 (سكون واستدراك.)
افتحي! افتحي! فهذي الهديه
المربية :
ليس عندي المفتاح فاذهب ودعنا!
كافور :
كيف أمضي برغم أمر مليكي؟
قال لي واجه الأميرة فورا
المربية :
هاتها هاتها وكن مطمئنا
سوف تزهو غدا بجيد (الأميره)
كافور :
ما سر دفعك لي وهذي تحفة
ندرت فجاد بها المليك لبنته؟
جاءته من ملك عظيم مثله
فاختص زينتها بزينة بيته!
المربية :
اذهب كفى إزعاجنا
في مثل هذي الساعة!
كافور :
اذهبي يا عجوز!
اذهبي! اذهبي! (ثم يحاول فتح الباب، وأخيرا يدفعه ويدخل بعد انكسار القفل من هز الباب.)
كافور (متعجبا من ظهور الغرفة حيث الشموع موقدة والخمر ممدة للمشرب ... إلخ) :
ماذا جرى؟ ماذا جرى؟
أين الأميرة يا ترى؟ (ثم يدنو من السرير ويزيح الستارة فيتراجع مذهولا من مشهد نوم الأميرة في حضن الأمير ويستيقظان من حركته فينادي كافور الأمير غاضبا):
من أنت يا هذا؟
من أنت يا هذا؟
الأمير (مبهوتا) :
لا تسئ ظنا بنا!
لا تسئ ظنا بنا!
لا تسئ ظنا فما كان الهوى
عارا، ولست سوى أمير!
الأميرة (معززة الأمير في وجل) : (أردشير)
كافور :
أيها الحراس!
أيها الحراس!
احرسوا المقصوره!
احرسوا المقصوره! (يدخل أربعة من الحراس مدججين بالسلاح بينما تترامى الأميرة على قدميه.)
كافور (مخاطبا الأميرة وقد كادت تفقد رشدها) :
هيهات! هيهات! ... حق
علي علم أبيك
هذي الدعارة ليست
أهلا لبنت مليك! (ثم تنزل الستارة استعدادا للمنظر الثاني.)
المنظر الثاني
مقصورة الملك عبد القادر (يراعى في أثاثها ومناظرها أبهة الملك، وباعتبار هذا المنظر ختام الفصل الثالث فمن الميسور استعمال أثاث شبه ثابت له.)
الملك عبد القادر (جالسا على كرسي وبجانبه وزيره) :
لا شك أن بنيتي
ستسر من تلك الهديه
أسنى الهدايا لم تكن
إلا لبهجتها السنيه!
الحاشية (سيدات ورجالا على الجانبين) :
أنت معنى الكرم
والعلى والشمم
فلتعش في همم
ولنعش في نعم
يا مليك البلاد!
إن أرقى الأمم
رمزها من حكم
فلتدم والعلم
شهرة كالهرم
قبلة للعباد!
الملك :
شكرا وقد آن وق
ت الانصراف فهيا!
وحبذا قبل هذا
برقصة كالحميا!
فالرقص سحر كفيل
بالميت يبعث حيا!
صافى الغناء وصافى
للشعر فنا جنيا!
الحاشية (تغني هذه الأنشودة على رقص بعض الجواري) :
رنحينا! رنحينا!
يا حياة العاشقينا
يا دواء البائسينا!
يا أغاريد الشباب
من زكي لملاب
وشعور الحب فينا!
من سويعات الغرام
في مدام ومدام
ونعيم الخالدينا!
إنما العمر سيمضي
بين أحلام وغمض
فلنراع اليائسينا!
رقصة أشهى وأحلى
من يسار ما تحلى
بسرور العارفينا!
دم مليك العصر نورا
يملأ الدنيا حبورا
وملاذ التابعينا! (تنصرف الجواري بعد أداء تحايا الخضوع.)
الملك (مخاطبا وزيره) :
إني السعيد بليلتي
وهديتي لبنيتي (يدخل الخادم كافور خاشعا مضطربا وبيده في علبة فاخرة القلادة التي لم يقدمها إلى الأميرة.)
