الاربعون حديثا :257
في حقيقة التوبة
الشرح :
اعلم ان التوبة من المنازل المهمة الصعبة . وهي عبارة عن الرجوع من عالم المادة الى روحانية النفس ، بعد ان حجبت هذه الروحانية ونور الفطرة ، بغشاوات ظلمانية من جراء الذنوب والمعاصي .
وتفصيل هذا الاجمال بايجاز هو : ان النفس في بدء فطرتها خالية من كل انواع الكمال والجمال والنور والبهجة ، كما انها تكون خاليه ايضا من اضداد هذه الصفات المذكورة الاربعة فكأن النفس صفحة نقية من كل رسم ونقش ، لا توجد فيها الكمالات الروحية ولا تتصف بالنعوت المضادة لها . ولكن قد اودع فيها نور الاستعداد والاهلية لنيل اي مقام رفيع او وضيع ، وأنشأت فطرتها على الاستقامة ، وعجنت طينتها بالانوار الذاتية . وعندما تجترح سيئة ، تحصل في القلب ظلمة وسواد ، وكلما ازدادت المعاصي تضاعفت الظلمة والسواد ، الى ان يغشى الظلام والسواد القلب كله ، وينطفئ نور الفطرة ويبلغ مرتبة الشقاء الابدي . فاذا انتبه الانسان قبل ان يستوعب الظلام القلب كله ، ثم اجتاز منزل اليقظة ودخل على منزل التوبة واستوفى حظوظ هذا المنزل حسب الشرائط التي سنأتي على ذكرها اجمالا في هذه الصفحات ، زالت الحالات الظلمانية والكدورات الطبيعية وعاد الى الحالة الفطرية النورية الاصلية والروحانية الذاتية وكأنها تنقلب النفس الى صفحة خالية من جميع الكمالات واضدادها . كما ورد في الحديث الشريف المشهور «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (1) .
فتبين ان حقيقة التوبة هي الرجوع من عالم الطبيعة وآثارها ومضاعفاتها الى عالم الروحانية والفطرة . كما ان حقيقة الإنابة رجوع من الفطرة والروحانية الى الله والسفر والهجرة الاربعون حديثا :258
Page 257