الاربعون حديثا :301
وأما خلق الموت فهو أيضا دخيل في هذا الفرز والتفريق بين السعيد والشقي ، بل هو الجزء الاخير من العلة ، لان المقياس في الفعليات هي الصور الملكوتية الاخيرة التي ينتقل بها الانسان من هذا العالم .
وخلاصة الكلام ان المقياس في التفرقة هو الصور الاخروية الملكوتية ، وهي لا تحصل إلا بواسطة الحركات الجوهرية والأفعال الاختيارية الدنيوية الملكية . فاتضحت الغاية المنشودة من الامتحان والاختبار المترتب على خلق الموت والحياة من دون بقاء جهل في ذلك .
نعم تفصيل ذلك لأجل دحض كل الملاحظات ، يرتبط ببيان العلم الذاتي لله قبل الايجاد ، وعلمه الفعلي لدى الايجاد ، وهو أكبر من نطاق هذا الكتاب . وقوله سبحانه «أيكم احسن عملا» الذي ربط نتيجة الامتحان بأحسن الاعمال ، يعود ايضا الى هذا المعنى المذكور . وعليه يفسر الحديث الشريف ، لأنه فسر الأحسن بالأصوب ، والأصوب بخشية الله والنية الصادقة ، وهي الصور الباطنية للنفس ، والباعثة على التفرق الحقيقي للأرواح ، او انها من المظاهر للاختلافات الجوهرية الغيبية للنفس . بل بناءا على تأثر القلب والباطن من الاعمال الظاهرية كما ذكرناه سابقا ، يحصل التفرق عبر الاعمال ايضا ، فامتحان الاعمال ، اختبار للذاتيات ايضا .
وإذا فسرنا الآية المباركة حسب ظاهرها ، وقطعنا النظر عن تفسير الامام عليه السلام ، كان الاختبار ايضا بهذا المعنى المذكور ، لإن نفس الحضور في هذه النشأة الدنيوية وخلق الموت والحياة ، باعثان على فرز الاعمال الحسنة عن الاعمال السيئة . اما سببية خلق الحياة في ذلك فمعلوم ، لإنها سبب النهوض والحركة والعمل . وأما خلق الموت ، فمع العلم بعدم استقرار الحياة الدنيوية ، ,تيقن حصول الارتحال من هذه النشأة الفانية ، تختلف الاعمال من انسان لآخر ، ويتم الفرز بين صالحها وطالحها .
فصل: في بيان ان الخشية والنية الصادقة تبعثان على صواب
الاعمال
إعلم ان هذا الحديث الشريف أناط صواب وحسن العمل بأمرين شريفين وجعل المقياس في كمال وتمامية الاعمال ، هذين الاصلين : أحدهما الخوف والخشية من الحق المتعالي . وثانيها النية الصادقة والإرادة الخالصة . وعلينا أن نشرح الصلة القائمة بين هذين الامرين مع كمال العمل وصوابه .
فنقول : الأمر الأول أن الخوف والفزع من الحق المتعالي يوجب خشية النفس وتقواها ، وهي بدورها تبعث على قبول آثار الأعمال أكثر .
وتفصيل هذا الاجمال هو اننا ذكرنا سابقا لدى شرح بعض الاحاديث المتقدمة أن لكل الاربعون حديثا :302
Page 301