الملك (مندهشا) :
ماذا؟ ألم تعط الأميره؟!
الخادم كافور :
كلا، وما هذي جريره!
الملك :
خبر وعجل! قل إذن!
الخادم كافور :
جد لي بسانحة قصيره
في خلوة لأبث آ
لامي وأحزاني الخطيره!
الملك :
قل لا تثر غضبي فما
أرضى الحديث بخلوة!
الوزير :
قل يا غلام ولا تثر
بالخوف من غضب المليك!
الخادم كافور :
إذن مولاي سامحني
وجد لي بالأمان إذن! (يرمي له الملك منديل الأمان.)
الملك :
قل ما لديك أمينا!
قل يا فتى في أمان!
الخادم كافور (يقص هذا النبأ والملك في اندهاش واضطراب) :
يشق علي يا مولاي وصفي
فتاتك وهي في حضن الدعاره
فقد ألفيتها جنبا لجنب
بمرقدها تضم فتى وتاره
تقبله بشوق بل جنون!
الملك (ثائرا فزعا) :
أجننت يا هذا؟
الخادم كافور :
وحقك ما جننت!
الوزير :
يا للخساره!
يا للحقاره!
الملك (ساخطا مذعورا سالا سيفه بيده) :
أسرع إلي با، وعجل
بالفتى الوقح الأثيم!
وليحضرا في المرقد الن
جس المدنس باللئيم! (يخرج كافور مطيعا معجلا.)
الملك :
أرأيت كيف مصيبتي ووفاتي
من ذا يصدق نكبتي بفتاتي؟
كانت (حياة للنفوس) فأصبحت
رمز الممات ولات حين مماتي!
الوزير (بارتياح الدساس) :
أما حياتك فهي مل
ك للرعية دون شك
عاقب إذن واحفظ حيا
تك يا مليكي ذخر ملك (يدخل الخادم كافور ثم يتبعه أربعة من الحراس حاملين سرير الأميرة وهي مضطجعة عليه مع الأمير أردشير.) (ويهجم الملك على السرير نازعا الغطاء فتنتفض ابنته وتقف على قدميها مضطربة وكذلك الأمير أردشير، فيحاول الملك أن يضرب عنقها بالسيف فيسبق الأمير أردشير ويرمي نفسه على صدر الملك.)
الأمير أردشير :
ما الذنب منها! لا تكن متعسفا
إني الأثيم فجد بقتلي منصفا (يهم الملك بضربه فتحول دون ذلك ابنته ويبقى كلاهما متضرعا على الأرض.)
الملك :
صه يا جبان ولا تلوث مسمعي!
الأميرة :
ما كان ذا جبن، وليس بمدعي
بل وارث العرش العظيم (بفارس)
القاهر البلدان دون تمنع!
الملك (مسترجعا ثباته متأملا في هذا الخبر) :
ماذا تقول أيا وزيري
في ذلك الخبر الخطير؟!
الوزير (وهو محضر سوء) :
لا شك هذي حيلة
من أسخف الكذب الذميم!
وكلاهما أهل لتع
ذيب وتنكيل جسيم!
ثم القضاء عليهما
بالسيف كالحكم الحكيم!
الملك (مشمئزا ثائرا من جديد، مخاطبا كافور) :
ناد لي السياف نادي! (يخرج كافور لإحضار السياف.)
سوف والله تلقيان عذابا
ومماتا كلاهما من جحيم (يدخل السياف ومعه صبيانه.)
الملك :
أيها السياف في غير ضراعه
اقتل الفاسق، لن أرضى الشفاعه!
ثم أتبعه بهذي الفاجره
ثم خل النار ذكرى الآخره! (يضع السياف يده على ظهرها فيهيب به الملك موبخا.)
الملك (غاضبا موبخا) :
اعرف فروضك أيها السياف
هن الردى لا هذه الألطاف!
