الاستعانة بها في معصيته ومخالفته كاستعمال العين في مطالعة مصنوعاته ، وتلاوة كتابه ، وتذكر العلوم المأثورة عن الانبياء والاوصياء عليهم السلام وكذا سائر الجوارح . انتهى كلامه .
فصل: في كيفية الشكر
اعلم أن شكر نعم الحق المتعالي سبحانه الظاهرية والباطنية ، من المسؤوليات اللازمة للعبودية ، حيث يجب على كل شخص حسب قدرته المتيسرة أن يشكر ربه ، رغم أن أحدا من المخلوقين لا يستطيع أن يؤدي حق شكره تعالى . ويكون منتهى الشكر في معرفة الانسان عجزه عن النهوض بحق شكره سبحانه . كما أن غاية العبودية تكون في معرفة الانسان عجزه عن القيام بحق العبودية له تعالى . ومن هذا المنطلق اعترف الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالعجز ، مع أن شخصا لم يشكر ربه ولم يعبده ، بمثل شكر ذلك الوجود المقدس وعبوديته ، لأن كمال الشكر ونقصه يتبعان التعرف الكامل على المنعم واحسانه ، والتعرف الناقص على المنعم وجميله . ولهذا لم يستطع أحد من النهوض بحق شكره . لأن أحدا لم يعرفه حق معرفته .
إنما العبد يكون شكورا ، اذا علم ارتباط الخلق بالحق ، وعلم انبساط رحمة الحق من اول ظهوره الى ختامه ، وعلم ارتباط النعم بعضها مع بعض وعلم بداية الوجود ونهايته على ما هو عليه . ومثل هذه المعرفة لا تحصل الا للخلص من أولياء الله الذين كان أشرفهم وأفضلهم ، الذات المقدس خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن كافة الناس محجوبون عن بعض مراتب هذه المعرفة بل عن أكثر مراتبها واعظمها . بل ما دامت حقيقة سريان ألوهية الحق لم تنتقش في قلب العبد بعد ولم يؤمن بأنه (لا مؤثر في الوجود الا الله) ولا تزال غبرة الشرك والشك عالقة في قلبه ، لا يستطيع أن يؤدي شكر الحق المتعالي كما يجب أن يكون . ان الذي يلتفت الى الاسباب ، ويرى تأثير الموجودات بصورة مستقلة ، ولا يرجع النعم الى ولي النعم ومصدرها ، يكون كافرا بنعم الحق المتعالي . انه قد نحت اصناما وجعل لكل واحد منها دورا مؤثرا . إنه قد ينسب الاعمال الى نفسه ، بل يجعل شخصه متصرفا في الامور . وقد يتحدث عن فعالية طبائع عالم الكون . وقد يرى الناس بأن النعم من الارباب الظاهريين الصوريين ، ويجردون الحق من التصرف ، ويقولون بأن يد الله مغلولة «غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا» (1) . إن يد الحق مبسوطة وأن كل دائرة الوجود منه في الواقع والحقيقة ، ولا مجال للآخرين فيها . بل إن العالم بأسره مظهر قدرته ونعمته ، وأن رحمته وسعت كل شيء وأن جميع النعم منه ، وليست لأحد نعمة حتى يعد منعما . بل إن وجود العالم منه ، وغيره لا وجود له حتى يصدر عنه شيء ، الاربعون حديثا :321
Page 320