12 -
حدثنا أبو بكر الآجري , قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن سكين البلدي قال: أخبرنا علي بن حرب الموصلي قال: حدثني عبد السلام بن صالح الخراساني قال: حدثنا الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، ويقين بالقلب»
[ص: 110]
قال محمد بن الحسين: هذا الحديث أصل كبير في الإيمان عند فقهاء المسلمين قديما وحديثا، وهو موافق لكتاب الله عز وجل، لا يخالف هذا الأمر إلا مرجئ خبيث مهجور مطعون عليه في دينه، وأنا أبين معنى هذا ليعلمه جميع من نظر فيه نصيحة للمؤمنين.
[ص: 111]
اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، ثم اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب وهو التصديق إلا أن يكون معه إيمان باللسان، وحتى يكون معه نطق، ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاثة كان مؤمنا وحقا، دل على ذلك الكتاب، والسنة، وقول علماء المسلمين، وأما ما لزم القلب من فرض الإيمان فقول الله تعالى عز وجل في سورة المائدة: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41] إلى قوله عز وجل: {لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [البقرة: 114] وقال عز وجل: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم الآية}
[ص: 112]
وقال عز وجل في سورة الحجرات: {قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14] ، فهذا يدلك على أن على القلب فرض الإيمان وهو التصديق والمعرفة ، ولا ينفع القول إذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل، وأما فرض الإيمان باللسان فقول الله عز وجل في سورة البقرة: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون، من ربهم لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق} الآية، وقال عز وجل في سورة آل عمران: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله. . .» وذكر الحديث، فهذا الإيمان باللسان نطقا واجبا، وأما الإيمان بما فرض الله على الجوارح تصديقا لما آمن به القلب ونطق به اللسان، فقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77]
[ص: 113]
وقال عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] في غير موضع من القرآن، ومثله فرض الصيام على جميع البدن، ومثله فرض الحج، وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح، فالأعمال بالجوارح تصديق على الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه، ومن رضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان للعمل تكذيبا منه لإيمانه، وكان العلم بما ذكرنا تصديقا منه لإيمانه، فاعلم ذلك هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث، احذره على دينك، والدليل على هذا قول الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]
Page inconnue