السياف :
هيا إلى النطع هيا (ويجر الأميرة من شعرها وكذا الأمير، فتنزل الستار سريعا.)
الفصل الرابع
المنظر الأول
ساحة الجلاد (على الستارة الخلفية مشهد بعض حائط يمثل جانبا ساحة الجلاد بشكل مروع والنطع في الوسط والجلاد واقف شاهر السلاح والأمير راكع معصب العينين معد للقتل، والأميرة معصبة العينين أيضا وكل من يديها بيد أحد صبيان الجلاد.)
الجلاد (مشفقا على الأميرة) :
خذها غلامي ودعها
في مخبإ بعض يوم
فربما أنقذتها
في غير سخط ولوم
عواطف لأبيها!
الأميرة (في صوت الباكية المتهدمة) :
عيشي الممات إلى جوار حبيبي
إن الحياة إذا مضى تعذيبي
دعني أمت موت الغرام شهيدة
فأقبل النطع المجيز نصيبي
1
وإذا ارتضى مني الفداء وهبته
طربا فأحياني خلاص حبيبي!
الأمير (حزينا ولكن مشجعا) :
عجل بموتي فإني
أعاف عيش الجبان
لا خير في العيش يوما
إذا هوى وجداني
أنا الشقي ولكن
أنا الشريف المعاني!
الأميرة :
رحماك يا (أردشير)
رحماك يا جلاد
أشفق عليه فتشفق
علي، فهو المراد!
الجلاد :
اذهبا بها اذهبا! (يشدها بعنف صبيا الجلاد إلى الخارج وهي ما تزال معصبة.)
الأميرة (عن بعد قليل في صوت الباكية) :
وداعا يا منى روحي وداعا
ستتبع
2
حبك الوافي سراعا
وسوف أموت في حزني مرارا
إلى أن يخلف الموت اجتماعا
الجلاد (مخاطبا الأمير) :
ماذا تروم الآن يا
هذا الفتى قبل الممات؟
الأمير :
لا شيء مما يشتهيه الن
اس في هذي الحياة
بل أن أؤكد في أتم الص
دق طهري في صفاتي
الجلاد (متضجرا) :
ثم ماذا؟ * ثم ماذا؟
الأمير :
فإلى الجمال معززا
أهدي جمال صلاتي
وأنا الأمير المرتجى
في (فارس) للآتي
وأبي المليك سيهدم ال
ظلام جمعا هدم عات (يظهر الجلاد بعض الدهشة والارتباك لهذا الإنذار.)
صبيان الجلاد (مخاطبين الجلاد الذي يلتفت معهم إلى خارج المسرح في اهتمام وفزع) :
من هؤلاء الجند في زح
ف أثار لنا الغبار؟
وكأنهم بهجومهم
قد أعلنوا حرب البوار!
الجلاد :
لا شك جند (الفرس) إذ
من رمزهم ذاك الشعار!
الأمير (متلهفا) :
هذا أبي! (تنزل الستار سريعا إتماما للمنظر الأول وإعدادا للثاني لفترة دقيقتين.)
المنظر الثاني
معسكر السيف الأعظم شاه وجنده (يمثل هذا المشهد على الستارة الخلفية حيث ترسم خيام الجند الكثيرة عليها ثم مظهر خيمة «السيف الأعظم شاه» على جانب المسرح وبداخلها هذا السلطان وبعض كبار رجاله العسكريين وهو جالس على كرسي فخم وحوله مظهر العزة، ولكن يجب مراعاة خفة هذا الأثاث والتمكن من سرعة نقله عند تغيير المنظر.)
أحد الحراس (شاهرا السلاح) :
مولاي هذا وزير ال
بلاد يرجو المثول
السيف الأعظم شاه :
دعه ينله (يخرج الحارس ثم يعود وأثره وزير الملك عبد القادر.)
الحاشية :
قبل الأرض!
قبل الأرض! (يفعل ذلك فتكرر دعوته هذه ثلاث مرات، ثم يخاطب الملك في خشوع.)
وزير الملك عبد القادر :
مولاي! يبعث سيدي بسلام
صحبته كل عواطف الإكرام
ويود يعلم هل له من خدمة
ترضيك في حرب وعند سلام؟
ويقبل الأرض التي ظللتها
كمقبل في الجدب ظل غمام!
السيف الأعظم شاه :
أيهذا الوزير اذهب لمولا
ك وبلغه من ثنائي جزيلا
ثم نبئه أن ابني ما عا
د وقد غاب عن بلادي طويلا
ما أتتني أخباره منذ عهد
طال عمرا، وكان عهدا ثقيلا
فإذا كان لا يزال بخير
عندكم فالمنى تناجي الرحيلا
وإذا كان قد أصيب بسوء
فالخراب الأكيد يأتي نزيلا
سوف تسبى نساؤكم ثم يمحى
ذكركم والبلاد تغدو محيلا!
الوزير (مرتعدا حائرا) :
سيدي أمرك العلي وإني
لرسول العلى المؤدي الأمانه
كلنا يشتهي الأمير معافى
كامل الحظ خادما أوطانه
راجعا بعد ما تغيب عهدا
في رجوع الكواكب المزدانه! (يهم بالخروج فتهيب به الحاشية: «قبل الأرض! * قبل الأرض!» فيفعل ذلك ويسرع في الخروج.)
كبير الضباط :
مولاي لست بكاتم
نبأ خطيرا قد أتاني
وأردت أن أخفيه عنك
السيف الأعظم شاه (وجلا مقاطعا) :
فقل إذن! ماذا دهاني؟!
كبير الضباط (مهدئا) :
مولاي!
السيف الأعظم شاه :
قل! ماذا لديك؟
كبير الضباط :
الآن أسباب التهاني!
فلقد لمحت من الرسول
برغم خوف ما دعاني
لأراه في ثقة العليم
بقرب مأمول التداني
3
لكنني خبرت قب
لا ما عقدت على لساني
من قتل مولانا الأمي
ر فكان قتلا للأماني!
السيف الأعظم شاه (ومعه الحاشية) :
يا للمصاب!
يا للعقاب!
ويل لهم!
عم الخراب!
كبير الضباط (مهدئا) :
لكن رواتي أخطئوا
في بعض ما قد خبروا
فمجيئنا قد أرعب ال
حكام حتى استأخروا
من بعد ما قد كاد يق
تل وهو عف
4
خير
عدوه من أهل الفجور
فعذبوه وما دروا
وأبوا له نسب الإما
رة وهو لا يتقهقر
والآن هم في جبنهم
وقد استبان العسكر
لم يحفلوا بمبيته
جنب الأميرة فافتروا
وتظاهروا بحلى الصدا
قة، والصداقة جوهر!
الحاشية (في دهشة الفرح) :
هذا الأمير!
هذا الأمير! (يدخل الأمير مشتاقا إلى والده فيتعانقان.)
السيف الأعظم شاه :
جددت بالعود لي مفقود أفراحي
فانظر إلي تذق روحي من الراح!
عهد مضى لم يدع في العيش لي أملا
والعمر مأمله نسيان أتراح
يا زينة الملك يا تاجي ويا قمري
ما عزة الملك في بأس وأرباح
إن غاب مثلك غابت بعده همم
فروحك المثل الأعلى لأرواح!
الأمير أردشير :
أبي! وحقك بعدي عنك أشجاني
كنت السعيد وكنت الشاقي الجاني
متعت - بعد شهور لا أكيفها
في شقوتي (بحياة) الخلد للفاني
حتى افتضحنا فكاد السيف يشطرنا
في غضبة الملك المستصغر العاني
لم يدر أني أمير أو درى وسعى
وزيره سعي غدار وخوان
ودس خادمه (كافور) منتقما
منا فألهب طغيانا بطغيان!
لولا وفودك في آساد مملكة
لما حيينا، فأطعمنا لنيران!
السيف الأعظم شاه (متأثرا حانقا) :
سيحاسبان على الجنا
ية بالممات كلاهما!
لولاهما لكفيت تع
ذيب الردى لولاهما! (أحد الحراس يعلن قدوم وزير السيف الأعظم بقوله: «هذا وزيرك يا مولاي قد حضر.»)
وزير السيف الأعظم شاه (مقبلا الأرض في غبطة وإجلال) :
مولاي هذي نعمة
كالبعث للميت الشهيد!
فلقد يئست من النجا
ة وعشت في موت أكيد!
السيف الأعظم شاه :
يا وزيري الشهم إني
قد أراك في مقامي
ليس عندي أي شك
في شعور منك سام
لم تدع جهدا ونصحا
دون إسداء وفيا
لبني الشهم حتى
صار تاجا لي سنيا
الوزير :
العهد أن أوفي بعهد حياتي ... ... ... ... (يعلن أحد الحراس قدوم وصيفة من وصيفات الأميرة «حياة النفوس» بقوله):
إحدى وصيفات الأمي
رة تطلب الإذن الكريم
السيف الأعظم شاه :
ماذا لديك؟ تقدمي!
وصيفة الأميرة (بعد أن تقبل الأرض بين يدي الشاه) :
يا مليك الملوك عندي سؤال
للأمير العزيز حتى يلبي
داعي الحب أو دواعي الرجوله
بعثتني أميرتي في خفاء
كي تنجى فخطبها أي خطب
رغم صبر ما زال يحكي البطوله!
الشاه والأمير (في تلهف معا) :
ما خطبها؟!
ما خطبها؟!
الوصيفة :
والله يا مولاي ما زالت كما
تركت أسيرة سجنها في قصرها
لولا الفتى السياف ما عاشت ولا
عاش الأمير ولا اجترأت لذكرها
لولا قدومك بين جندك هكذا
لمضى القضاء بعمره وبعمرها
والآن تبعث للأمير رجاءها
ليفك - شأن وفائه - من أسرها
فإذا أراد مضت وفية حبه
معه، وإلا برئت من وزرها
حملت مصائبها لأجل غرامه
والآن ترقب حكمه في أمرها
إن لم تشأ مولاي أو لم يرضها
إلفا له وسلا لذاذة سحرها
فأقل ما ترجوه منه مروءة
السعي في إنقاذها من قهرها
فلربما قتلت بغير جريرة
أو جشمت في الحبس نقمة قبرها!
الأمير :
يا إلهي نجها!
إنني أحيا لها
الشاه :
يا وزيري سر لتخ
طبها عروسا للأمير
واطلب بلا لين ولا
رفق معاقبة الوزير
والخادم الجاني فما
غير الردى عقبى الأثيم
اذهب وهيئ كل خي
ر للأميرة يا حكيمي!
الجميع (في شكر الملك) :
هكذا الإحسان
للأماني
هكذا الإنسان
غير فان
من نداك!
ألف شكر يا مليك
يا رحيم
أكرم الأخلاق فيك
يا عظيم
في علاك!
هكذا الأفراح
والأغاني
تقتل الأتراح
في ثوان
من رضاك! (ثم تنزل الستارة لفترة دقيقتين إعدادا للمنظر الثالث.)
المنظر الثالث
قصر الملك عبد القادر (يمثل المنظر بهو القصر الجميل في أبهج زينة والملك عبد القادر جالس على كرسي ملكي فخم وعلى جانبه المقاعد لكبار رجال الدولة وللأمير أردشير ووزير والده السيف الأعظم شاه. هذا وتبدو طائفة من حاشية الملك عبد القادر وجواريه في شكل نصف دائرة وفي اتجاه إليه.)
الحاشية :
صافى الزمان المعادي
مذ راحت الأشجان
فالأنس ضحيان بادي
في نور كل مكان
والملك في أي نعمه!
عش يا أمير البلاد
في عزة السلطان
تحتل كل فؤاد
بالعطف والإحسان
والسعي في نفع أمه!
الملك عبد القادر (راضيا) :
اليوم فلتخفق لنا الأعلام!
وافى الزمان وطابت الأحلام!
وتطايرت سحب الظنون بما وعت
من شرها، وانجابت الآلام
وأذيق دساس الوزارة حتفه
والخادم المتحايل النمام
شنقا على باب المدينة عبرة
للخائنين لتصلح الخدام!
عفوا أمير الأمتين ومرحبا
بأبيك! ولتسعد بك الأقوام!
أما الأميرة فهي طوعك بعدما
سئلت، فخذها أيها المقدام!
فاذهب كريما بالتحية والرضى
لأبيك! ذلك حظك البسام
أو فليسر قبل الوزير فإنه
نعم الرسول الحاذق العلام!
الأمير أردشير (مبتهجا) :
لك الشكر الأجل فأنت عندي
نظير أبي وقد أنقذت نفسي
رضاك الآن عن سؤلي جميل
يضاعف من مسراتي وعرسي
وزير السيف الأعظم شاه (مرتاح النفس لنجاحه) :
الآن باسم مليكي المتصافي
أهدي إليك تحية الأشراف
وثناءه العالي لموقفك الذي
سيعيش للذكرى بخير كاف
وليبق مولاي الأمير فإنني
سأعود في ركب المليك الضافي
فلقد أبى إلا الحضور وإن يكن
في رتبة الشرف الأعز الوافي (يخرج بعد أداء تحية الاحترام.)
الأمير أردشير :
أتسمح مولاي يا رافعي
إلى منزل الحب من جانبك
5
بدعوة سيدتي من لها
حياتي لنسعد من جانبك؟
6
الملك عبد القادر :
سمعا! فهذا واجب
حتى ترى الملك العظيم
وتخص منه بقبلة
للحب من عم رحيم (مناديا رئيس الحرس):
اذهب رئيس الجند واد
ع لنا المعززة (الأميره)
واحمل لها النخب الهدا
يا والأعاجيب الكثيره (يخرج رئيس الحرس لدعوة الأميرة - بعد أداء تحية الخضوع - حاملا في علبة فخمة ما فوق مائدة الملك من هدايا الجواهر والحلي المرسلة إليها من السيف الأعظم شاه.)
الأمير أردشير :
ضمنت بالعدل ملكا
يعيش عيشا رضيا
وقد ملكت ببر
روحا وقلبا وفيا
كما خلفت إخاء
للدولتين قويا
فكنت عما حكيما
وكنت تاجا سنيا
الملك عبد القادر :
ما مضى قد مضى وما قد تولى
أنت سمح يراه بالصفح أولى
هكذا يحسن العقيدة شهم
صار للملك والسعادة أهلا
يا بني العزيز قبلا وصهري
عن قريب كرمت نفسا وأصلا (يدخل رئيس الحرس معلنا: «الأميرة!» ثم تدخل الأميرة وتبدي الخضوع لوالدها والشوق والابتسام لخطيبها، وخلفها وصيفتان حاملتان ذيل طيلسانها، فيقبل عليها الأمير في شغف ويقبل جبينها، ثم ينشد الأبيات التالية ماسكا يديها بيديه فترة.)
الأمير أردشير (بشغف وسرور عظيم) :
الآن أنت لي الدنيا وما فيها
فمشرق منك يغنيها ويكفيها!
رجعت بعد غياب الشمس تاركة
شتى الحياة تعاني من تجافيها!
فأشرقي اليوم يا شمسي بلا كلف
وأظهري حسنات لست أخفيها
ليشهد الناس نفسي في تحرقها
تلقى لديك شفاء ليس يشفيها!
بثثت حبك نورا في مظاهرها
وألطف الأنس وحيا في خوافيها!
الأميرة (في ذروة السعادة) :
أبي! أميري! سأحظى منكما أبدا
بأكرم الحب من قلب ووجدان
يا ساعة الحظ هذي أنت لي نعم
كأنما أنت عمر للمنى ثان!
ما عشت أحفظ ذكرى لن يبددها
عمر يمر ولا تجديد إحسان!
ذكرى الأماني الغوالي وهي عائدة
مثل العروس تجلت بعد هجران!
حيت فأحيت فؤادي بعد ميتته
كلاكما قبلها حيا فأحياني! (يسمع صوت بوق فيعلن رئيس الحرس: «جلالة الشاه أقبل!» وينزل الملك عبد القادر عن كرسيه ويقف مع ابنته والأمير أردشير محاطا بالحاشية استعدادا لاستقبال السيف الأعظم شاه ومن معه.)
الحاشية (تنشد هذا الترحيب) :
هكذا المفرد من أوفى الحبور * للملوك
هكذا ألوان نور بعد نور * في سلوك
وعقود، ونعم!
سيفنا الأعظم يا شاه العجم * يا همام
مرحبا بالفضل والمجد الأتم * للأنام
وجنود، وهمم! (يدخل السيف الأعظم شاه وخلفه وزيره وطائفة من كبار حاشيته وجنده، فيعانق الملك عبد القادر، ويقبل الأميرة حياة النفوس التي تحييه خاضعة، كما يقبل الأمير أردشير بينما تكرر الحاشية النشيد السالف الذكر.)
السيف الأعظم شاه (مخاطبا الملك عبد القادر) :
يا أخي عشت سيد المكرمات
مستعزا وصاحب التهنئات
قد غدونا بمقبل العرس أهلا
وبهذا غنمت حلم الحياة!
الملك عبد القادر (متواضعا) :
يا حامل التاج الرفي
ع وصاحب الملك البديع
ومعرفي عهد الأخو
ة مثل تعريف الربيع
مترقرقا بالفضل وال
إخلاص للخل المطيع
أنا و(الأميرة) يا ملي
ك لديك في حكم الجميع!
السيف الأعظم شاه :
عفوا وشكرا عظيما
وصدق إخلاص قلبي
رأيت منك جلالا
محببا طول قربي
كما رأيت خلالا
ضمن إيثار حبي
واليوم باركت عرسا
لنا فأكرمت شعبي
مواهب فاتنات
من المآثر تسبي
نشرت سلما وصفوا
وذاك قصدي وحسبي!
الملك عبد القادر :
أمنية العمر هذي
فالحظ ضعفان عندي!
الأمير أردشير :
سيدي اسمحا بشكري كثيرا
هكذا تنقذان روحا أسيرا
هكذا تسعدان صبين باتا
وحدة تنشر الرجاء الوفيرا
الأميرة (في اغتباط وشكر) :
الحمد للإنعام واجب
حمد المناقب والمواهب
قد كنت أهزأ من زما
ن صار يحسب خير صاحب
وبدأت أشعر بالحياة
وفية لا هزل لاعب
اذهب زمان متاعبي
وتعال يا مفني المتاعب! (فيقبلها الأمير في جبينها، وتنشد الحاشية منتظمة حول الملكين وولي العهد والأميرة ووزير الشاه في الوسط، وترقص بعض الجواري أمامهم على هذا النشيد الختامي.)
الحاشية :
يا صفاء الزمان
يا زمان الصفاء
أنتما توأمان
تعلنان الرجاء
بين تاج ورعية! •••
مطلع الأفراح حيا
كل قلب فتهيا
بأناشيد الحميا
ليرى الحسن السريا
يملأ الدنيا حليا!
والهوى سلطان دهر
سيد الأحكام يجري
أمره في كل أمر
ليس يرضى أي عذر
حكمه يمضي عليا! •••
يا صفاء الزمان
يا زمان الصفاء
أنتما توأمان
تعلنان الرجاء
بين تاج ورعية (ثم تنزل الستار عاجلا في ختام النشيد.)
Page inconnue